المرأة بين التواريخ المظلمة ومسابقات الجمال



نجاة فخري مرسي
تواريخ مُظلمة

1- نزلت الأستاذة المحامية من سيارتها أمام دار القضاء للمرافعة، تاركة سائق سيارتها بانتظارها في السيارة إلى أن تُدلي بشهادتها في موضوع خاص؛ لكنها عادت بعد قليل لتطلب من سائقها أن يدخل معها إلى قاعة المحكمة ليشهد ويُوقّع، أو "يبصم" لأن شهادة الأستاذة المحامية لم تكن كافية، وتُعتبر "نصف شهادة" لأنها "امرأة" !!! وأن شهادة السائق الجاهل تُعتبر شهادة كاملة لأنه "رجل" بمعنى أن الأفضلية في الشّهادة للجنس، وليس للكفاءة.
2- في العام 1975 مُنحت المرأة في لبنان بعض الحقوق، منها حق استخراج جواز سفرها أو تجديده، دون إذن خطّي من أولياء أمرها من الرجال. وفي عام 1985 (أي بعد عشرة أعوام) من صدور القرار السابق، ذهبت الدكتوره إلى مقر الأمن العام لتجديد جواز سفرها، لأنها مدعوّة إلى مؤتمر طبي في الخارج، فقيل لها: "يلزمك إذن خطي مِن زوجك"
أجابت: "أنا غير متزوجة".
قالوا: "مِن والدك"
قالت: "رحِمه الله"
قالوا: "مِن أخيكِ"
قالت: "أخي أصغر مني سناً"
قالوا: "لا بأس"
قالت: "ولكنه مسافر"
قالوا: "انتظري حتى يعود"
قالت: "والمؤتمر؟"
أجابوا: "لا يهم" !!!
**
اعترافات زوجة

كان والدي مُتعصّباُ كأكثر الآباء ... وكان أخي مُتطفّلاً، ومُدّعياً الرجولة كأكثر الأخوة. وكانت أمي غير متعلّمة كأكثر الأمهات. وكان مجتمعنا متخلّفاً ومتعصّباً كأكثر المجتمعات الشرقية والعربية ضد البنات. وكنت أنا مغلوبة على أمري ككل الفتيات في عصري، فحُرمت من الدراسة، وحُرمت من حرية التحرّك، وحُرمت من قرار حياتي، ومن الكيان الإقتصادي ومن المجاهرة بطموحاتي لتحقيق هذا الكيان. وحتى من كلمة "لا".
وكثيراً ما كنت أسمعهم من حولي يقولون: "إنَّ هم البنات حتى الممات". وان "البنت عالة على أهلها" و "الزوجة عالة على زوجها" أو "وما حاجة البنت للعلم" لأن مصيرها الزواج والخلفة، والبقاء في المنـزل.
وعندما زوّجوني دون أن يسألوني، وحدّدوا ثمني قبل وبعد، وعندما أصبحت أعي ما يقوله ويردده الجميع من حولي، استطعتُ أن أجزم بأن زوجي العزيز من النوع الذي يوافق على مثل هذه الآراء. وعندما أصبحت أعترض على هذه الآراء وأرفضها سرّاً كنت لا استطيع أن أناقشها علناً لشدّة اقتناعهم بها. ولكن لا بأس من أن أعترف لقلمي وأوراقي بشرح مختصر وترجمة سريعة لقناعاتي:
1- ليسمح لي زوجي، ولا شأن لي بأزواج الأُخريات، أن أقول: أن البنت لم تُخلق عالة، لكنها أصبحت عالة كما أرادوها أن تكون. وانني إذا كنت عالة على جيبه بالغذاء أو الكساء، فهو وأولادنا عالة على كاهلي، وعلى صحتي، وعلى طاقتي، وعلى تحمّلي اللاّمحدود الذي يساوي أكثر بكثير مما تساوي حساباته، وحسابات مجتمعه المادية ... فهم يتوقعون مني أن أكون تلك الآلة الصمّاء المتلقّية لاراداتهم، تُدار وتُحرَّك بناء على مطالب أنانيتهم بلا منّة ولا حدود. ثم يقولون بأنني عالة.
2- وليسمح لي زوجي وأولادي الخمسة – ولا شأن لي بأزواج وأولاد الآخرين – أن أقول، ما سبقتني إلى قوله دولة السويد، حيث اعتبرت بعد بحث وتدقيق أن وظيفة أي زوجة وأم، ومدبرة شؤون أسرة، ( بعد حرمانها من الإجازات الاسبوعية والشهرية والسنوية ... والساعات الطويلة بعد الدوام ... ومن تعويضات سن التقاعد آخر الخدمة) تساوي عشرات الوظائف، وتساوي الكثير، مما يجعل أية دولة مهما كانت غنية تعجز عن أن تفي الزوجات والأمهات حقهنَّ إلاّ بالتقدير، والاعتراف بالجميل، وربما بالتعويضات الرمزية فقط.
**
مسابقات الجمال!

جميلٌ أن يُحترم الجمال ... وجميلٌ أن يُقدّر جمال الوجوه، وجمال الخلق وجمال الطباع والأخلاق.
والأجمل أن يُقدّر كلّ جمال: جمال الرجال، وجمال النساء، وجمال الأطفال، وجمال الطيور، وجمال الزهور. لأن كلّ جمال على كوكب الأرض وربما كواكب أخرى، هو هبة من عند الله، ومن الطبيعة.
وقد أصبحنا اليوم نرى كيف تُقام الإحتفالات لإنتخاب ملكات الإناقة والجمال في أرقى الصالات، وعلى أرقى المستويات، تتبارى فيها الحسناوات وخرّيجات الجامعات بأعداد كبيرة للنجاح بهذه المباريات ولبس تاج الجمال والتمتع بالتقدير وبالهدايا والمنح والأسفار.
وشيئاً فشيئاً بدأت أصابع الحضارة تحوّل هذا التقليد نحو اعتبار الجمال شرطاً واحداً من ضمن مجموعة شروط منها: الثقافة – الشخصية – التعبير – الأناقة – والدرجة العلمية. وهذا جميل أيضاً ويبعث على الرّضا والتقدير، ما دامت الملكة ستمثل بلدها محلياً وعالمياً.
ولم يقتصر هذا التطوّر على ما سبق ذكره من شروط حضارية وانما تطوّر إلى اسلوب العرض، من عرض الوجوه الجميلة، والطاقات الأخرى إلى عرض الأجسام والسيقان في "مايوهات السباحة Two Pieces " باسلوب لا يليق بهذه الجامعية، أو تلك المثقفة التي حضرت لتفوز بتاج الجمال وتاج المسؤولية.
وفي هذه الحالة لا مفرّ من أن تُذكّرنا هذه العروض بسوق الجواري في العهود الغابرة يوم كانت تُعرض أجسام النساء في أسواق الرقيق، وفي عصور المتاجرة بالنساء للحصول على أفضل الأسعار من الخلفاء، وارسالهنَّ إلى حريم القصور.