قصيدتان عن حبيبتي بيروت


نجاة فخري مرسي

ـ1ـ

حبيبتي بيروت

كنت أَظنكِ الحسناء المدللة ...
السهلة المنال
فوجدتكِ البطلة الثَّائرة ...
النَّادرة المثال...
كنتُ أَظنكِ الصغيرة المحدودة ...
بالبحار والجبال
فاتسع صدركِ
لأَخطر أَنواع النِّبال...
كنتُ أَظنكِ، يا حبيبتي
المتعبة المر هقة
من كل ما دار على أَرضكِ من قتال...

كنتُ أَظنكِ المعفّرة بالغبار،
بالبارود، وبالأوحال...
فوجدتكِ الجميلة الفائقة الجمال...
كنتُ أَظنكِ لن تنهضي بعد هذه المعارك،
فوجدتكِ تقفين كالعملاقة
في وجه الوحش الإسرائيلي.
وقفة صيدا وصور بالماضي في وجه جيوش الإسكندر الأَكبر،
لتضيفي إلى سجل المدن اللبنانية العريقة
إسماً بطولياً آخر.

هل هي يا حبيبتي
وقفة الخلود؟
أَم أَنها الصحوة التي تسبق الموت؟
أَم أَنكِ ستبقين كما عهدتكِ ؟
بيروت ...
التي لا تُقهر ...
ولا تموت ؟

***
بيروت ... مدينة مفتوحة

ـ2ـ
"يوم الاربعاء في أول آب 1984 أُعلنت بيروت مدينة مفتوحة ... أُزيلت الحواجز ... فُتحت المعابر ... عادت بشائر الحياة للمدينة ..
وبانتظار أن يعود السلام والتعايش إلى قلب بيروت
والمحبة والتسامح إلى قلب البيروتيين
..."

بيروت ...
يا مدينتي الحزينة
يا أَحلى مدينة

سرقوا الإبتسامة عن ثغركِ
والحرية من أَرضكِ

تركوكِ ...
تأنين من عمق جراحكِ
وبحثوا عن لهوهم
في مُدن بديلة
يتسكعون ...
أَغراباً منبوذين ...
وها أَنتِ ...
تستردِّين عافيتكِ
تعودين المدينة المفتوحة
في المحيط المقفول ...

تَسْتقبلين الحياة ...
تفردين جناحكِ
تضمِّدين جراحكِ

تستقبلين ...
مَنْ تستقبلين
مِنَ العائدين
النّادمين.

لحظة اختيار


نجاة فخري مرسي

**

لحظة اختيار

يا رفيقي ...
لقد تعرَّفتُ على أُناسِكَ
ورأَيتُ بلادِكَ
فوجدتُ أُناسَكَ لُطفاءَ
وبلادكَ جميلةْ
ولكنَّهم ليسوا أُناسي ...
وليست بلادي ...
وأَنا فخورةٌ بأُناسي وأَهلي
ولن أُحاوِلَ أَن أُغيِّرَ موطني
أو أَصلي ...
أَنا واثقةٌ من أَنَّكَ
ستحزنُ على فراقي
وتذكُرُني ...
كما سأَتذكَّرُكَ
كلَّ يومٍ ؛ وكلَّ ساعةٍ ...
سأَتسرَّبُ إلى أَنفاسِكَ
لأَنني نسمةُ الحُبِّ
والحُبُّ لا يموتْ ...!
***

يد الزمان
تطاولت يدُ الزَّمانِ
فغيَّرَتْ لونَ شعري
وزهرةَ عمري
الشَّعرُ إبيضَّ لونُهُ ،
البشرةُ جفَّتْ وتجعَّدتْ ،
السَّمعُ خفَّ وبهُتَتْ فيه أصواتُ العصافيرِ،
العظامُ تآكلتْ ...
الذَّاكرةُ تعبتْ أشرطَتُها ...

والعيونُ خفَّ بريقها،
وأصبحتْ تبحثُ عن صفاءِ الرُّؤيا
بعد أَن كانت مرآةٌ للقلبِ،
وانعكاساتٌ
لجمالاتِ الوجودْ ...
***

على مسرحِ هذا الوجودُ المُرابي
الذي يُعطي الشَّبابَ والنَّضارةَ والحيويَّةَ
ثمَّ يعودُ ويستردُّ كلَّ ما أَعطى
مَعَ الفائدةِ الكُبرى...

وتستمرُّ المسرحيَّةُ
ولا يتغيَّر ُ سوى الأبطالْ.
وتتجدَّدُ الوجوهُ، ثمَّ تختفي
ليظهرَ غيرُها ...وغيرُها ... وغيرُها
ولكنَّ الحبالَ لا تنقطعْ
والمسرحيَّةَ لا تنتهي
والزَّمانَ هو المنتصرْ
والشَّيخوخةَ هي الحدُّ الفاصلُ
***