المرأه الجنوبيه.. أكثر من نصف قرن من العطاء والعناء


نجاة فخرى مرسى
يميل كثير من الناس الى فصل الأعمال الانسانيه والاجتماعيه عن السياسه ، ومن الناس من يميل اللى الرجعيه والسلفيه فى تجاهل دور المرأه فى الظروف المصيريه ، بل ومنهم من يعتبر أن مواقعها النضاليه والبطوليه " عوره " ، لا يجوز الاشاره اليها أو الاتيان على ذكرها , ولكن المرأه الجنوبيه ، لا يستطيع تاريخ لبنان القديم والحديث أن يغفل ذكرها ، أو عدم تسجيل مواقفها البطوليه والوطنيه بالخطوط العريضه ، ويكفى أن نسجل هنا أن نضالها الوطنى لا يعتمد على سفك الدماء ، بل على العكس ، يعتمد على تضميد الجراح .. وحماية الأطفال من نار الحروب .. وحماية نفسها وكرامتها من وحوش الحروب ، هذا كله نضال ما بعده نضال ، أما حمايتها للمناضل أو المدافع ضد الأعداء والغزاة ، وحتى قدرتها على حبس صوتها ودموعها على شهدائها أيضا نضال .
منذ تاريخ نكبة الشعب الفلسطينى وترهيبه وطرده من دياره ، والعدو الاسرائيلى يصب حمم غاراته ونيرانه على المدن والقرى الجنوبيه ، فى عمليات المطارده للفلسطينى المطرود ، حتى فى المخيمات ، ووسط هذه الظروف القاهره ، ووسط ركام الدمار ، وحرق الأرض والمحاصيل ، وبين الجرحى والقتلى ، وأمام مذابح اسرائيل المتكرره ومجازرها فى قانا وفى بقية المدن والقرى الجنوبيه ، استطاعت المرأه الجنوبيه أن تصمد وتناضل وتستمر فى العطاء والعناء أكثر من نصف قرن من الزمن ، مما جعل فصل العمل الانسانى والاجتماعى عن استعمال البندقيه من المستحيلات ، حتى وان أردنا أو أرادت ، فهى زوجه وأم وأخت وربما جده لا تستطيع مهما تحلت بالشجاعة ورباطة الجأش ، ألا تصرخ فى وجه قاتل ابنها ، أو زوجها أو ابنتها ، أو أحفادها أو لا تحمل البندقيه لتدافع عن بيتها وأسرتها ، أو من لجأ اليها من الشعب الفلسطبنى أو لا تركب السياره المفخخه لتفجر نفسها فى مواقع العدو المحتل ، كما فعلت سناء محيدلى .

كيف لنا أن نتصور أن سياسة حرق الأرض التى اتبعتها اسرائيل وهدم العمران وتشريد مئات الآلاف من سكان الجنوب وشعب فلسطين , لن تفرز هذا الكم العظيم من روح المقاومه والتحدى عند الجنوبيين وخاصة المرأه الجنوبيه ، بعد أن رأت ان سبل التحرير والتحرر لن تتحقق الا بالصمود والفداء ، وبعد أن رأت أن الهديه الوحيده التى تلقوها من بعض مواطنيها فى لبنان ، كانت تلك الفرقه المنشقه التلى أطلقت على نفسها اسم " جيش لبنان الجنوبى " الذى عسكر فوق أرض الجنوب ، لا ليدافع عن هذا الجزء العزيز من جسم الوطن ، وانما ليساعد العدو على حرق أرضه وتدمير عمرانه وارهاب سكانه ويشارك فى مخيمات التعذيب مثل مخيم الخيام الرهيب .
بعد هذا كله ن كيف تستطيع أى نظريه من النظريات العلميه أو الاجتماعيه أو الزحفطونيه أن تفصل ، كما سبق وقلنا بين الأعمال الانسانيه والاجتماعيه عن الأعمال الفدائيه ؟ أو تحدد من يناضل أو من لا يناضل من أبناء الشعب الواحد رجلا كان أم امرأه ؟ فى مثل هذه الظروف المصيريه القاهره ؟
أعتقد أننى لست بحاجه الى التذكير بالأدوار البطوليه التى سجلتها أختنا الجنوبيه فى كافة المجالات بعد أن ملأت الفراغ فى غياب الرجل الجنوبى أو بعد استشهاده ، والأمثله كثيره لا يتسع المجال لحصرحا وعدها ، مثل مشاريع السيده رباب الصدر شقيقة الامام موسى الصدر ، التى أنشأت مجموعه من المدارس للفتيات باسم " بيت الفتاة " فى مدينة صور تضم دور حضانه ومدرسه للتمريض ، ومدرسه مهنيه والعمل المتواصل فى مكافحة الأميه عند المرأه ، كما تضم عدة مستوصفات وأخرى مهنيه تشرف عليها بنفسها التى تمنح شهاده فى المهن اليدويه مثل النجاره والحداده والكهرباء وصنع السجاد ، كما افتتحت مراكز طبيه فى مدينة صور وبرج الشمال ، ثم أنشأت عام 1977 لها فرعا فى منطقة خلده القريبه من العاصمه بيروت باسم " مدينة الزهراء" , ولن أنسى جمعية " بيت المرأه الجنوبى " التى تأسست على اثر الاجتياح الاسرائيلى للبنان عام 1982 لمساعدة أرامل الحرب وايجاد عمل مناسب ليساعدهن على تخطى الفتره العصيبه ، علاوة على انشاء مشاريع مدرسيه للتمريض وللمهارات المهنيه والفنيه ، وكذلك روضه للأطفال وخاصة الأيتام منهم ، ودار للشيخوخه والعجزه .

هذه ومضات سريعه ، وقليل من كثير للدلاله على ما تقوم به المرأه الجنوبيه بعد كل حرب اسرائيليه وكل دمار وكل تشرد لجمع شمل الأسر المشرده ، واعادة تأهيل شبابها وشاباتها للقدره على الاستمرار والصمود بين كل اعتداء وآخر . انها حروب كتبت عليها ، واسرائيل تدمر وهى تعيد بناء الأسره والحفاظ على ثوابتها وتقاليدها , والأيادى التى تبنى ليست كالأيادى التى تهدم.

وألف تحية واكبار الى المرأه الجنوبيه والجنوب الصامد بكامله ، وكل عام وأنتم بخير بمناسبة عيد القيامه المجيد.

ملبورن أستراليا