الكتاب الرابع عشر للأديبة نجاة فخري مرسي: جهد كتابيٌ دؤوب وطموحات ثرة متألقة



خالد الحلِّي
ملبورن
في حفل توقيع الجزء الثاني من كتابها "المرأة في ذاكرة الزمن" عام 2004، قالت الأديبة والصحفية نجاة فخري مرسي، إنه قد يكون كتابها الأخير ، بناءً ما صورته لها نفسها عن أحكام الشيخوخة، ولكنها رأت فيما بعد أنها لا تستطيع أن تفي بهذا الوعد، بسبب ما رأته أمامها من مجوعة مقالات كتبتها ونشرتها على مدى ثلاث سنوات متتالية في مجلة "ليلى" الإلكترونية لصاحبها ورئيس تحريرها الشاعر شربل بعيني سدني-أستراليا، وهي مجلة لها قراء وكتاب في جميع أنحاء العالم.
هذا ما تخبرنا به هذه المبدعة الوفية للكتابة كفن ورسالة ووسيلة مثلى للتعبير، في تمهيدها لكتابها "كتابات على مرآة الزمن" الذي يعد الكتاب الرابع عشر لها. وقد أطل علينا هذا الكتاب بـ 316 صفحة من الحجم الكبير، وذلك بطباعة أنيقة وإخراج جميل. وقد ضم الكتاب مقالات تشير المؤلفة إلى أنها كانت تواكب فيها الأحداث السياسية والاجتماعية، وإلى أنها كانت تنشر بمعدل مقال كل أسبوع، وهي تنطوي على كتابات تعبر عما تجود به النفس وما يجود به الزمن من أحداث ومشاعر تستحق التسجيل على مراياه وانعكاساتها بحلوها ومرها.
وتوضح المؤلفة أن المقالات التي يضمها هذ الكتاب، هي مختارات مما نشرته في مجلة "ليلى" الإكترونية بين عامي 2006 و2008، ولكنها تعترف من جانب آخر بأن بعضها قد نُشِر من قبل، ولكنها ارتأت أعادة نشرها نظراً لأهميتها وفق ما أخبرها به أصدقاء كثيرون، أو لأنها أجرت بعض التعديلات عليها، وهكذا تكون تواريخ النشر خلال السنوات الثلاث المشار إليها، ترتبط بتاريخ نشرها في موقع مجلة "ليلى" فقط.
بعد تمهيد المؤلفة تطالعنا مقدمة للكتاب بخمس صفحات بقلم كاتب هذه السطور. وبالانتقال إلى محتويات الكتاب نجد أنه تضمن 114 مادة، تناولت الكثير من الهموم والتطلعات والمشاغل العربية، والعديد من المعالجات والتأملات في قضايا وظواهر عالمية، والمتنوع من طرح ومناقشة بعض قضايا وهموم وإشكاليت الجالية العربية في أستراليا. كما تضمن الكتاب مجموعة من القصائد والأشعار والتأملات التي تفيض بالرقة والجمال ورقة الاحساس.
وتضمن الكتاب قسماً خاصاً بعنوان "شخصيات نسائية"، تقديراً لعطاءات وتضحيات لنخبة من النساء اللواتي تركن بصماتهن واضحة في مسار حياتنا وتاريخنا كثيرة. وقد ارتأت المؤلفة أن تقدم في هذا الكتاب بعض النماذج التي ربما لاتعرف عنها ما يكفي الأجيال الجديدة، وهي أسماء جديرة بالعرفان والتقدير. وكانت المؤلفة قد تطرقت لهن في الجزء الثاني من كتابها"المرأة في ذاركرة الزمن"، ولكنها تطرقت إليهن في كتابها الجديد بتركيز ووفق صياغة أخرى.
وفي هذا الإطار حدثتنا بشكل مشوق وجميل عن نخبة رائعة من النساء العربيات تحت العناوين التالية : الدكتورة نور سلمان وعطاؤها الفكري والإبداعي – مي زيادة رائدة فذة خلدها التاريخ – أنس باز طبيبة رائدة بامتياز – سلمى الحفار الزبري ونتاجها الأدبي بالعربية والفرنسية – فاطمة اليوسف ومجلتها المصرية الرائدة "روز اليوسف" – سلوى نصار أول عالمة في مجال تخصصها – لبنانية حاكمة لولاية أسترالية – هيلين توماس لبنانية ترأس جمعية صحافيي البيت الأبيض في أمريكا – سيزانبراوي رائدة لا تنسى.
وعلى مدى أربع حلقات تحت عنوان "بيروت أيام زمان" تناولت عبر لقاء مع الإذاعية بديعة فتح جنبلاط بيروت الماضي والحاضر وتطلعات المستقبل. وبهذا الصدد تقول : " .. بينما كنت أبحث في أرشيفي المليء بالذكريات والأفكار السياسية للمقارنة بين حاضرنا وماضينا، وجدت فيما وجدت برنامج الصديقة والزميلة "أيام زمان" الذي يعود تاريخه إلى أواخرن القرن العشرين. وقد رأيت أن أشارك القاريء عبر حلقات في مقارنة بين بيروت اليوم و "بيروت أيام زمان"، عبر إضاءات سريعة عن الأحداث الكثيرة التي عانت منها على مدى تاريخها الطويل، الذي يصل وفق تقديرات الحفريات الجديدة إلى ستة آلاف سنة، وعن الغزاة وعن الحروب، والكوارث الطبيعية، وبالتالي عن ظلم أهلها لها بحروبهم البغيضة، التي شوهت جمالها ودمرت عمرانها ".
وجاءت ضمن محتويات الكتاب لقاءات صحفية وأدبية مهمة، حملت العناوين التالية:
· مع الدكتورطالب عمران : هاجس دائمٌ للمعرفة والوعي.
· مع الأديبة ناديا الجردي نويهض : نضال مستمر وإسهام فاعل للمرأة.
· الصحافية والروائية ليلى عسيران : مواقف رائعة و10 روايات.
· مع الدكتورة نوال السعداوي : في الإبداع والتمرد ..!
· مع الدكتورة سعاد المبارك الصباح : امرأة عربية تريد رد الاعتبار لعقل الأنثى.
· مع الأديبة أميلي نصر الله : تكتب للجميع وتعي هموم الاغتراب.
إن كتاب "كتابات على مرآة الزمن" للأديبة والصحفية نجاة فخري مرسي، هو أشبه بحديقة غناء تحفل بالجميل من الورود والثمار، وهو كتاب لا يمكن أن يفيه العرض حقه، فمعذرة، وتحية إلى هذه الأديبة والصحافية الرائدة في دنيا الاغتراب العربي في أستراليا، ولا بد لنا هنا من أن نشكر أيضاً زوجها الفاضل الأخ الدكتور النبيل أنيس مرسي على دعمه الكامل لها في مجال الكتابة، وندعو إلى الله أن يمنَّ عليهما بوافر الصحة والعافية ليواصلا عطاءهما الكتابي الثر المتدفق.

التعتيم الغربي على تراثنا - الجزء الثاني

نجاة فخري مرسي

في القرن التاسع عشر، مثلاً، أفردت دائرة المعارف البريطانية للراهبة الانجلوسكسونية "هورسيفيا" ضعف المساحة التي أفردتها لعبد الرحمن الثالث، الذي أصبحت قرطبة في ظله أكبر المدن الثقافية في أوروبا (وقد وصفتها الراهبة هورسيفيا نفسها بأنها جوهرة العالم).
كما أن تاريخ العصور الوسطى لكامبردج الذي ضمّ خمسة آلاف صفحة لم يعط للحضارة العربية في اسبانيا سوى خمسين صفحة.
كما أن المؤلف الأمريكي"جايمس هارفي روبنسون" صاحب الكتاب الدراسي النمطي لعدة عقود، والذي تناول العصور الوسطى والحديثة، قد خصص عشر صفحات فقط للنهضة الاسلامية. ثم يستطرد قائلاً:
"وهذا قد أنتج أيضاً "سير كنت كلارك" هيئة الاذاعة البريطانية في عام 1969 سلسلة تلفزيونية كاملة، وكتاباً عن "الحضارة" من دون أن يلاحظ أن هنالك شيئاً من الحضارة فيما وراء الغرب.
وحتى في وقتنا هذا فإن قلة فقط من الباحثين والمعلقين الغربيين تعترف بالدور الثقافي العربي والاسلامي آنف الذكر.
وفي باب "الانتحال عن طريق الترجمة" في نفس الكتاب "الغرب والاسلام" نجد ملاحظة لأكاديمي هولندي تقول: "لاشك في أن حقيقة الاسلام العربي والاسلامي في التقدم الفلسفي والعلمي العربي، كان يجب ترجمته قبل أن يصبح استخدامه ممكناً، لأن عملية إخفاء المصدر، وترجمة أسماء العلماء العرب الكبار بشيء من التحريف الى اللغات اللاتينية والأوروبية المستفيدة منها، قد سهلت هذا الإنتحال الثقافي الهائل، لأن تعلم اللغة العربية في ذاتها كان مكروهاً، في مختلف أنحاء الغرب وكانوا يقولون: إنها ليست جديرة بعناء التعرّض لمثل هذا الجهد والتعب لمجرّد الاطلاع على احلام وأوهام المهووسين" (وهو يعني العباقرة العرب والاسلام).
إذاً فإننا نرى أن الزمن يسير بدون توقف، وأن الحضارات تستمر وتتفاعل مع سابقاتها في مجالات العلم والأدب والفلسفة، وباعتراف الحاضر بالماضي، تأكيد على أهمية التفاعل الحضاري والعلمي عند الشعوب.
بهذه الإمكانات المحدودة، والتعتيم المذكور قررت أن أقوم بإعداد كتاب جامع باللغتين العربية والانجليزية يحتوي على معلومات كافية عن العبقريات العربية/الاسلامية، وايضاً الغربية، يوفرها للقارئ العربي المقيم، كما للمغترب في البلاد الناطقة باللغة الانجليزية، بخاصة لأجيالنا الجديدة التي ولدت في المغتربات وفقدت لغتها الأم، فأكون بذلك قد قدمت للمجتمع فكرة عن تراثنا، وعن حضارتنا التي تفاعلت مع سابقاتها، ومعاصراتها من الحضارات، والتي مهدت السبل للاحقاتها، فكانت بمثابة الأسس والقواعد، وهي تحاول النهوض في أوروبة وغيرها.
اخترت أن يكون إسم الكتاب: "عباقرة من التاريخ" وأن تكون أبوابه خمسة:
1- أقدم العباقرة (العدد ستة)
2- عباقرة من الشرق (العدد عشرون)
3- عبقريات من الشرق مختصرة (العدد 14)
4- عباقرة من الغرب (العدد 52)
5- عبقريات من الغرب مختصرة (العدد أربعة)
فبلغ عدد صفحاته 224 صفحة.
وعندما بدأت أجول في بطون الكتب، ودوائر المعارف بحثاً عن المراجع
الموثقة بدأت أكتشف مشكلة التعتيم، فقررت أن نسافر زوجي وأنا الى بلادنا العربية لأستعين بمكتبات الجامعات فيها لاستكمال ما ينقصني من معلومات عن العباقرة العرب/الاسلام خصوصاً، والقرار أن يكون باللغتين العربية والانجليزية، كما ذكرت،أنا أعدّ العربية وزوجي يعدّ الانجليزية لكل شخصية.
واكتمل الكتاب.. وطبع الكتاب في لبنان.. وكلف ما كلف من جهد ومال. فحملناه وعدنا الى استراليا بحوالي ألف نسخة، وعندي شعور بالانتصار على المصاعب كالذي بنى "القلعة" وبانتظار أن تتبناه وزارة التربية ليدرّس في أحد الفصول المدرسية.. وبأن كل قارئ عربي يدين هذا التعتيم على تراثنا سيسعده أن يقرأ هذا التوضيح، وهذه الأسماء التي نعتز بذكرها، وستسعده هذه الأضواء.. وبأن ندوات تراثية ستعقد لمناقشة أمر هذا التعتيم، وعمل شيء أي شيء لإنقاذ الموقف وبلادنا مليئة وزاخرة بالطاقات الاكاديمية، وأن، وأن، وأو، وأو يتهافتون على اقتنائه في مكتباتهم لتقرأه أجيالهم، وتعرف شيئاً عن تراثها المستهدف.
ولكن ما حصل، جعلني أستنتج عن يقين أن ما تعرّض له تراثنا من تعتيم وانتحال وتحوير كان وما زال بسبب إهمالنا، ولم يبق لنا في الاعلام الغربي سوى صفة "الارهاب".
أما عظمة قانون حمورابي.. وطب ابن سينا.. وأبو بكر الرازي.. وسقراط وابو قراط.. ومقدمة ابن خلدون.. وافلاطون وارستتطالس.. وابن الهيثم.. والبيروني.. وأبو العلاء المعري.. وابن باجه.. وابن رشد.. وابن الخازن.. وابن النفيس.. والطبري.. والاشعري.. وابن جابر.. وابن النديم.. والأصفهاني، وابن الاثير.. والانطالكي.. فقد طواهم التاريخ أو كاد، ولا ذكر لهم في مدارسنا أو في مجالسنا..
سامحنا الله.

ملبورن – استراليا في اوائل عام 2009

الغرب وعمليات التعتيم على تراثنا العربي والاسلامي

نجاة فخري مرسي

في كل عمل تسجيلي يحتاج الكاتب أو الباحث الى المراجع الموثقة في دوائر المعارف، أو كتب التاريخ، أو دائرة المعارف المحلية والعالمية وعلى سبيل المثال عندما قررت عام 1989، أن أسجل تاريخ الهجرة العربية الى استراليا في كتاب، لم أجد أمامي أية معلومات مسجلة أو موثقة في استراليا أستعين بها في هذا الموضوع، فكان عليّ أن أعتمد مكرهة على ما تتناقله الألسن في مجالس المغتربين من أوائل المهاجرين.
كذلك وجدت وأنا أعمل في الصحافة المهجرية العربية أنني كلما أردت أن أكتب عن شخصية عربية أو اسلامية ذات شأن تاريخي في الأبواب الصحفية التي كنت أحررها مثل باب "صندوق المعرفة" في جريدة "النهار" المهجرية التي أراسلها، أو باب "عباقرة من التاريخ" في جريدة "البيرق" اللبنانية المهجرية أيضاً، كانت تواجهني نفس الصعوبات في المراجع الغربية، طبعاً بعكس الشخصيات الغربية التي كانت مراجعها متوفرة تماماً، مما جعلني أعتقد أن هنالك تعتيماً على تراثنا العربي والاسلامي في تلك المراجع، هذا الى جانب تحريف بعض الأسماء لبعض العلماء العرب والاسلام، فكأن يصبح إسم إبن سينا.. Avicenna وابن رشد.. Averroes واسم ابن الهيثم.. Al-Hazen وهلم جراً.
كذلك تجد أن طريقة توزيع المعلومات عن الشخصيات العربية في دائرة المعارف البريطانية، وكوليرز Colliers الامريكية تأتي على شكل أسطر معدودة تحت كل تخصّص في مجلدات مختلفة، يصعب على الباحث، أو المنقب تتبعها، أو الوصول اليها في الوقت المتاح – خاصة إذا علمنا أن لكل عالم من العلماء العرب تخصصات عديدة، مثل الطب والفلك والهندسة والرياضيات والفلسفة، في نفس الوقت.
ولكي نبرهن عن نظرية التعتيم هذه دعونا نستشهد بأقوال بعض المستشرقين من أهل الغرب. قال الدكتور "تشيلدز" في كتابه "الغرب والاسلام" صفحة 149، ما معناه أن كل الثقافات التي استغرق اتصالها بغيرها من الثقافات مدى "زمنياً" محدوداً نسبياً، تتعمد جهلها بتلك الثقافات. بيد أن قصر المدة في العلاقة الغربية/الاسلامية، لم يشكل سبباً كافياً لذلك، مع أنه لم تكن للغرب علاقة طويلة ومستمرة في الواقع، بغيرهم من الثقافات الأخرى في العالم، كما كانت علاقته في الاسلام والعالم العربي، إذ لم تكن هذه العلاقة خارجية فحسب..
وبالرغم من أن المؤسسة التعليمية في الغرب عمدت الى عدم تبصير أجيال من الاطفال بالاسلام، فالحقيقة الثابتة هي أن المعرفة العربية/الاسلامية كانت أساساً لنهضة الحضارة الغربية نفسها.
كذلك لا بأس من أن نستشهد بقول الدكتور "د. ج. جوري" في الكتابة ذاتها، أو في الكتاب ذاته تحت عنوان "فقدان الذاكرة الطويل الأجل"، حيث يقول:
"من الواضح أن العصور الوسطى لم تكن مظلمة حقاً، ومجرد أن إنجازاتها العظيمة قد حققها الشرقيون، لم يكن عذراً كافياً للانتقاص من قيمتها. إذا أن الحكم غير المتحيّز الذي يقضي به التاريخ، هو أنه منذ النصف الثاني من القرن الثامن، الى القرن الثاني عشر كانت اللغة العربية لغة العلم للجنس البشري.
خلاصة القول أنه في كل علم أساسي، أو حرفة استخدمها الغرب لتحقيق تقدمه، نجد نفس الأدلة على أن هناك ميراثاً من العالم الثالث، عندما كان حقاً هو العالم الأول، انتقل عن طريق العرب في ظلّ الاسلام، مع ذلك نجد في التاريخ الغربي الرسمي، والتعليم الغربي العام/ صمتاً مطبقاً حول هذا الموضوع.
يتبع

أرض الحريات

نجاة فخري مرسي

كثيرة هي الأقلام التي تكتب في الحملات الانتخابية عن اقتناع وعن غير اقتناع وكثيرة هي الأكف التي تصفق لمجرد التصفيق.
وكثيرة هي الشخصيات التي تأخذ الصور التذكارية مع "مالكولم فرايزر" ثم مع "بوب هوك" دون حرج، ثم تنتخب من تنتخب.
... أنا لا أحب أن أكون واحدة منها.. لمجرّد أن مستر بوب هوك قد أصبح رئيساً للوزراء وبإمكانه أن يحيي أو يميت.
جالت في خاطري كل هذه الأفكار قبل أن أحضر حفل الكوكتيل الذي أقامته بلدية ملبورن على شرف رئيس الوزراء، الأسبوع الماضي، بمناسبة الحملة الانتخابية، ودعتني اليه، من ضمن قائمة العاملين في الإعلام.
وتنازعتني عوامل كثيرة منها: واجبي كصحفية ومحبذة لحزب العمال. ومنها واجبي تجاه قوميتي ومواقف الرجل منها، ومنها أن من سمع تصريحات مستر بوب هوك الاسبوع الماضي لا يسعده أن يسمع رئيس وزرائنا اليوم وهو يصرّح عن شدة حرصه على لبنان.. لأن لبنان الذي يدعمه بوب هوك ويدعمه الغرب وتدعمه اسرائيل غير لبنان الذي نحلم به وطناً لجميع اللبنانيين.
وأخيراً قررت أن لا أصفق لبوب هوك، وأن لا أكتب حرفاً واحداً عن غير اقتناع.. لن يؤثر ذلك على شعبية حزب العمال.. أو يقلل من حجم الحملة الانتخابية التي ستصل مصاريفها الى خمسة وثلاثين مليون دولار "أدفع أنا وكل مواطن أسترالي كل 12 شهراً جزءاً من تكاليفها دون أن يستشيرنا أحد". لكنه سيقلل من إيماني بمبادئي وقوميتي وصدق مواقفي.
وسيقدر رئيس الوزراء صراحتي وحريتي التي أنا مدينة بها لديمقراطية الصحافة في لبنان.. والى أرض الحريات: أستراليا.

مسؤولية المرأة

نجاة فخري مرسي

بدأت المرأة الاسترالية القيام بدورها الطليعي في الامور السياسية والاجتماعية والانسانية. وبذلك تكون قد وسّعت قاعدة نشاطها من دائرة "تحرير المرأة" و "حقوق المرأة" الى المشاركة في المشاكل الانسانية والدولية العامة التي تخص الجنس البشري ككل.
وفي الاسبوع الماضي تظاهرت حوالي 500 سيدة أمام محطة "باين غاب" الاميركية للارسال اللاسلكي الذي يقوم بتوجيه جميع السفن الحربية التي تحمل قنابل واسلحة ذرية في المحيطات المحيطة باستراليا.. اعتقاداً منهن بأن هذه المحطة ستكون من الاهداف الهامة اذا قامت حرب ذرية وأن وجودها سيجرّ الويلات النووية على استراليا ومن فيها.
ثم قررت المتظاهرات الاعتصام لمدة اسبوعين أمام المحطة لجذب انتباه وسائل الاعلام والشعب الاسترالي ككل لمشاركتهن الرأي في خطورة وجود هذه المحطة الاميركية التي تجهل استراليا ما يدور في داخلها.
وقد وفرت الحكومة أعداداً كبيرة من قوى البوليس المحلي والفيدرالي أثناء المظاهرة والاعتصام لحفظ الامن وحماية المحطة.
أما المبادرة الثانية التي قامت بها المرأة الاسترالية في نفس الاسبوع كانت مظاهرة مكونة من سيدتين فقط دفعت كل منهما مبلغ 459 دولاراً لحضور محاضرة لهنري كيسنجر اثناء وجوده في ملبورن، وهما مسز موزان غور ومسز روز ايسون – من المعروف أن هنري كيسنجر الذي يزور استراليا لالقاء محاضرات عن فلسفة الاقتصاد السياسي بصفته وزير خارجية سابق ومستشار ريغان لشؤون اميركا الوسطى حالياً – وعند فتح باب الاسئلة وقفت مسز ايسون لتسأل مستر كيسنجر سؤالاً محرجاً عن تدخل الاستخبارات الاميركية في نيكاراغوا وصرفها لمبلغ 50 مليون دولار لتشجيع الارهاب في المنطقة، فحاول رئيس الجلسة ان لا يعطيها الحق في هذا السؤال لكنها أصرت على سماع جواب كيسنجر، فأجابها كيسنجر منكراً هذا الاتهام. أما مسز غور فكان سؤالها عن تدخل اميركا في كمبوتشيا، أما صوتها فضاع بين الضجيج الذي افتعله الحضور.
هذا ما حدث داخل القاعة في حين وقفت مجموعة كبيرة من النساء للتظاهر ضد وجود كيسنجر، يحملن يافطات كتب عليها عبارة "لتخرج اميركا".
هذه بوادر نهضة نسائية في استراليا ذات لون جديد تخدم السلام وتستنكر استعمال الارض الاسترالية لمصالح استراتيجية اجنبية تعرّضها وتعرّض اولادها لحرب إبادة لا دخل لها فيها.
وأنا إذ أدرج هذه التحركات النسائية لا للحصر ولا للعد وإنما على أمل أن أقدمها مثلاً لنساء الامة العربية التي يفني رجالها بعضهم بعضاً ويحرقون الاخضر واليابس ويضحون بالاطفال والشيوخ على مذابح التبعية والاطماع والاحقاد، وينقسمون الى فئات منها من يستقبل الاستعمار ويستعين "بتشريفه" لتصفية الحسابات القديمة... ومنهم من يستضيف أشباه الاستعمار باسم القومية والوطنية، ومنهم من يستعمل الدين لسنّ خناجر الموت وإشعال فتائل المتفجرات، والنساء يهربن بأطفالهن من ملجأ الى آخر لا حول لهن ولا قوة.
أين المرأة العربية؟ لم لا تقف وقفتها لتستصرخ ضمائر الرجال؟ ولتطالب بوقف النزيف؟ لإنقاذ الأوطان/ أين نساء لبنان؟ لم لا يتظاهرن ولا يعتصمن؟ ولا يخرجن من المخابئ والملاجئ والجحور ليثرن على اطنان القنابل، وأكوام البنادق والمتفجرات؟ ويرمينها في اليمّ، ويشعلن فيها النار؟ لتحرق البغضاء وتدمر الحقد وتطهر القلوب وتعيد للوطن المنكوب حياته وحيويته وطهارة أرضه، والى أطفاله الحياة الطبيعية والمستقبل الباسم.

الهرم الرابع

نجاة فخري مرسي

شكراً للتلفزيون الاثني الذي عرض لنا فيلماً تسجيلياً عن حياة كوكب الشرق أم كلثوم وأطلق عليه إسم "الهرم الرابع".
وشكراً للمنتج الفرنسي الذي أنتج هذا الفيلم التسجيلي عن معجزة من معجزات الغناء العربي، التي سبقت، كما قال، "بياف" و "ماريا كالاس".
قضينا ساعة مع عرض تحليلي لقصة حياة الطفلة المعجزة التي منحها الله صوتاً له طبقات لا مثيل لها طبقاً للتحليل العلمي للأصوات.
عرض خلالها رحلتها السريعة الى القمة لإصرارها على مستوى كلمات أغانيها فقفزت بالأغنية العربية من المبتذلة الى الأغنية العاطفية الراقية التي يمكن اعتبارها أغنية كلاسيكية.
كما عرض أم كلثوم الإنسانة التي كانت تساعد أهل قريتها الفقراء على تحصيل العلم في مصر والخارج.. وعرّف على أم كلثوم منشدة الأغاني الحماسية التي ألهبت حماس الشعب والجنود في معاركهم المصيرية وأم كلثوم الوطنية التي بكت ومرّت بأزمة نفسية حادّة عندما سمعت أخبار نكسة 1967، وتحولت بعدها لفترة تردد الأغاني الدينية وهي تتألم بسبب إلقاء اللوم على صوتها ووصفه بأفيون الشعب الشعب العربي وأنه كان من أسباب النكسة.
ثم استعادت أم كلثوم عزيمتها وارتفعت راياتها، وبدأ صوتها يجمع الدول العربية مرة أخرى حول قيادة من آمنت به، ومثلت أم كلثوم الرمز العربي الوحيد الذي اجتمعت حوله عواطف الشعوب العربية بأكملها، بعد عبد الناصر الذي قطعت بسببه رحلتها الى موسكو وألغت ارتباطاتها للقيام بواجبها في توديع بطل القومية العربية يوم وفاته.
كنا نود أن نوجه شكرنا الى مصر أو أية دولة عربية لإخراج مثل هذا الفيلم، ولكن حتى أم كلثوم معبودة الجماهير لم تخرج البلاد العربية فيلماً واحداً عن قصة حياتها لتخليدها، على الرغم من شرائهم لمليون ونصف نسخة من أغانيها سنوياً.
لقد تبجح مناحيم بيغن وادعى في أول زيارة للقاهرة قائلاً بأنه في منتهى السعادة بعودته الى مصر ليتمتع بمشاهدة الأهرامات، التي بناها أجداده، وكانت كذبة صهيونية محترفة وبعيدة المرمى.
ويظهر أن الهرم الرابع "أم كلثوم" قد سبقنا في بنائه مخرج فرنسي، فشكراً له، على قيامه بواجب كان على الشعب أن لا يهمله.

الخطأ الفادح

نجاة فخري مرسي

من أهم الأخطاء الاجتماعية الفادحة، أن يسيء الانسان استعمال حريته. ومن الأخطاء الأخلاقية التي لا تغتفر هي أن يعضّ الإنسان اليد التي تطعمه.
إذا كانت ظروف بلادنا وظروف حياتنا قد حكمت أن يغيّر بعضنا وطنه، وأن يحضر ليعيش في بلد تختلف قوانينه عن قوانين بلاده بحسنات ورعاية لم يتعود عليها، فمن البديهي أن يتمتع بهذه الحسنات وأن يقدّر هذه الرعاية ويُظهر امتنانه، ويحافظ على نعمته الجديدة.
في الفترة الأخيرة، هبّت عاصفة إعلامية تتحدث عن حوادث النصب التي كلفت الدولة وشركات التأمين ملايين الدولارات.. بعد أن اكتشفت الجهات المختصة أن بعض العاطلين بالوراثة (من فئات اثنية مختلفة من ضمنها فئة عربية) قد استعملت ذكاءها بطرق ملتوية ومخجلة، واستغلت كرم الدولة الاسترالية ومصادر الرعاية الاجتماعية أسوأ استغلال، وأصبحت تحصل على أكثر معونة اجتماعية في آن واحد (هذا بالإضافة الى عمليات النصب على شركات التأمين).
كنا نتمنى أن تقدّر هذه الفئات – التي حُرمت في بلادها من نعمتي الحرية والرعاية الاجتماعية، أن تقدّر ما تقدّمه لها استراليا، وأن تحترم نعمتها وتحافظ عليها. ولكن على العكس قد عبثت بها وأساءت الى سمعتها وسمعة جاليتها، بل وسمعة بلادها أيضاً.. وأخذت أكثر من حقها على حساب غيرها، دون وازع من ضمير ولا رادع من أخلاق.
وأخيراً وقعت الواقعة وتمّ اكتشاف بعض عمليات النصب هذه من قبل الجهات المسؤولة، وسينال النصابين الجزاء.
وأما الجزاء فهو، أولاً السمعة السيئة ثم إعادة دفع المبالغ المنهوبة على مدى أشهر أو سنين بأثر رجعي (أي من أول دفعة حتى تاريخ اكتشافها) أو السجن.
ونأسف شديد الأسف كجالية محترمة كانت لها سمعتها الطيبة منذ تاريخ الهجرة الى استراليا، أن تعرّضها فئة غشيمة الى مثل هذه المواقف المهينة. وألف رحمة على روح الذي قال: "إن أنت أكرمت الكريم ملكته" وعفى الله عمّا فات، على أمل أن تكون حملة التطهير والتشهير هذه من الدروس المفيدة للمستقبل.

أنقذوها يا سادة

نجاة فخري مرسي
أكتب هذه الكلمة، وقلبي يرتعش من الخوف، مع أنني أحمد الله على أن "الشهامة العربية" قد منحتني بعض "الحصانة النسائية" التي لا أحب أن أخسرها بجرة قلم.
لكنني أرى أن من واجبي وواجب كل من يتعامل مع "صاحبة الجلالة" ألا يقف مكتوف الأيدي، أمام ما نقرأه اليوم وكل يوم على صفحات صحفنا العربية من قدح وذمّ وألفاظ نابية، يوجهها القرّاء لبعضهم البعض.
ليس هذا يا سادة ما نريد أن نقرأه في صحفنا وليس هذا ما نريد أن ننشره في المجتمع المهجري كشعب عُرفت صحافته في لبنان، بالصحافة الحرة،.. وليس هذا ما يدل على أننا في بلد ديمقراطي كأستراليا يقدّس حرّية الكلمة وحرّية الفرد، ويتقبل رئيسها النقد الإعلامي بابتسامة وسعة صدر، يدلان على الديمقراطية الصحيحة (التي نرجو أن نتعلمها).
لكنه إن دلّ على شيء فإنما يدل وللأسف الشديد، على أننا نسيء استعمال الحرية والديمقراطية، وعلى أننا لا شعورياً يتأثر سلوكنا بما يجري على أرضنا اليوم، حيث تعاني صحافة بيروت ظروف تسلط على الحريات.
ولكي نخرج من تأثيرات هذه الظروف، ونعود الى طبيعتنا الأصلية.. لابدّ لنا من وضع النقاط على الحروف ومن مناقشة أنفسنا والتوصل الى معرفة ما لنا وما علينا.
وهذا يقتضي تقبّل الصراحة، والاعتراف بالآتي:
أولاً: ان من حق الكاتب، أينما كان، ومهما كان أن ينتقد، بشرط أن يكون النقد بناء ومفيداً.. ومن حقه أن يتطفل على اللغة وأن يُغضب "سيبويه" شرط أن تخضع لغته لأبسط قواعد وأصول اللياقة.. ومن حقه أن يستعمل القلم، شرط أن يحترم القلم الذي يستعمله، والصفحات التي يكتب عليها، في الصحيفة التي فسحت له مجالاتها وصفحاتها. ومن حقه أن ينتقد كاتباً آخر، شرط أن ينحصر نقده بعمل الكاتب الآخر، بعيداً عن شخصه واسمه وطائفته وجنسيته.. ومن حق أي قارئ أن يعبّر عن رأيه وأن يسجّل أفكاره على صفحات الجرائد، ولكن بما يعود بالفائدة على الصحيفة، وعلى المجتمع، وعلى اللغة والأدب، وعلى تنمية المعارف والمشاعر الإنسانيه والقومية، والحفاظ عليها.
والكاتب الأديب.. والأديب المؤدب.. والصحافة المحترمة والقارئ الواعي.. مدعوون جميعاً الى عدم السماح لهؤلاء، بالتردي بلغة الصحافة الى مثل هذه المستويات المرفوضة، لأننا نحتاج لتثقيف أولادنا.. نحتاجها لتنمية مداركنا السياسية والاجتماعية والأدبية.. نحتاجها لمعرفة أخبار بلادنا.. نحتاجها لمتابعة أدبنا ولغتنا، نحتاجها أكثر ما نحتاجها لربطنا بعاداتنا وتقاليدنا والحفاظ على تراثنا.
نريدها صحافة مهجرية على مستوى الصحافة المهجرية التي ساعدت على تنمية مواهب جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وغيرهم من أدباء وشعراء يعتز بهم لبنان.
نرفضها مسرحاً للمزايدات والمهاترات واستعمال لغة الشوارع والمعارك الكلامية للحط من كرامة الكلمة وكرامة اللغة وكرامة القارئ وبالتالي كرامة الانسان.
نطالبها ونطالب الأخوة رؤساء تحريرها بأن يكونوا الحَكَم ويستعملوا حقهم في فرز المواضيع المفيدة ورفض المبتذل الممجوج وأن لا يعتبروا أن مجرّد توقيع الكاتب تحت الكلام المسيء للآخرين وللمصلحة العامة يعفيهم من مسؤولياتهم أمام رسالتهم وأمام مجتمعهم وأمام "صاحبة الجلالة".
وصاحبة الجلالة تغرق وتحتضر، فأنقذوها.

لا لإحضار المسنين

نجاة فخري مرسي

في هذه الزاوية خبر عن مطالبة رئيس وزراء فكتوريا للحكومة الفيدرالية بزيادة الهجرة، بسبب تدني عدد السكان وحاجة الولاية الى بعض الخبراء.
وأن تكون هذه الزيادة على أساس جمع الشمل وتوطين اللاجئين وإحضار ذوي الخبرات المطلوبة. ونحن إذ ندعو الله أن تستجيب الحكومة الفيدرالية لمطلب رئيس وزراء الولاية الخضراء، نغتنم هذه الفرصة لنبحث معاً مشكلة تهمنا جميعاً، قد يعود بحثها بالفائدة علينا جميعاً.
محبة الوالدين طبيعة إنسانية، ورغبة المهاجر في إحضار والديه للعيش معه أمر طبيعي.
ولكن ما يجب بحثه الآن هو الطريقة، لأننا إن اختلفنا على الشكل لا يمكن أن نختلف على هذا المبدأ.
لنبدأ إذن من حيث يشعر المهاجر بعاطفة ضرورة إحضار والديه الى استراليا حيث يذهب ليقدّم طلب هجرة لوالديه. وحيث توافق له الحكومة على الطلب دون تحمّل مسؤولية إعالتهم وعليه إذا كان جادّاً في مطلبه أن يوقع أمام الحكومة على كفالة تامة وتعهد تام. وبوازع من مشاعر الابن البار الذي يريد أن يضحي بالغالي والرخيص في سبيل إحضار أمه وأبيه. يوقع على الكفالة ويستلم الموافقه ويحضر الوالدين وتفرح الأسرة ويجتمع شملها.
ولكن ما نراه كل يوم في جاليتنا والجاليات الأخرى من ردود فعل لهذه المغامرة مثل عزلة الأهل وشعورهم بالوحدة بسبب غياب الأبناء طول النهار للعمل وجهلهم للغة وعدم وجود الأصدقاء. ومع الوقت يبدأ الأهل بالتذمر والشعور بالضياع وتبدأ تعاستهم تنعكس على جميع أفراد الأسرة فتسبب المشاكل.
وللخروج من هذه التجربة ومن هذا المأزق يبدأ البحث عن حلول. وهنا تفرض بعض الحلول نفسها، بسبب عدم وجود البديل، وبسبب استحالة العودة في بعض الحالات.. ومن الحلول المكررة إيجاد مسكن منفرد للأهل.
فيكون معنى ذلك أن الابن فتح على نفسه أبواب ميزانية صرف جديدة قد ترهق ميزانية أسرته من جهة وتشعر الآباء بأنهم غير مرغوب بوجودهم من جهة أخرى فتتشعب المشكلة وتكبر. ويبدأ الابن بالبحث عن وسيلة لاقناع الحكومة بإعالة والديه. ويبدأ الوالدين بالشعور بأن ابنهم قد جنى عليهم بإحضاره لهم وتخليه عنهم وما إلى ذلك.
فعلى هذا الأساس نرى، وبالخطوط العريضة، أنه من الافضل ألف مرة أن نبني موضوع حبنا لآبائنا على أسس عاطفية وعقلانية.
ومن أراد منا أن يبرّ بوالديه، أن يدعوهما الى زيارته ويترك لهما الخيار في قبول أو رفض الحضور للعيش في استراليا.
وإن أعجبتهم وتقبلوها فأهلاً ومرحباً، اللهم على أسس مادية مدروسة لها فيها ما يجلب الضرر للطرفين.
وإن رفضوها ونفروا منها، فليس أبسط من أن يعودوا الى أرضهم وديارهم وأصدقائهم وبيئتهم الطبيعية مع تخصيص مساعدة مالية اختيارية من الابن تساعدهم على العيش المريح في شيخوختهم، وتشعر الابن في نفس الوقت بأنه قادر على مساعدة أهله وكسب رضاهم ودعاهم.
أما بالنسبة للأهل الميسورين فبإمكانهم إن رفضوا العيش في استراليا أن يحضروا الى زيارة أولادهم بين الحين والحين، أو يذهب الأولاد الى زيارتهم كلما استطاعوا الى ذلك سبيلا.
وأنا لا أتكلم عن المادة لأنها تستطيع أن تحل محل الواطف الأبوية والبنوية وإنما لأنها تسبب المشاكل وكثيراً ما تطغي على نبل العلاقات بين الأباء والأبناء، لأن ما لمسناه، بالتجربة قد أساء لهذه العلاقات في بعض الحالات وقد سبب التعاسة للآباء والشعور بالغربة والضياع، كما قلنا، وطبعاً هذا ما لم يقصده الأبناء عندما أقدموا على مشروع إحضار ذويهم الى استراليا. ولتجنب الوقوع في هذا الخطأ الفادح، لا بد من أخذ العبرة من أخطاء الغير وتجارب الآخرين والله المعين.

في الذكرى السنوية للصديق الراحل حسّان السعّافين ابو نهاد

نجاة فخري مرسي
كلمة من القلب

انتقل الى رحمته تعالى في الخامس من ايلول 2007 صديق عزيز وأخ كان صديقاً للأدب العربي وللكتاب والقلم والكلمة، بعد معاناة بعثت على الأسف والأسى.

أيها الأخ الصديق حسّان السعّافين، بعد أن انفصلت روحك الودودة عن جسدك المتألم، رأينا أنا وزوجتى أن نرسل لك هذه الكلمة الصادرة من القلب، إعترافاً منا وتقديراً لصداقتك الدائمة والمستمرة لإنتاجنا الفكري وحضورك لندواتنا الأدبية، وحفلات توقيع كتبنا، وتقديمها للحضور باسلوبك الأدبي الراقي النظيف، وقد خسرناك وكانت الخسارة كبيرة.

أرقد الى جوار ربك يا أبا نهاد هانئاً مطمئناً، واعلم أننا سنذكرك كلما استمرت الحياة، ونصلي أن يكون مقامك في الجنة. لك الرحمة ولأسرتك وآلك ولأصدقائك ولنا من بعدك جميل العزاء. سنفتقدك في المناسبات الأدبية في ملبورن، وأنت المربّي، وأنت الضليع في لغتك العربية والتي كان يفوح من كل كلمة تكتبها، وفي كل مناسبة تحضرها عبير الصدق والإلتزام والمواطنية.

لنا ولأسرتك وأصدقائك العزاء.
ولا حول ولا قوة إلا بالله.

الآسفان: دكتور أنيس وزوجته
نجاة فخري مرسي

حب الوطن

نجاة فخري مرسي

في أحد البرامج الصباحية في محطة اذاعية عربية، غرّدت المطربة فيروز اغنيتها الرائعة: "بحبك يا لبنان يا وطني بحبك، بجنونك بحبك، بفقرك بعزّك بحبك، وإذا نحنا تفرّقنا بيجمّعنا حبك" وفور انتهاء الأغنية فتحت الخطوط، وسألت احدى المذيعات السؤال التالي: "إذا كنت تحب وطنك، كيف تحبّه؟".
إنهالت الأجوبة، فجاء أكثرها عاطفياً، كلٌ حسب قناعته. أمّا كلمة كيف؟؟ فأجوبتها كانت كثيرة، منهم من قال إنه يدعم والديه في لبنان، ليبعد عنهما شبح الحاجة، ويحفظ كرامتهما. ومنهم من يتبرع لشق طريف إسفلت لقريته.. ومنهم من يبني مدرسة لأبناء قريته أو يفتح مستوصف صحي، أو يزور وطنه كلما سنحت له الفرص ليجدد العلاقات الأسرية والإجتماعية، ومنهم من حافظ على أهمية تعليم أولاده الذين ولدوا في استراليا لغتهم الأم، والحفاظ على قيمهم الدينية والاجتماعية، وأن يأخذهم لزيارة وطنهم للتعرّف على روعته وحضارته وديموقراطيته ومدنه ومصايفه ومنتزهاته، وووالخ.
وهذه أمور كلها مشهود بها للمهاجر اللبناني، أينما كان، ومهما تغرّب وكل هذا جميل ومشرّف، ولكن بقي الواجب الأهم، الذي لم يذكره أحد، ألا وهو أن نفكر كمجموعة بدعم اقتصاد الوطن الذي نحبه والذي نريد أن نعبّر عن حبّنا له، ونحن نعلم أن اقتصاده يقترب من خط الخطر، بعد أن كثرت ديونه، وتراكمت فوائدها، بسبب الأنانيات الشخصية والذاتية عند بعض المسؤولين فيه فامتلأت جيوبهم وفرغت خزينته.
ولو فكرنا معاً بروح دعم اقتصاد الوطن، مشروع عملي ملحّ لكانت أولويات التعبير عن حبنا لوطننا هي دعم اقتصاده.
دعونا في هذه العجالة نتذكر، مشروع: باريس واحد.. باريس اثنين وباريس ثلاثة التي دعا فيها الرئيس الفرنسي الصديق الراحل، دول العالم، كي يتبرعوا بالمال لمساعدة اقتصاد لبنان.. ونتذكر كيف تبرعوا بالملايين شفوياً، الى أن وصلت الأرقام الى المليارات، ولكن للأسف لم يُسدّد اكثرها، لأن أكثرهم لم يوفي بما وعد. وهذا يّعيد الى الذاكرة المثل القائل: ما حكّ جلدك غير ظفرك".
كلنا يعلم أن الاحصائيات في لبنان تقول: إن المهاجرين اللبنانيين أعدادهم ضعف اللبنانيين المقيمين في لبنان، وان حوالي الثمانية ملايين في مغتربات العالم الكثيرة قد حققوا فيها الكثير، لا بدّ أن يكون بإمكانهم أن يفعلوا شيئاً لانقاذ اقتصاد وطنهم، برجالهم ونسائهم.
ويكفي أن نذكر ونذكّر، البرفسورة ماري بشير التي عيّنت حاكماً "لولاية" نيو ساوث ويلز، وأول امرأة تعيّن في سلك القضاء الاسترالي، وهي من مواليد لبنان. ويجب أيضاً أن نذكر ونذكّر أن علينا أن ننشئ، ما يسمّى "صندوق المهاجر" يُغذيه كل مهاجر حسب إمكاناته من المليونير حتى محدود الدخل، ويستمر هذا الصندوق بدفع أقساط ديون وطننا السنوية الى أن ننقذ مشكلة اقتصاد الوطن ليستعيد لبنان عافيته وأمجاده وصناعته وسياحته وزراعته ويفتح لنا نحن المهاجرين ذراعيه لنعود ومعنا كل ما حققناه من مال وخبرة، وهذا مثل رائع لحب الأوطان، وليس بالشوق والأغاني والدموع والتأوهات.

توحدوا

نجاة فخري مرسي
من المعروف أنه لدى الجالية العربية في ملبورن وحدها حتى الآن 38 تجمّعاً على شكل اتحاد أو منظمة أو حزب أو جمعيات سياسية أو اجتماعية خيرية أو دينية أو اجتماعية فقط.
ومنها ما لايزيد عدد أفرادها عن عدد أصابع اليد، ومنها من تمثل جالية إقليمية بكاملها منشقة على نفسها تعاني من الانقسامات والخلافات وعدم الثقة. ومنها من لها دستور ومنها من تمارس واجباتها وخدماتها وحفلاتها بدون دستور.
وقد درجت أكثر هذه الجمعيات أو بعضها على عمل انتخابات سنوية.. والغاية غير معروفة من كل هذه الانتخابات. هل هي المغالاة في الدقة؟ أم أنها وسيلة لحسم نزاع على السلطة؟ أم زيادة في الديمقراطية؟ العلم عند الله. مع أن المجالس النيابية في العالم تحلّ ويُعاد انتخابها مرة كل ثلاث أو أربع سنوات، وكذلك الحكومات والوزارات.
ولو نظرنا الى ما تسببه هذه الانتخابات من ربكة وحزازات ومضيعة للوقت والجهد، لصعب علينا فهم المبرر أو الهدف من وجودها وتكريرها.. مع أننا نعلم بالخبرة أن أكثر هذه الانتخابات تجيء نتائجها واحدة وتعود بنفس الوجوه الى (منصة الحكم) وتقع في نفس الأخطاء وتعيش في نفس الدوامة وتواجه نفس الضغوط ونفس المعارضة.
تماماً كما هو حاصل في وطننا الأم لبنان، حيث يذهب كامل الأسعد ويعود حمادة ويذهب صائب سلام ويعود رشيد كرامي ويذهب كرامي ليعود ابن الصلح.. وتشكل الحكومات وتحل البرلمانات والشعب يعيش على أمل أن يرى بعض الوجوه الجديدة فلا يرى سوى الوجوه المألوفة التي ورثت الحكم والمراكز عن الآباء والأجداد.
أما الأجيال الجديدة والكفاءات الشابة والشهادات العالية والوجوه المثقفة فليس لها مكان بعد تحت قبة البرلمان اللبناني.. ويعلم الله متى سيصبح لها مكان.. ويتخلص الوطن المسكين من الحكم الرجعي القائم على الطائفية والعشائرية.
وفي ملبورن تكاد تكون جاليتنا صورة مصغّرة عن الوطن الأم (ومن شابه أباه ما ظلم).
وأما الخدمة العامّة.. ومظاهر التعاون والتكتل والتجرد وتوحيد الكلمة.. فلم يحن أوانها بعد.. لأن الانسان لم يصل بعد الى كوكب الزهراء.. ووصوله الى القمر غير كاف ليصل مفهومنا الى ما يناسب وجودنا ومصالحنا.
ويكفي أن نعلم أن تغيير جميعة من الجمعيات لرئيسها برئيس آخر يسبب عداء أبدياً بين الاثنين وربما بين الرئيس السابق وجاليته لأنها انتخبت غيره. وكل هذا على حساب الجالية التي وُجدت الجمعية أصلاً لخدمتها وخدمة مصالحها.
هذا الى جانب الاعتقاد بأن هذه التجمعات قد وُجدت أيضاً لتحسين سمعة الجالية في ديار المهجر وحلّ مشاكلها.

ذكرى رحيل عبد الناصر

نجاة فخري مرسي

اجتمعت يوم السبت الماضي جموع غفيرة في ملبورن بدعوة من حركة الناصريين المستقلين "المرابطون" لإحياء وتخليد ذكرى رحيل القائد جمال عبد الناصر.
وبهذه المناسبة، توقظنا لسعة الألم ونحن نرى ما آلت اليه حال المنطقة العربية من تقهقر وضياع ونكسات وويلات بعد رحيل رجل القومية العربية الصادق.
لولا غياب عبد الناصر المبكر لما تعرضت أرض الكنانة لما تعرضت له من مضار وعزلة بعد عهده.
ولولا غياب عبد الناصر عن الساحة العربية لما سبح لبنان بحمامات الدم بسبب حربه الأهلية ولا تجرأت اسرائيل على اجتياح أرضه بعد أن تأزمت أموره وأصبح حاميها حراميها.
ولولا غياب عبد الناصر لما اشتعلت حرب الخليج بهذه الضراوة والغباوة، والامة الاسلامية تفني نفسها بنفسها.. ودعاة الاسلام يزايدون على ذبحه.. دون أن نجد في هذه الأمة من ينقذها من نفسها، أو يمد لها يد العون.
ولولا غياب عبد الناصر لما افتقرت المنطقة العربية الى من يسهر على مشاكلها، ويحمي كرامتها.. ويخلصها ليس فقط من الأعداء، بل من لعبة الدمار الذاتي التي تلعبها.. ومن الانتحار البطيء الذي تمارسه.
إننا بحاجة الى عبد الناصر جديد، يعيد زرع بذور القومية العربية في أرضنا بعد أن تفرقت شعوبنا الى شيع وأحزاب، وحملت ملايين الشعارات، التي تنادي بالتفرقة والتباعد والعداء وأصبحت تحركها رجالات الدين والعمائم والقلنسوات.

التجارة والتجار العرب في ملبورن

نجاة فخري مرسي

قال لي مصدر موثوق، بعد حديث طويل عمّا وصلت اليه التجارة العربية في ملبورن بأنها قد انتشرت انتشاراً ملفتاً، وخاصة تجارة المطاعم والكافيتاريات والمقاهي التي أصبحت تمثل حوال 80% من مجموعها في قلب مدينة ملبورن وخاصة في شارع سوانستون الرئيسي.. هذا بالاضافة الى نسبة كبيرة من (الملك بارات) و "7 Eleven" والأفران والمصانع وجميع أنواع المتاجر الصغيرة، في ضواحي ملبورن.
وهنا يطيب لي أن أقف عند كلمة "المتاجر الصغيرة" متسائلة: لماذا تبقى تجارتنا صغيرة؟ ولماذا لا يسعى العربي لأن تكون تجارته كبيرة؟ خاصة ونحن نعيش في بلد بدأت تجتاحها الشركات الكبيرة ورؤوس الأموال الأميركية والصهيونية؟
والرد الطبيعي هو أننا نفهم بالتجارة ونعمل بجهد منقطع النظير، ولكننا نؤمن بالفردية ونكره الشركة.. ولا نثق ببعضنا البعض.. لذلك لا نستطيع أن نكبر ونتوسع. ومن النادر أن نجد بيننا مصدّراً أو مستورداً لأن تجارة التصدير والاستيراد تحتاج الى شريك في الخارج ليوفر البضاعة ويشحنها زائد أنها تحتاج الى دعم في السوق وتشجيع من أبناء الجالية.. فيصطدم المستورد بالحقيقة المرّة التي كثيراً ما تسبب فشله وضياع رأس ماله.. وهي أن كل واحد منا يغني على ليلاه.. وإن اعتمد المستورد على الغير، فالغير محتكر وربّما يتجنّب التعامل معنا لأسباب كلنا نعرفها.
وللتجارة تقييم مادي وأدبي وتقييمنا للمتاجر الصغيرة مادياً هو أنها على اختلاف أنواعها قد تؤمن عيش الفرد مع أسرته وربّما تمكنه من توفير بعض المال بعرق الجبين، ولكنها محلات مملوكة لأفراد مستقبلها محدود، ومن المستحيل أن تتحول الى رأس مال مرموق يمكن أن يُعمل له أي حساب في سوق التجارة الاسترالي.
وأمّا للتقييم الأدبي فنستطيع أن نذكر الأفران والمطاعم العربية ثم نقول بأنها قد حققت بعض المكاسب الأدبية بالاضافة الى ما تحققه من مكاسب مالية.
لأن الفرن الذي ينتج الخبز العربي قد وصل الى مرحلة جيدة من المكاسب القومية حيث غزا جميع المحلات وأصبحنا نجده في المخازن الكبرى مثل "السايف واي" و "السوبر ماركت" وأصبح يعرفه كل فرد في المجتمع الملبورني* كخبز عربي وممتاز هذا بالإضافة الى شجاعة وعصامية بعض منتجيه بكتابتهم للحرف العربي على غلافه.
كذلك المطاعم العربية التي كثر عددها وبدأت تتفنن بعرض مأكولاتها الشهية وتجتهد بتحسين خدمة الزبون مما حسّن سمعتها وجعلها في مصاف المطاعم الاثنية الاخرى وأصبح الطبق العربي واللبناني بالذات من الأطباق الشهيرة في ملبورن ونخص بالذكر مطعم "ارابيان نايت" و "المازات" ومطعم "عبلا" و "عبدول" الذين نعتبرهم قد حققوا الهدف القومي مع المكسب المالي.
وأما المصانع فلا نستطيع أن نسميها عربية وإنما هي مصانع مملوكة للعرب ما دامت تنتج الملابس العامة للاستهلاك المحلي وليس من بينها من فكر بإنتاج الملابس الشرقية لكي يحقق هدفاً قومياً ويجعلها على الأقل، تختلف عن غيرها ومن ثم تسلم من المضاربة أو تسير على طريق مختلف.. أو تحويلها الى شركة أقوى على الاستمرار.
ولنأخذ مثلاً مصنع "خليل ولطوف" للألبسة في منطقة برانزويك الذي تأسس منذ حوالي مائة سنة وهو الآن يعدّ أكبر مصنع يملكه عرب.. وقد عاش وكبر لأنه تأسس كشركة مساهمة.. ممّا ساعده على التوسع والاستمرار بالرغم من أن أحد مؤسسيه قد توفي فسيّره وواصل العمل فيه بقية الشركاء.. ولو كان هذا المصنع لفرد واحد لوجب بيعه حال وفاة مالكه أو مرضه أو تقاعده عن العمل.
كذلك عاشت الصحافة العربية في المجتمع الاسترالي، على الهامش الى أن استطاعت أن تفرض وجودها بين الصحف الاثنية الأخرى وأصبحت تدخل مكاتب الدولة، وتترجم افتتاحياتها لمعرفة مضامينها واتجاهاتها.. وهذا حوّلها من مجرّد تجارة متواضعة للاستهلاك المحلي الى صحافة ذات خط قومي، وهذا يبعث في نفوسنا الأمل بأن تتحول التجارات العربية الصغيرة أيضاً الى شركات تكون قادرة على أن تحمي نفسها وسط تيارات الإحتكار وتدفق رؤوس الأموال الاجنبية على استراليا، وما سمي التجارة الحرّة.

* أي في مدينة ملبورن عاصمة ولاية فكتوريا في استراليا.

المرأة والطناجر

نجاة فخري مرسي
- حوار خيالي "سُريالي" بين المرأة والطناجر

انتهت ربة المنزل من غسل الاطباق، وفرك الطناجر كالمعتاد، ثم جلست على أقرب كرسي، منهمكة متعبة "قرفانة"، ثم أخذت فوطة المطبخ وبدأت تنشف يديها ومعصميها، وتضع عليهما بعض "الكريم" المُرطب.
وجدت نفسها على غير عادتها في حوار "سُريالي" مع نفسها متسائلة: من الذي اختار لي هذه الوظيفة؟ ثم ثبّتني فيها دون أن يأخذ رأيي؟ فتحت عيني منذ نعومة أطفاري، لأجد جدتي وأمي خالتي وعمتي يقمن، بذات الوظيفة. يؤدين نفس العمل، في وظيفة أطلقوا عليها اسم "ربة المنزل" إغراء ورياء، وما هي في الحقيقة سوى وظيفة "خادمة المنزل" دون أجر، أو "كوادر"، أو علاوات، أو إجازات مرضية أو أسبوعية، أو سنوية، أو حتى تقاعد شيخوخة، الى أن أصبحت وكأنها قد صدر بحقها حكم مؤبد لا استئناف فيه، ولا تلطف في وقعه.
ثم تعود وتتساءل، أنا الطبيبة التي أمضيت نصف عمري في الدراسة والتخصص، ليصبح لي دور إجتماعي وإنساني، ويصبح عندي باب للمعيشة، وركيزة لكيان إقتصادي يحررني من أن أبقى عالة على رجل ما كأب، أو أخ، أو زوج، أو حتى إبن، ولكي أحتفظ بشخصيتي وقراري، وأعيش كإنسانة فاعلة في مجتمعها تؤمن بالمشاركة الواعية المبنية على أسس التكافؤ والتفاهم، والحب الحقيقي المتبادل.
كيف وجدت نفسي بعد كل هذا؟ وجدتها في ذات المركب مع أمي وجدتي، مع كل امرأة حُرمت من العلم، ومُنعت من الثقافة، وحكم عليها بالجهل؟؟.
ها قد حُكم عليّ أن أعود من عيادتي، مهما عالجت من حالات مرضية ومهما كنت متعبة، أن أعود الى المطبخ أمارس فيه قدري، مهما سبب لي ذلك من إرهاق جسدي ونفسي، أمّا الطرف الآخر فهو يجلس متكاسلاً لتستجاب كل طلباته ورغباته، دون أدنى شعور بواجب المشاركة مع من تعدّ في قاموس الكائنات "انسانة" من لحم ودم وكيان.
ثم تستمر متسائلة: لماذا لا يكون لي الحق كأي طالب وظيفة أكبُرت هذه الوظيفة أم صغرت، فأستقيل من وظيفة "ربة المنزل" هذه أو أرفضها؟ أو أعتذر عن مزاولتها، عندما يبلغ بي الارهاق أو عندما أشعر بالظلم وبالغبن وعدم المساواة؟ فأنصرف الى عيادتي ومرضاي، ثم لماذا وألف لماذا؟؟
وهنا ينال منها الغضب وتتساءل بتكرار: من ذا الذي حكم علي بزمالة الطناجر؟ وتنظيف كل شيء في المنزل، حتى أرضيته وحمّاماته ومراحيضه، بذات الأنامل وذات الأيدي التي تجري العمليات الجراحية، وتعالج المرضى، وتمسح دموع الموجعين؟ ثم يسمونني بعد ذلك "ربة المنزل"، مع أنه يوجد دائماً "رب للمنزل" ولكنه يأبى أن يكون خادمه مثلي – كما أنه يصرّ دائما أنه وحده رب المنزل الفعلي الآمر الناهي، صاحب الحول والطول.
هل هي ضريبة الزواج، وبناء الأسرة؟
أم هي السياسة الحتمية لكوني أنثى؟ أم أنها قرارات مجلس أمن أزلية وأبدية تنصّ على تسليم قيادة المجتمع والمنزل لذوي العضلات الأقوى "لأرباب" لا ترحم، ولا تلتفت الى الاعتبارات الانسانية، والى التفوق الفكري قبل العضلات، أو على الاقل الى نعومة الأنامل ورقة المشاعر؟
تذكرت طبيبتنا ذلك القرار الامريكي الذي يتحدث عن نسبة الطلاق في
أمريكا، ويربطها بنسبة نجاح النساء الأمريكيات في وظائفهن فيقول ان 18% من المدراء في أمريكا من النساء، وان 60% ممن تشملهن نسبة 18% مطلقات أو مطلِقات، وذلك لكونهن ناجحات في مراكزهن الادراية على حساب مراكزهن "المطبخية".
وهنا سرحت بنظرها وهي ما زالت تجلس في ذات المكان وعلى ذات الكرسي تسترد أنفاسها، الى أن وقع نظرها على رفّ الطناجر المقابل، فتراءى لها أنه شديد الشبه بصفّ العساكر يحدّقون بها ولسان حالهم يقول: لماذا تنظرين الينا شزراً هكذا؟ لعلك كارهة لزمالتنا؟ مع أننا قد ألفنا رفقتك وزمالتك.
ثم عادت وتصورت نفسها في حوار مع هذه " الطناجر"، وانها سمعت "طنجرة الالمنيوم" وهي تقول: أنا آسفة يا دكتورة على ما أسببه لك من عناء أثناء فركي وتلميعي بعد كل طبخة تطبخينها...
وقالت طنجرة "التفال": أما أنا فسعيدة لأنني لا أسبب لك الكثير من العناء، ولا لأناملك الرقيقة الكثير من الفرك والدعك...
وقالت طنجرة "الستانليس ستيل": أما أنا فأقلهما إزعاجاً، لأنه بإمكانك أن تغسليني في ماكينة غسيل الأطباق الاتوماتيكية وبهذا لا أسبب لأناملك الرقيقة جفاف البشرة، ولا ليديك بروز العروق، كما تفعل طنجرة " الالمنيوم" لكثرة ما تحتاجة من فرك ودعك بالليف والسلك وبالمستحضرات الكيميائية الضارّة.
ثم صاح الثلاثة بصوت واحد: نحن نحبك يا دكتورة وقد ألفنا عشرتك، يعني (عشرة عُمر)، ومن أقرب الى "ربة المنزل" من "الطناجر"؟ إذ نحن بدونها لا تبقى للمنزل بنا حاجة.
وهنا تصورت نفسها تجيب هذه المجموعة المتنوعة من الطناجر و"الحلات" التي ملت رؤيتها وتنظيفها قائلة: ولكنني لا أحبكم، بل وأنتظر اللحظة التي تغربون فيها عن وجهي.
فأجابت الطناجر بصوت واحد: ولكن لماذا يا دكتورة؟ أنت تعلمين جيداً أننا ليس لنا ذنب فيما تعانين، فكيف فرضت عليك عشرتنا، كذلك فرضت علينا عشرتك.
وإذا كانت شهاداتك الجامعية العالية قد عجزت عن تحريرك من عشرتنا، من وظيفة خدمة المنزل، وزمالة الطناجر والصحون فنحن أيضاً لم تشفع لنا تكنولوجيا العصر من عذاب الفرك والدعك.
ثم تهيأ لها أن الطناجر قد خفضت أصواتها وهي تقول:
نحن مثلك يا دكتورة ضحايا، وُضعنا معك في قارب واحد، مثلنا من رُمي به في اليمّ بين الامواج المتلاطمة، حتى لا تسمع أصواتهم أو استغاثتهم.
ومرت بنا الايام والنيران تلهب قاعنا، والليف يُجرح أجسادنا والزمن يقول: "الحلل والطناجر، وربّات المنازل، الى أبد الآبدين، آمين".
وهذا يشعرنا أيتها الرفيقة، أن ما تلبسينه من خواتم وماس وياقوت، ما هو سوى مجرد وسيلة ينسيك بريقها ما آلت اليه بشرة يديك الناعمة من جفاف.
إنتفضت الطبيبة غاضبة وصاحت: أغربوا عن وجهي أنا أكرهكم، ولا أحب أن أراكم بعد اليوم إلا برغبتي وإرادتي.
وهنا سمعت الطناجر تقهقه وتتراقص فوق الرفوف وتقول:
لا، لا لا تغضبي أيتها الرفيقة المفضلة، ولا تطلبي منا أن نغرب عن وجهك، لأن مشكلتك ليست منا أو فينا، ولا ما في هذا الكون الكبير من حلل وطناجر وأطباق ومطابخ ومراحيض، وإنما مشكلتك نابعة من عجزك عن فرض إرادتك، ووضع قرارك بنفسك للتحرر من زمالتنا، ومن الأفضل لك ولنا أن نجدد دائماً معاهدة للتحرر من زمالتنا، ومن الأفضل لك ولنا أن نجدد دائما معاهدة الزمالة، ولا داعي للغضب أو التأنيب. وحاولي أن ترضي عنا، ما دام أصحاب القرار قد زوجوك لنا، وزوجونا لك تلك الزيجة الكاثوليكية التي لا طلاق فيها ولا انعتاق حتى الموت. وتأكدي أيتها الرفيقة العزيزة من أنك حتى وإن غزوت الفضاء جنباً الى جنب مع "أرباب المنازل" فإن مركبتك الفضائية ستهبط بك مباشرة في المطبخ، لتعدّي طعام العشاء قبل أن تسرع عدسات التلفزيون الى مقابلتك، والتحدث عن رحلتك البطولية الى الفضاء.
وفجأة تنبهت الدكتورة "ربة المنزل" من تصوراتها على صوت "رب المنزل" الحقيقي الذي ظهر فجأة وهو يصيح: أنا جائع، أين العشاء؟

كلمة وداع

نجاة فخري مرسي
تكرّمت جريدة "الانوار" بعد صدورها، بتخصيص صفحة للمرأة، بناء على طلب مني.
كان طلبي هذا لاعتبارات تتعلق بالمرأة العربية المهاجرة، تعبّر فيها عن قدراتها ومواهبها والتعبير عن شؤونها وشجونها، إذا أرادت بعيداً عن السياسة، التي شغلت صحفنا العربية في استراليا، وكرّرت مآسينا واستوردتها لنا بحلوها ومرّها.
سعدت بمبادرة جريدة "الانوار" واستجابتها بأن تكون للمرأة العربية المهاجرة صفحة، وصفحة واحدة، في جريدة فيها 26 صفحة سياسية تعبّر فيها عن مواهبها، وعن شؤونها وشجونها في هذا المغترب البعيد.
ساهمت في هذه الصفحة لفترة ثم غبت بسبب حادث لمدة ثلاثة أشهر أمضيتها في المستشفيات، وعندما عدت، ماذا وجدت، وجدت أن صفحة المرأة لم يكتب فيها قلم امرأة، وان إدارة الجريدة هي التي تكفّلت مضطرة أن تملأها بأخبار النساء، الى أن فقدت غايتها وقضت بالسكتة القلبية.
ذكرتني هذه الحادثة بعبارة قلتها في الثمانينيات، عندما قدمت استقالتي لإدارة جريدة "النهار" المهجرية الغرّاء لصاحبها الصحافي بطرس عنداري، بعد تعاون لمدة أكثر من عشر سنوات، فرفض أكثر من مرة، وأمام إصراري على الراحة قال: "وأخيراً أمرنا لله"، فأجبته موجهة كلامي الى قرّائي الاعزاء: "وداعاً والى اللقاء" وفعلاً لم أغب طويلاً، واستمر اللقاء حتى الآن، وما زلنا نلتقي، وسيستمر اللقاء، مادام في العمر بقية.

النفاق السياسي .. لماذا؟

نجاة فخري مرسي

هبّت علينا اخبار اغتيال رئيس وزراء اسرائيل اسحاق رابين كالعاصفة. فأفردت لها وسائل الاعلام العالمي – المملوك أكثره لليهود الساعات الطويلة. ووصفه بعضها بأنه أعظم رجل في العالم، ومنها من قال انه شهيد السلام. فتبعتها بعض اذاعاتنا العربية في استراليا مرددة كل شاردة وواردة مما قالته الاذاعات العالمية.
أنا أرى ان النفاق السياسي العربي سيساعد الغرب واعلامه على جعل اسحاق رابين اسطورة سلام، وأرى انه لا داعي الى اخفاء مشاعرنا في مثل هذه المناسبات لأن الكل يعلم حقيقتها تجاه قاتل اهلنا واطفالنا ومدمّر ديارنا.
وكابنة لجنوب لبنان – الارض المحروقة – لا استطيع ان انضم الى معسكر النفاق، لان جميع الشرائع السماوية تقول ان القاتل يُقتل، و "بشّر القاتل بالقتل ولو بعد حين". واسحاق رابين في عنقه مئات بل الاف القتلى من الشيوخ والنساء والاطفال الابرياء، كانت طائراته وصواريخه تدك قرى الجنوب في لبنان وتصبّ الحمم على رؤوس الجنوبيين في نفس اليوم الذي اغتيل فيه. ومن يرى غير ذلك فليسأل غزة، وليسأل كل قرية في جنوب لبنان. ويسأل الصيادين في صيدا وصور، ويسأل مياتم الاطفال في الجنوب ثم يسأل نفسه من كان يأمر بقتل وكسر عظام اطفال الانتفاضة؟ من ملأ سجون اسرائيل بالشباب الفلسطيني واللبناني واذاقهم مر العذاب؟ من أمر بالعقاب الجماعي ونسف بيوت من يُشك بأمرهم؟ من استمر في بناء المستعمرات على اراضي الشعب الفلسطيني المشرّد؟ من سمح بتسليح سكان المستعمرات لقتل المصلين في المساجد؟ من أمر بخطف الشيخ عبيد وغيره؟ ومن أمر باغتيال القائد يحي الشقاقي؟
اليس هو نفس اسحاق رابين الذي صمم مسرحية السلام المزعوم بمساعدة صديقه الدامع الحنون كلينتون؟ اليس هو اسحاق رابين الذي اعلن مؤخراً – ومسرحية السلام لا تزال تعرض فصولها – ان مدينة القدس عاصمة اسرائيل الابدية؟
ان ما اسمياه كلينتون ورابين بالسلام، لم يعد يخفى على احد وما هو سوى خطة استعمارية ذكية للسيطرة على المنطقة اقتصاديا، لتحقيق خريطة اسرائيل من الفرات حتى النيل بالاستعمار الاقتصادي الحديث، بعد ان صعب تحقيقها باسلوب الاستعمار العسكري التقليدي.
وبعد فهل يُعقل يا سادة ان يسمى من فعل كل هذا، رجل سلام؟ أو لعلها لغة النظام العالمي الجديد، ونحن لا نفهمها، وما علينا سوى ان نتجرّع سمومها وننافق.

ولأنني لا أحب النفاق، فاعذروني.


امرأة انسانة

نجاة فخري مرسي
بمناسبة عيد الام بحثت في ذاكرتي وفي أوراقي عن موضوع نسائي يتناسب مع هذه المناسبة فوجدت موضوع لقائي مع السيدة نازك الحريري اثناء زيارتي الاخيرة لمصر ولبنان وهي اللبنانية التي عرفت مشاعر الامومة الوطنية لما تتمتع به من امكانات مالية واجتماعية ووطنية.
كنت قد حققت هذا الموضوع بانتظار الوقت المناسب لنشره بعيدا عن السياسة اللبنانية المعروفة بخلط الاوراق.
وأظن انني قد وجدت المناسبة الان كي اقدم لكم ولكن هذه السيدة الكريمة وأم الايتام والمعوقين والمكفوفين في غرب بيروت.
ومن غير الامهات يضمد جراح الاخوة والابناء عندما يفقدون صوابهم ويرجمون اوطانهم.
أثناء زيارتي الاخيرة الى مصر ولبنان اقامت السفارة اللبنانية حفل استقبال لرئيس الوزراء الذي زار مصر لعمل اتفاقيات وتوطيد العلاقات بين البلدين وفي حفل الكوكتيل الخاص الذي اقامته حرم سفيرنا في القاهرة السيدة دمشقية التقيت بالسيدة نازك الحريري حرم رئيس الوزراء مع مجموعة كبيرة من سيدات المجتمع مصريات ولبنانيات اعلاميات ودبلوماسيات وسيدات اعمال.
كانت تتحدث مع الجميع والابتسامة لا تفارق ثغرها الجميل، وعندما تحدثت معها وجدت فيها المرأة الانسانة التي لا يهمها كثيرا حب الظهور، ولا تظهر على المسارح الخطابية او تزايد على المراكز، كما يفعل غيرها من نساء ورجال المؤسسات السياسية والاجتماعية في بلادنا بل اتجهت الى ما تؤمن به من عمل الخير ومساعدة المحتاجين والمعوقين من ضحايا الحرب الاهلية البغيضة في وطنها. تلك الحرب لم تحقق سوى عكس ما يرجوه ويتمناه المواطن المخلص المسالم.
وبعد حديث سريع ابتسمت وقالت: دعينا يا عزيزتي نتحدث الان ونتعارف واخبريني اكثر عن حياتكم في استراليا اما عن شخصي وعن نشاطي الخاص فسيصلك بعد عودتك وعودتنا الى بيروت مع رسول خاص. ثم أومأت الى المصور بأن يأخذ لنا صورة معا كما اوكلت الى أحد الاعلاميين المرافقين بأن يأخذ عنواني ويتكفل بالباقي.
صراحة اعتقدت في حينه انها ربما تكون حركة من زوجة سياسي تريد ان تنهي اللقاء مع اعلامية فضولية ولكنني عندما عدت الى بيروت وجدت الصور مطبوعة عن سيرة السيدة الحريري بانتظاري ووصلتني جميعها مع رسول خاص حسب الوعد فكذبت بذلك ظنوني.
والذي اريد ان اقوله الان انني رجعت من لبنان لأجد صحافتنا اللبنانية المهجرية لا حديث لها سوى مهاجمة رئيس الوزراء الحريري الذي هو زوجها ووصفه بما لم يوصف به رئيس وزراء من قبل.
فآثرت الانتظار الى أن اجد فسحة زمنية تبعد ما بين سياسة الرجال وانسانية نازك الحريري ذات المشاريع الانسانية المعروفة ذلك لأنني لم أعوّد قلمي "العتيق" على مهاجمة الانظمة ولا على مديحها وافضل ان نساعد لبناننا على النهوض من كبوته وكفانا وكفاه ما اصابه واصابنا من لعبة شد الحبال والحروب الاهلية التي لم تحقق سوى الخراب وتكريس الطائفية اكثر واكثر هذا علاوة على انها دفعت بالالاف من المثقفين الى الهرب من جحيم المنازعات الى كل ركن من اركان العالم علاوة على ما ازهقت من ارواح. وما تركت وراءها من مقعدين ومعوقين ومتسولين ومن موتورين ومرضى النفوس.
ولا عودت قلمي على ان يصب البنزين فوق النار ليزيدها اشتعالا لصالح احد. وتهمني خدمة الصالح العام والسلام والاصلاح الاجتماعي والبحث عن الطاقات النسائية الانسانية الفاعلة في عالمنا العربي. وافضل ان نبحث شمعة تضيء حياتنا قبل ان نلعن الظلام او نعيشه دائما.
لذلك قدمت في الحلقة الماضية نبذة عن السيدة نازك الحريري بعيداً بعيداً عن السياسة اللبنانية وتحدثت عن الجانب الانساني في حياتها وبلغة الارقام لان الارقام لغة الاقناع وهي التي تتحدث عن نفسها .


نشاطات السيدة نازك رفيق الحريري الانسانية والتربوية والثقافية

نجاة فخري مرسي
من الأرشيف
شخصية نسائية من لبنان

تعتبر حالات الاعاقة الجسدية والتخلف العقلي، الى جانب رعاية الأيتام والمسنّين، من أهم القضايا الانسانية التي يتوجب على القادرين من دول وحكومات ومؤسسات وأفراد كافة الاهتمام بها، وإيجاد الرعاية والأمكنة الكفيلة بمعالجتهم وايوائهم. من هنا كان اهتمام السيدة نازك رفيق الحريري يتركز أساساً على رعاية واحتضان هذه الحالات الانسانية، وأنشأت لهذه الغاية مؤسسات تعنى بالمعاقين والمتخلفين عقلياً والأيتام في لبنان والعالم العربي، الى جانب اشرافها الدائم على مؤسسات الحريري التربوية والصحية. ويأتي في مقدمات هذه المؤسسات مركز نازك الحريري للتربية الخاصة الذي انشئ في عمان لتقديم الخدمات الشاملة والمتكاملة للمعوقين عقليا، من حيث إعداد برامج التدريب والتعليم والتأهيل المهني والاجتماعي، ومن حيث توفير الخدمات التدريبية والتوعية لأهالي المعوقين الذين لم تتح الظروف لأطفالهم للإلتحاق بمراكز او مؤسسات للتربية الخاصة. وكذلك توفير التدريب للعاملين مع المعوقين سواء كانوا من الاردن او من الاقطار العربية الشقيقة من خلال عقد الدورات المتخصصة في هذا المجال.
والى جانب اهتمام السيدة نازك الحريري بالحالات الانسانية عبر مؤسساتها الاجتماعية، فهي تقود حاليا واحدة من اهم المؤسسات التربوية في العالم: "مؤسسة الحريري" التي انشئت في العام 1979 في مدينة صيدا لتتوسع لاحقا في العام 1983 وتشمل بيروت والمناطق اللبنانية كافة، لتؤدي رسالة ثقافية وتربوية شاملة افتقر اليها لبنان منذ مطلع الاستقلال، على قاعدة انها مؤسسة ثقافية علمية تمنح قروضا مالية للطلاب الراغبين في تكملة دراساتهم الجامعية والذين تحول ظروفهم المادية دون تمكنهم من ذلك، وتسعى لنشر العلم والمعرفة في اوساط المجتمع اللبناني بمختلف فئاته وطوائفه.
أما في مجال الخدمات الطبية والاجتماعية، فقد ساهمت السيدة نازك الحريري بدعم المستشفيات عن طريق تقديم اموال نقدية وأجهزة طبية، وبتقديم مساعدات لمرضى الحالات الصعبة من عمليات القلب المفتوح وزرع الكلى وزرع القرنيات.. الخ.
كما قدمت السيدة نازك الحريري مساعدات الى مئات العائلات الفقيرة التي يعاني احد افرادها من مرض مزمن.
واضافة الى المساعدات الفردية، فقد كان للسيدة الحريري اهتماما خاصا برعاية مراكز المسنين والأيتام والمؤسسات الاجتماعية من معاقين ومتخلفين عقليا عن طريق تقديم المساعدات المادية والعينية، الى القيام بزيارات تفقدية دائمة لها.
وكان للسيدة الحريري لفتة كريمة تجاه المعوقين في لبنان بتبرعها بمبلغ تسعة ملايين دولار ونصف لاقامة مجمع مساحته 30 الف متر مربع في جنوبي بيروت وتجهيزه ليخدم حوالي الالف معاق من مختلف الحالات بدءا من التخلف العقلي والاعاقة الجسدية، والصمّ والبكم والمكفوفين، الى رعاية الأيتام.
وعهدت السيدة الحريري لمؤسسات الرعاية الاجتماعية وهي من كبريات المؤسسات في لبنان، ادارة وتشغيل هذا المجمع، نظرا لما تتمتع به هذه المؤسسات من خبرة طويلة فاقت الخمسة وسبعين عاما في مجال الخدمات الانسانية.
وإدراكا لأهمية المراحل التعليمية من ابتدائية ومتوسطة وثانوية في تنمية وتأسيس الطلبة واعدادهم اعدادا صحيحا لبلوغ المرحلة الجامعية، وتمكينهم من الالتحاق بأرقى الجامعات العربية والاجنبية، عمدت السيدة نازك الحريري الى إنشاء مدارس في كل من السعودية ولبنان، أبرزها: مدارس نجد الاهلية في الرياض، وثانوية الحريري الثانية وثانوية عبد القادر في بيروت.
ولم يغب عن بال السيدة الحريري العامل الثقافي واهميته في المجتمع عامة، وفي المجتمع اللبناني خاصة، لادراكها بأن لبيروت دورا ثقافيا يتوجب استعادته، فكان قرارها بانشاء جمعية مهرجانات بيروت.
وحددت السيدة الحريري اهداف هذه الجمعية بابراز وجه بيروت التاريخي والحضاري والثقافي، والعناية بالفنون المسرحية والموسيقية والغنائية، والاسهام في التنمية الثقافية والاجتماعية لمدينة بيروت.
وكانت باكورة الحفلات للسيدة فيروز ليل السابع عشر من ايلول 1994 بحضور 50 الف شخص جمعتهم في ساحة الشهداء، في بيروت للمرة الاولى منذ نشوب الحرب، كما ارادت السيدة الحريري دليلا على عودة اللحمة بين ابناء الوطن الواحد الذين فرقتهم الحرب والبغضاء دون ارادتهم، وجاءت بمثابة الاعلان عن قيامة بيروت وعودة الروح اليها.

كيف استطاع كمال جنبلاط ان يوفق بين اشتراكية الشعوبية وزعامة عائلته الجنبلاطية

نجاة فخري مرسي
من الأرشيف
اسعدتني ادارة جريدة النهار الغرّاء باشراكي في ملحقها الخاص بمناسبة مرور عشرين سنة على غياب كمال جنبلاط. فقمت بتصفح كل ما كتبت عنه بمناسبة ذكرى استشهاده عام 1981. وما كتبت عنه في برنامجي الصحافي "شخصية من بلادي" في نهار ملبورن عام 1982. وقرأت أكثر ما وصلت اليه يدي من مؤلفاته، وما قال، وما قيل فيه، فلم أجد ثغرة أدخل منها، دون أن تكون مسبوقة او مكررة، لأن الكمّ الهائل الذي كتب عن شخصيته السياسية والفلسفية والفكرية عموما، وبالتالي عن نضاله واستشهاده، كثير، وكثير جدا.
وجدت ان الجانب الفكري والانساني من حياته ينبوع لا ينضب، وهو الغائب الحاضر، وحضوره في وطنه وفي نفوس محبيه يتجدد كلما عزّت المواقف المصيرية.
شعرت انني وبأقل قدر من التردد، استطيع ان اضع اسمه على قائمة كبار القادة والساسة في العصر الحديث، بما فيها شخصية المناضل المهاتما غاندي، في اكاديميته التي سخّرها لخدمة بلاده.. في تنسكه.. في حبّه لاوطانه ومواطنيه، في تضحياته، في ثورته البيضاء لتحرير بلاده، وبالتالي في شهادته واستشهاده، حيث دفع حياته الثمينة ثمنا لصموده، ونزاهته، ونظافة يده. فوجدت ان "ناسكنا"، ومفكرنا، وشهيدنا، الاستاذ كمال جنبلاط وإن يكن لم تمهله المنية كي يحقق ثورته الحضارية الا انه قد أضاف على كل هذا انتاجه الفكري، حيث "ألف العديد من الكتب السياسية والاجتماعية والفلسفية، التي بلغ عددها أكثر من عشرين مؤلفا، كما ترك ما لايقل عن 3 الاف افتتاحية، وعدة طروحات اكاديمية" (1).
نعم لقد كنا وكان لبنان دائما بحاجة ماسة الى ثورة حضارية بيضاء، تحرّره من أمراض الاقطاعية، والطائفية، والمحسوبيات، والزعامات الموروثة أباً عن جد. ولكنها وللأسف كانت ثورة حمراء نادى رجالاتها بشعارات الدم والتفرقة المذهبية، ثورة حصدت من أرواح غالية ومن دمار عمران، السلام والتعايش السلمي الى سنين قادمة، وربما طويلة.
وهكذا تفجع الاوطان المنكوبة بخيرة رجالها، وهكذا تفجع الحركات التحررية دائما بوجود الرصاصة الغادرة، كالتي أصابت غاندي في الهند.. ومارتن لوثر كينغ في امريكا.. وكمال جنبلاط في لبنان.
واذا رجعنا قليلا الى سيرة "الغائب الحاضر" كمال جنبلاط، نجد اننا امام علامة استفهام حول شخصيته المميزة، وكيف استطاع ان يوفق بين اشتراكيته الشعوبية، وزعامة أسرته الجنبلاطية؟ التي اعدته لأن يكون زعيما سياسيا، وممثلا لطائفة تحلف بحياة رأسه، ثم وجدت انه على الرغم من نشأته في الاجواء العريقة المترفة أباً عن جد.. وعلى الرغم من وجوده في وطن باتت فيه السياسة تباع وتشترى، ويتوارثها الابناء عن الاباء، والاحفاد عن الاجداد.. وعلى الرغم من كل هذه المؤثرات الطبقية والطائفية، فقد استطاع ان يحتفظ بجوهره المتميز، ويبلور ميوله الاشتراكية والانسانية، ثم يعمل على تأسيس حزب تقدمي اشتراكي يصيغ دستوره بيده.. وجبهة وطنية.. ويترأس جبهة نضال برلمانية.. ثم يقف ضد مشاريع الاحلاف التي تتعارض مع عروبة لبنان، كما وتشغله القضايا المصيرية وفي مقدمتها قضية الشعب الفلسطيني.
تحدّث في مقدمة كتابه "حقيقة الثورة اللبنانية" عن الدوافع الحقيقية لانتفاضة عام 1985، في لبنان، وعن قصص الفساد والافساد بأسلوب جريء تستشف منه هواجسه الوطنية والسياسية.. ونظرته.

(1) – من كتاب "هذه وصيتي"

ذكرى مذبحة قانا ليست بحاجة الى المهرجانات الخطابية

نجاة فخري مرسي
من الأرشيف

تكرّمت الفعاليات في جاليتنا العربية، وتسابقت في الدعوة الى الاحتفالات الخطابية لاحياء الذكرى الاولى لمذبحة قانا.
وهذا أمر لم نفاجأ به، وان كنا نأسف له، لأن ذكرى مجازر الابرياء بالمفهوم الشعوبي الحضاري المتبع، لا تنفع فيه الخطابات الحماسية في الصالات. ومن هذا المفهوم نجد أن مذبحة قانا تحتاج منا في استراليا الى مظاهرات تنديد، وملصقات تذكير.. وتحتاج الى اعتصامات امام سفارات اميركا واسرائيل، لتعريف الرأي العام على حقيقة صدقية اسرائيل مع سكان الجنوب الابرياء.
إحياء ذكرى مذبحة قانا يحتاج منا الى ارسال البرقيات للمنظمات الانسانية وحقوق الانسان.. الى مطالبة المنظمة الدولية ومجلس امنها بقرارات تدين اسرائيل وتلزمها بدفع التعويضات المالية الى عائلات الشهداء، وكل من تضرر وتشرد وهدمت دياره، واحرقت محاصيله بسبب غارات اسرائيل وعدوانها المتكرر.
هذا لا يعني طبعا، اننا لا نقدر المشاعر الوطنية النبيلة عند من دعوا ومن لبوا الدعوة لاحياء الذكرى الاليمة، وإنما كل ما نعنيه ان نعلم ان اسلوبنا في معالجة مآسينا وأمورنا المصيرية مع دويلة الموت والدمار، قد أصبح مكرراً وعقيماً، لان الخطابات الحماسية والمقالات العاطفية التي نجابه بها عدواً بخطورة اسرائيل وامكاناتها الحربية لا تجدي نفعا، ولا تغير واقعا، بدليل انها لم تتمكن من ايقاف تنفيذ "وعد بلفور" ولا تمكنت من تحرير فلسطين.. ولا استطاعت ان تمنع اعتداء اسرائيل على المقدسات، أو مصادرة الاراضي او بناء المستعمرات، أو، أو.. ولا حتى تمكنت من حماية الجنوب، او انهاء مأساة مخيمات التعذيب الاسرائيلية النازية في بلدة "الخيام" وفي "انصار" وفي "عدلون" حين يُزج فيها الشباب الجنوبي لعشرات السنين دون محاكمة.
وهنا نجد انفسنا امام مهزلة مستعصية وامام خطأ لا يغتفر.
لو حاولنا ان ننظر الى عدونا ونأخذ منه العبرة، كيف سخر اعلامه المرئي والمسموع والمقروء، لمدة نصف قرن من الزمن، في تضخيم مأساته مع المانيا النازية لتذكير الرأي العام العالمي كل يوم، وكل ساعة، وكل دقيقة، بمذبحة اليهود في المانيا، الى أن كسب عطف العالم ووصم المانيا والشعب الالماني بجرائم الحرب، واشعرهم بعقدة الذنب، وابتز اموال الملايين.
بل واكثر من هذا فهو ما زال حتى يومنا هذا يلاحق كل مسؤول الماني ما يزال على قيد الحياة ليحاكمه دوليا، بعد نصف قرن (مع أن الاحكام القضائية – حسب معلوماتنا- تسقط بعد مرور خمسة عشر عاما على صدورها، في اكثر الحالات)، وكأن مذبحة اليهود في المانيا كانت المذبحة الاولى والاخيرة في تاريخ البشرية الحافل بالمذابح والمجازر.
ونحن نبقى بكل اسف لا نعرف سوى اسلوب الخطابات الحماسية والمقالات العاطفية. دعونا نسأل أنفسنا مثلا، وبكل تواضع وموضوعية، لماذا لا نحيي ذكرى مذابحنا باعمال مجدية كأن نفكر ونتعاون على إحضار مُقعد أو مشوّه من ضحايا المذبحة، لنعالجه ونستفيد من وجوده دعائيا.
أو لماذا لا نفكر ونتعاون على احضار طفل يتيم ممن يتمتهم غارات اسرائيل على الجنوب لنعلمه ونهبه الحياة، ويكون شاهدا حيا في استراليا على اجرام النازية الحديثة في جنوب لبنان.
أو أن تكون هديتنا لقانا وشهداء قانا تسوير المقبرة، أو تجميل محيطها بعد ان اصبحت مزارا دوليا واعلاميا.. أو أن نتعاون ونتساعد على الحاقها بمتحف تحفظ فيه صور المذبحة وتاريخ حدوثها، وكل مؤثراتها ومضاعفاتها، وكل ما انتجته من مشاعر اللحظة الرهيبة على الاحياء من اترابهم، من كتب تسجيلية.. وقصائد شعرية وتعليقات صحافية محلية ودولية، ليكون هذا المتحف بداية جديدة لأسلوب جديد، ومدخلا تاريخيا وحضاريا متواضعا لادانة اسرائيل وحفظ تاريخها الاسود في الجنوب اللبناني.
وصدقوني انه لمن العار ان نعتقد بان واجباتنا تجاه مآسينا وامورنا المصيرية تنتهي عند احياء الذكرى بالاسلوب العاطفي المتكرر والعقيم، وان نترك العدو الاسرائيلي يبني المفاعلات الذرية التي تهدد وجودنا، ويحاربنا بالقنابل والطائرات، ونحن نحاربه بالكلام والخطابات.
واخيرا تحية من القلب لكل من نفذ عملا، او انتج فيلما او عرض مسرحية في لبنان، وتحية خاصة للبرنامج العربي في محطة اس بي اس للبث الاثني في استراليا، على البرنامج الموضوعي الناجح الذي قدّم بمناسبة الذكرى الاولى لمذبحة قانا والذي نتمنى لو انه يوثق بالعربية والانكليزية ويهدى الى قانا، بعد عرضه في استراليا، (لعل وعسى يصبح لمقبرة الشهداء في قانا ذلك المتحف الذي اقترحناه، فيحفظ فيه).

نافذة على الجوائز السياسية

نجاة فخري مرسي
من الأرشيف
إنه لمن فضائل الديمقراطية الغربية انها تظهر اسرار المؤامرات السياسية ولو بعد حين. والدليل على ذلك فضائح "ووترغايت"، و "ايران غايت" و "الكونترا غايت" في امريكا وغيرها وغيرها.
وانه لمن رذائل ديمقراطياتنا المزعومة انها تمنع ظهور الحقائق وتخفيها في مثل هذه "الغيتيات". والا لكانت شعوبنا العربية قد عرفت حقيقة ما وراء "الكويت غايت" واسطورة تحرير الكويت حباً بمبدأ التحرير.
لقد صدرت كتب عالمية كثيرة قبل وبعد حرب الخليج وقرأتها شعوب الغرب بحرية مع أن أكثرها كان يوجه الادانة للرئيس بوش والكونغرس الامريكي، ومع ذلك لم تمنع من دخول اي بلد غربي، أو يوقف نشر بعض فقراتها المتفق على نشرها كما حدث لكتاب محمد حسنين هيكل مجرد انه وضع الحقائق مجردة أمام القارئ دون ان يُقحم رأيه الشخصي فيها.
ولكن كثيراً ما نجد انفسنا امام حقائق ساطعة كالشمس من الصعب اخفاؤها.
وأمام تجارب جديدة لم تكن بالحسبان مثل مأساة "شعب البوسنة" مثلا، التي تقف شعوبنا وحكوماتنا امامها ساكنة ساكتة وكأن على رؤوسها الطير (او كان امامها عصا العم سام) (فرعون القرن العشرين) ولا فرق بين بوش او كلنتون لان كلاهما يخيفنا وندين له بالطاعة العمياء.
منذ اندلاع حرب البلقان واصرار "الصرب" على طرد شعب البوسنة من ارضه والاستيلاء عليها "منظفة" على حد قولهم، والعالم يتساءل: لماذا لم تتحرك الدول العربية والاسلامية لمساعدة اخوانهم وحمايتهم؟ ولماذا لم تتدخل امريكا ودول التحالف او هيئة الامم لحماية البوسنة بنفس الحماس الذي تدخلت به في الماضي القريب في الخليج لحماية شيوخ البترول؟
وفعلا فنحن لا نرى من امريكا ومن دول التحالف في شرق العالم وغربه ووسطه سوى الصمت المريب.. ولا نرى من الدول العربية والاسلامية سوى النوم العميق العميق.. ولا نرى من هيئة الامم المتحدة سوى المناورات لكسب الوقت – وخداع الرأي العام العالمي بأنها تفعل ما بوسعها ما دامت تنقل لهم اكياس الطحين تحت وابل من القنابل الصربية وبعد ان طال امد المناورات في حركاتها والسيناريوهات في مكاتبها. ولم تسقط البوسنة في ايدي الصرب، لم تجد هيئة الامم المتحدة امامها سوى ابتكار تمثيلية جديدة توحي فصولها بأنها تجتهد في حماية نساء وشيوخ واطفال المسلمين المنكوبين، وذلك بمساعدتهم على الخروج من جحيم الحصار والموت المحتوم. (والحقيقة هي انها متواطئة على تسريع النتائج وتنظيف الارض من اصحابها ليتسلمها المعتدون نظيفة من اهلها، كما سبق وفعلوا بشعب فلسطين منذ حوالي نصف قرن) والتاريخ دائما يعيد نفسه والاستعمار دائما لا يعدم الوسيلة عندما تتوافر له الفرص.
وللرد على اسئلة العالم لماذا لم تصدر هيئة الامم قراراتها الساخنة الصارمة؟ ولماذا لم تندفع قوى التحالف الدولي بكل قواها الى الباس هذه القرارات ثوب الشرعية الدولية ثم الاسراع في تنفيذها بحذافيرها، بما لديها من قوى عسكرية وحربية وتكنولوجية كما فعلت في حرب الخليج؟
نعرض الاسباب الحيوية التالية:
1- لان مرغريت تاتشر لم تعد موجودة في السلطة لتشعل الفتيل كما اشعلته في الخليج..
2- لان جورج بوش مغلوب على امره ولا يستطيع ان يعمل على تحريض دول العالم ومساومتها اما بالتهديد وإما بالوعود لتساعده على تدمير العراق تحت ستار تحرير الكويت.
3- لان هيئة الامم لم تعد قادرة على اصدار القرارات لحماية الامم والشعوب ولخدمة السلام بعد ان اصبحت اداة طيعة في ايدي المهيمنين عليها من دعاة "النظام العالمي الجديد"..
4- لان الاجماع الدولي لم يعد متوفراً، بعد أن فاض الكيل، وتعبت اوروبا من عنجهية الولايات المتحدة الامريكية.
لان العالمين العربي والاسلامي قد سقطا من حسابات العالم الغربي بعد تجربة حرب الخليج، (وخاصة بعد ان طلب المؤتمر الاسلامي الموقر بعدم رفع الحصار عن شعب العراق) فأصبح عالمنا في عداد المفقودين في سماء السياسة الدولية والنظام العالمي الجديد.
5- لان دولة البوسنة المنكوبة لا تستطيع دفع فاتورة التدخل الدولي لانقاذها، وفوقها الارباح، ثم تشغيل الشركات الغربية في اعادة اعمار ما يتم تدميره، مثلما فعلت دول البترول العربي.
ولأنها ايضا ليست كالصومال الواقعة في القرن الافريقي الذي يتحكم بالمدخل الجنوبي للبحر الاحمر.. ولا فيها حقول بترول جديدة اكتشفتها الشركات الامريكية ووجب الاستيلاء عليها قبل ان يعرف شعبها الجائع بوجودها.
والسبب الاخير والاهم هو ان التحالف في مهمة تدمير بلد عربي اسلامي كالعراق تشكل قوته تهديداً واضحاً لاسرائيل ولسلامة شيوخ البترول، اهم واجدى وانفع بلغة الاستعمار الغربي من الاقدام على عملية حربية لانقاذ شعب مسلم كشعب البوسنة الاعزل، ليس له في مخططات الاستعمار وجود، بل وغير مرغوب بوجوده.
وقد يظن البعض مخطئاً ان الصوت الذي اطلقته تركيا مهددة بارسال الاسلحة للبوسنة، قد سكت بدون سبب!!
وقد يظن البعض مخطئاً ان الدول العربية والاسلامية قادرة على مساعدة شعوب العراق، وليبيا، وفلسطين والبوسنة، ولا تفعل!!
وقد يظن البعض مخطئاً ان الجائزة التقديرية التي منحها "خادم الحرمين" للرئيس عزت بيكوفيتش على شجاعته في منع هيئة الامم من ترحيل شعبه عن ارضه، لن تحسم القضية وتحرر "البوسنة"!!
وقد يظن البعض مخطئاً أن مرغريت تاتشر لا تستحق من "حامي الحرمين" جائزة مماثلة على تصريحاتها الاخيرة والدعوة الى تسليح البوسنة، (التي ترمي من ورائها تسعير الحرب وتسويق الاسلحة او تعميق الحساسيات الدينية).
عفواً ايها السادة لقد تذكرت ان الجوائز التقديرية هي اقصى ما يستطيع عالمنا العربي تقديمه لحماية شعوبه من حروب الابادة، وتسلط الدول الاستعمارية على سيادته ومقدراته.
وعفواً مرة اخرى لانني نسيت ان الجوائز التقديرية السياسية تعطى عادة لمجرمي الحروب امثال مناحيم بيغن، وجورج بوش، وليس لضحايا الحروب امثال علي عزت بيكوفيتش.

لقاء مع الدكتور طالب عمران

نجاة فخري مرسي
من الأرشيف
من الخيال العلمي، ودراسة الظواهر الخارقة، والخوض في أعماق الوقائع الكونية غير المألوفة، الى النشاط التلفزيوني التكنيكي، يأخذك في رحلات الى عمق أعماق النفس البشرية وخفاياها، ثم يعود بك الى التقنية العصرية.
زار استراليا الدكتور طالب عمران، قادماً من سوريا في زيارة عمل اعلامي/تلفزيوني، وهو الاديب الذي استطاع ان يحاكي الخيال دون المساس بالموضوعية العلمية في اكثر من عشرين مؤلفا، وبعد قراءتي لبعض مؤلفاته شعرت بأهمية نقل افكاره الى القارئ العربي في استراليا، وتعريفه على هذه الشخصية العربية الفذة، فكان لي معه هذا اللقاء:

اولا يسعدني أن أرحب بك في استراليا بلدنا الثاني، واتمنى لك رحلة ممتعة وموفقة علميا وعمليا.
· من هو الدكتور والاديب طالب عمران؟
- انا إنسان نشأت من رحم الغيب احمل المشاعر المتدفقة بحب الانسان وأدافع عن نزعته الخيرة، وأسعى لأنبهه الى تطرفه في الشر احيانا والى امكانياته الكبيرة في إغناء مسيرة الحضارة الخلاقة البعيدة عن الأثرة والنرجسية، وهذا الهاجس تملكني في كل ما اكتبه، أشعر وأؤمن أن الانسان كبير في قدراته، ولكنه يقزمها أحيانا باللهاث المجنون خلف المتعة على حساب العقل..
منذ طفولتي وهاجس المعرفة ووعي العالم هو كل همّي، قرأت كثيرا من الكتب وكنت أركز على العلم، ثم بدأت أقرأ التاريخ، ووجدت فيه الكشف الجميل لعوالم انسانية سحرتني بشموخها، والكشف الآخر، المرهق المتعب عدا انحراف الانسان وانحطاطه ولهاثه وراء المتعة... عشت في بيئة بحرية وكان للبحر أثر في كتاباتي الأولية وحين انتقلت الى دمشق شدني سحرها، فلم أعد أقوى على مفارقتها... ومنها بدأت رحلاتي الى دلهي وكراتشي ودكا ومشهد وطهران وموسكو وروما وتريستا ومدريد وباريس وهافانا وجمايكا وكندا الى المغرب والجزائر وليبيا الى أصقاع كثيرة كانت تشدني اليها ثم اعود الى دمشق في النهاية موطن عش الطائر.
· لقد تعودنا ان يكون اكثر زائرينا من الاوطان العربية، إما من السياسيين وإما من رجال الدين، ينقلون الينا هموم البلاد ومآسيها، وربما حساسياتها ايضا، الى أن أصبحنا بشوق زائد الى زيارة العلماء والادباء، والمفكرين ليدوم التواصل الفكري بالوطن الأم، فما هي طبيعة زيارة الدكتور الاديب عمران؟
- أزور استراليا بدعوة من نادي الحضارة والمجلس العربي الاسترالي
بهدف القيام ببحث تلفزيوني عن احوال الجالية العربية هنا... وهي مهمة اعلامية رسمية من قبل التلفزيون العربي السوري، وقد التقيت بمختلف الفعاليات الثقافية العربية وسجلت أحاديث ومحطات اذاعية لبرنامج في الاذاعة سميته (الوطن في القلب)... بالطبع الحاجة ماسة للقاء مع كتاب ومفكرين وعلماء من بلادنا، ليدوم كما ذكرت، التواصل الفكري بالوطن الأم... وقد أجريت لقاءات ثقافية كنت اتمنى أن تكون أعمّ وأشمل لولا أن شهدت ما أحزنني من التنافر في بعض الجاليات العربية وانعكاسات مناصبها الطائفية والسياسية على أعمالها، بدلا من توحدها في الوقوف أمام التحديات الكبيرة التي يواجهنا بها عدوّنا الصهيوني المغتصب للأرض والذي يسيطر على الاعلام في أمكنة عديدة دون أن يتصدى له أحد أحياناً...
· قرأت حتى الآن من مؤلفاتك "خفايا النفس البشرية" و "بئر العتمة" قصص عن ظواهر مدهشة... فشدتني العناوين والمضامين فكيف لنا في استراليا أن نقرأ المزيد من مؤلفات الدكتورعمران؟
- مع الأسف لم أستطع إحضار نسخ من كتبي الـ (27) التي نشرت لي
حتى الآن وترجم ببعضها للانكليزية، وأحمل معي (ديسك) عليه ترجمة
لكتابي (أسرار من مدينة الحكمة) سأحاول طبعه هنا أيضا بعد أن صدرت طبعته الأولى في دلهي بالهند... كتبي العديدة تحكي عن هموم الإنسان ومتاعبه. نشر أول كتاب لي عام 1967 بعنوان "العالم من حولنا" عن وزارة الثقافة السورية، وهو يحكي عن الكون والتقدم العلمي في مجال الفلك، وفي عام 1978 صدرت مجموعة "كوكب الاحلام" وهي قصص من الخيال العلمي للأطفال. وفي عام 1979 صدرت مجموعة قصص من الخيال العلمي بعنوان "صوت من القاع" ورواية من الخيال العلمي هي "العابرون من خلف الشمس" وتتحدث عن رحلة فضاء يقوم بها رواد عرب يضيعون في الفضاء فيهبطون على كوكب متطور وصلت مخلوقاته حداً جعلها تشكل مجتمعا واحدا نبذ البغضاء والكراهية، وانتشرت بينه الرياضات السماوية والحب والموسيقى. وحين يعود أحد الرواد للأرض يفاجأ بحرب ذرية دمرت الكواكب وليس سوى المخلوقات المشوهة وقد قتلت امرأته وابنته في هذه الحروب ولم يبق من مدينته سوى الركام والحطام والسواد... ويرى زهرة وسط الانقاض تقف بتحد، فيقرر البقاء في الارض والمشاركة في اعادة بنائها الصعب... وفي عام 1980 نشرت لي مجموعة "أضواء في الدائرة المعتمة" وهي من الخيال العلمي في بيروت. في عام 1983 نشرت مجموعة "ليس في القمر فقراء" وعام 1985 رواية الخيال العلمي "خلف جدار الزمن"، ونشرت بعد ذلك مجموعة "أسرار من مدينة الحكمة"، ثم "محطة الفضاء" وهي من الخيال العلمي للاطفال، ثم كتاب "في العلم والخيال العلمي" و "الحاسة السادسة دراسة في الظواهر الخارقة" و "الكون يكشف أسراره" ثم "سحر الاسطورة" رحلة في أعماق الهند وهي تصف قليلا من نشاطاتي في الهند وزياراتي لمدنها الغريبة، وحفل بلقاءات ثقافية مع كتاب ومفكرين هنود... ثم صدرت مجموعة "تلك الليلة الماطرة" وبعدها "ثقب في جدار الزمن" عن الهيئة المصرية للكتاب في القاهرة، ومجموعة "السبات الجليدي" ثم مجموعة "الذي أرعب القرية الآمنة" و "شحنة الدماغ" وكتب "كوكب العواصف" و "الكوارث" وروايات "فضاء واسع كالحلم" و "رجل من القارة المفقودة" ثم "المسخ" ثم "خفايا النفس البشرية" و "البئر العتمة" وستصدر لي في هذا الشهر مجموعة "طيور الليل"...
أحمل الهم الانساني في ضلوعي واحاول النفاذ الى عوالم الانسان الداخلية والتحليق على اجنحة خيال تقفز فوق الزمن الى المستقبل البعيد يحلم بعوالم مسكونة بالخير متعاونة متكاتفة لا تعرف الاذى والشر والانانية المدمّرة...
في جعبتي طموح بدأت بتنفيذه فعلا وهو إصدار سلسلة من الروايات العلمية الخيالية للفتيان – والروايات التي تتحدث عن ادب الرحلات دفعت بأولى روايات السلسلة العلمية للمطبعة وهي "حين تبكي الارواح" واول رويات سلسلة أدب الرحلات وهي "احزان السندباد" وسأحاول إن أمدّ الله في عمري أن أتابع هذا الطموح الذي أسعى من خلاله للارتباط بعالم الفتيان الغني اللماح.
· اشتهر كثير من الكتاب بكتابة القصص الخيالية وذهب بعضهم الى تخيل أمور قد تحقق بعضها على ارض الواقع مثل التلفزيون مثلا – فما رأيك وما مدى قربها من تصوراتك وطموحك؟
- بالطبع حقق الانسان الكثير من الانجازات العلمية في هذا العصر لم يكن
يتخيل تحققها فالبساط السحري اصبح طائرة نفاثة والمرأة السحرية
أصبحت جهاز التلفاز، والنفوذ الى الاعماق بالسحر اصبح غواصة
متطورة تمخر عباب المحيط... وغير ذلك كثير وكثير في القرن الماضي تنبأ "جول فيرن" الفرنسي بالوصول الى القمر في روايته المشهورة "من الارض الى القمر" وتحققت نبوءته وحكي عن الطائرات النفاثة والصواريخ قبل اختراعها بعشرات السنين... كان الرائد الاول لما يسمى بأدب الخيال العلمي وتبعه (هـ. ج. ويلز) ثم (اسحاق عظيموف) وارثر كلارك وغيرهم... دخلوا عالم التنبؤ العلمي في اعمال درامية تستوحي احداثها من فتوحات العلم وامكانياتها المجنحة...
وفي عام 1979 اصدرت رواية "العابر من خلف الشمس" تنبأت بها بالشتاء النووي قبل الحديث عنه بنحو ثماني سنوات وحكيت عن الاستنساخ وعن الاغذية المصنعة من النفايات قبل البدء الفعلي بتصنيعها... ما دام العلم بمنطقه يسيطر على الاحداث فيما تكتبه قد تتوصل من خلاله الى تنبؤات مدهشة قد تتحقق في المستقبل.
· أما سياسيا، فما رأيك كرجل فكر وخيال علمي بمستقبل منظمة الأمم المتحدة بعد أن سيطر عليها القرار الاميركي والهيمنة الاميركية "الفيتو" الاميركي عندما تكون لصالح القضايا العربية حتى وان وصلت الى درجة تكسير عظام وتجويع الاطفال؟ أو افتعال المذابح للمدنيين؟
- من قراءاتنا للتاريح ولان المنطق العلمي يسيطر على خيالنا العلمي نقول
ان الزمن لا يرحم الطغاة مهما اشتد طغيانهم... وما يحدث من سيطرة
اميركا المطلقة على الامم المتحدة حول تلك المنظمة الانسانية الى اداة تحاصرها القرارات الاميركية بكل قسوتها وظلمها... ضد رغبات الشعوب المستضعفة وحصارا للانسانية المقهورة المتمثلة بطفل برئ قتلته قسوة الجلاد غير المحدودة. ورغم كل ما يمكن أن يظهر في قراءتنا للمستقبل من تشاؤم فان الامل هو سرّ توهج الحياة في الانسان منذ الاف السنين.
· بسبب البعد وانعدام المراجع سامحني اذا قلت إن معلوماتي عن نشاط المرأة السورية قليلة، وحبذا لو تتفضل باعلامي عن الحركات النسائية السورية والاتحاد النسائي العربي السوري؟
- للمرأة السورية نشاط مميز سواء داخل الاتحاد النسائي، أو في مجلس
الشعب السوري وفيه نائبات كثيرات او حتى في السلطة التنفيذية متمثلة بوزيرتين هما وزيرة الثقافة ووزيرة التعليم العالي والمرأة في سوريا لها مكانتها ودورها في البناء وهي كاتبة محامية قاضية استاذة بقلم عال، عالمة في مختبر، مزارعة طبيبة صيدلانية... وغير ذلك من المهن التي دخلت اليها المراة واتقنتها فدورها ليس ثانويا على الاطلاق، وانما رئيسي فاعل...
· اسمح لي قبل نهاية هذا اللقاء القيّم أن أذهب في رحلة الى خفايا الاسماء. اسم طالب عمران يوحي بطلب العمران فهل أنت موافق أو لا موافق؟ وفي حال الموافقة أي عمران تفضل؟ النفسي... أم الانساني الحضاري... أم اليقظة القومية العربية؟ أم الثلاثة معا؟
- بالطبع اميل للثلاثة معا، فأنا أسعى فعلا لخلاص النفس البشرية من
متاعبها وحالات حصارها وانا ايضا أغرف من ينابيع حضارتنا السورية القديمة والعربية الاسلامية فيما بعد وأتمنى أن يصحى العرب على واقعهم ويتفاعلوا مع التغيير قبل أن يسبقهم الاخرون بمراحل لن يستطيعوا القفز فوقها. تاريخنا المدهش بابداعاته يشكل لنا حافزا على العمل للدخول في القرن القادم بثقة مهما حاولت القوى المسيطرة وضع العصي في العجلات... والانتماء الى أمة علمت البشرية الابجدية يدفعنا للالتفاف حول مبدعينا ليقدموا عطاءاتهم في بلدانهم بظروف صحية مواتية، وليس للآخرين الذين يتحكمون بمصيرنا... وهذا ما أحاول ابرازه في كل كتاباتي... لدينا امكانيات هائلة من العقول المتنوعة لماذا لا نلتفت اليها وندفعها في اتجاه العطاء بدلا من محاصرتها وقهرها؟

عيد سعيد لأمهات العالم

نجاة فخري مرسي
من الأرشيف

اليك ايتها الام الحنون، يا من علمتنا كيف نفهم اليحاة، ورعتنا ونحن نحبو، وأخذت بأيدينا بعد أن مشينا، وسهرت معنا ونحن نتعلم، وباركتنا عندما تزوجنا وأنجبنا، ولم تنسى أولادنا... اليك نقدم تهانينا.

سأقدم بهذه المناسبة لمحة عن تاريخ انطلاقة فكرة الاحتفال بيوم الام:
- عام 1872 انطلقت الفكرة وكانت صحبة الفكرة سيدة امريكية تدعى "جوليا وورد"
- عام 1887 قامت سيدة اخرى تدعى "ماري تاولز" بمحاولة جديدة لتحقيق الفكرة ثم تلتها عام 1904 السيدة "هارينغ" بحملة واسعة ومنظمة لنفس الغرض. وبعد مرور ثلاث سنوات عن ذلك التاريخ، بدأت السيدة "آن جارفيز" بالدعوة الى جعل يوم الام مناسبة وطنية على مستوى البلاد ككل، وأن يكون موعده في ثاني يوم أحد من شهر ايار/مايو من كل عام، وتقلد فيه كل أم زهرة قرنفل، وتجاوبا مع السيدة جارفيز بدأت كنائس "غراتون" – "فيلادلفيا" مسقط رأسها، فكان أول احتفال بعيد الأم عام 1908. ثم قامت بعدها كنيسة "اندروز ميثوديست" في المدينة نفسها بتكريم السيدة جارفيز، واعتبارها المؤسسة ليوم الام، هذا مع تأكيد اليوم الذي اختارته لهذه المناسبة.
اعتمدت الفكرة رسميا عام 1914 عندما وقع الرئيس الامريكي "وودرو ويلسون" على قرار لمجلس الشيوخ والنواب في امريكا يوجه فيه انظار رؤساء الدوائر الرسمية الى وضع اعتبار خاص ليوم الام. وفي العام الذي تلاه وقع الرئيس ويلسون قراره التاريخي الذي يقول: "انا الرئيس وودرو ويلسون وودارد رئيس الولايات المتحدة الامريكية، أوصي المسؤولين في الحكومة برفع علم الجمهورية على المصالح الحكومية، كما وأدعو الجماهير الامريكية لرفع هذا العلم على بيوتهم وفي كل مكان، وذلك في ثاني يوم احد من شهر ايار/مايو من كل عام، كتعبير جماهيري عن حبنا وتقديسنا للامهات في بلادنا.
وها نحن على ابواب قرن جديد، وعيد الام في اكثر بلاد العالم ما زال مجرد احتفالات تقليدية، وزهرات قرنفل تقلد للأمهات ونحن نتساءل:
لماذا اصبح عيد الام مناسبة تجارية، قبل أن يصبح إجازة رسمية؟
ولماذا نرى في الروزنامات وفي المفكرات تواريخ ومواعيد لاجازات رسمية مثل سباق الخيل المعروف "بكأس ملبورن"، والمعرض التجاري الزراعي "ملبورن شو" وغيره وغيره ولا نجد أي ذكر في استراليا لإجازة رسمية بمناسبة عيد الام، هذا على الرغم من تأثير الام على مشاعرنا واستعمالاتنا اللغوية الشائعة مثل "اللغة الام"، "الوطن الام"، والدنيا أم، والجنة تحت أقدام الامهات.. الام التي تهز سرير طفلها بيمينها، تهز العالم بيسارها، الى آخر هذه الاستعمالات التي تدل على تأثير الامومة على مشاعرنا وعقولنا، وتضع الام – كل أم في مكانها على عرش قلوبنا، لأنها هي التي انجبت كل ما في هذا الكون من ملوك ورؤساء وحكام وسلاطين، وهي التي ما زالت تطالب، ونطالب معها ولها، بيوم واحد كإجازة رسمية في عيد الام، وببدل أمومة تستحقه ويليق بمقامها، وهذا حق وليس منّه.
أخيرا دعونا بهذه المناسبة المميزة، نقدم التهاني للأم العربية في المهجر، التي نجحت في حمل رسالتها، واستطاعت ان تحافظ على قيمها الروحية، وتقاليدها الشرقية في تربية اولادها.
والسؤال المحير هو: لماذا تحوّل ثاني يوم أحد من شهر ايار من كل عام، بقدرة قادر الى 31 اذار في البلاد العربية، والى 10 ايار في بلاد جنوب امركيا، والى 18 اذار في بريطانيا ونيجيريا واختلفت التواريخ في كل بلاد العالم، وأنا أطالب نساء العالم بالاتفاق على يوم واحد ليحتفل به العالم كله في يوم واحد بعيد الام.
وكل عام وكل الامهات بصحة وعافية ليكملن رسالتهن الخالدة.

لقاء مع الاديبة ناديا الجردي نويهض في بيروت

نجاة فخري مرسي
من الارشيف
استأنفت المرأة اللبنانية تحليقها في اجواء الرعاية الاجتماعية والانتاج الفكري، ونشطت بعد الحرب الاهلية المدمّرة المريرة في مؤاساة العائلات المنكوبة ومساعدة من تيتموا وتشرّدوا. ومن فقدوا اجزاء من اجسادهم فأصبحوا معوقين.
هذا الى جانب النشاط الفكري الملحوظ، الذي يكاد ينصب في معظمه على وصف هذه المآسي وتسجيلها في صفحات التاريخ علها تذكر تجار الحروب بجرائمهم فيتاجرون بالسلم والعلم والعمران.
وهنا سأقدم للقارئ العربي في استراليا، واحدة من سيدات المجتمع اللبناني الفاعلات التي شاركت في تأسيس الجمعيات النسائية الخيرية، ونالت على جهودها الادبية والاجتماعية الميداليات والدروع، انها السيدة ناديا الجردي نويهض مؤلفة كتاب "نساء من بلادي" الذي قدّم له الرئيس الدكتور سليم الحص، وكتاب "كلمات من ذهب" المجلد المكوّن ألف صفحة قدّم له وزير التربية السابق الاستاذ بطرس حرب، وقال فيه الناشر في دار الحداثة، انه دعوة للحوار والمحبة والاستفادة من عبرة الماضي، والتعاون على أرض الواقع، والعمل سوية، من أجل مستقبل أفضل.
انها السيدة ناديا الجردي التي تفضلت بلقائي في بيروت، وتزويدي بهذه المعلومات القيمة، التي يسعدني أن أشرك المرأة العربية المهاجرة، في قراءتها والتعرف عليها.
س: سيدة ناديا، حدثينا اولا عن نشاطك الاجتماعي وانتاجك الفكري وعن دوافع احترافك الكتابة والتأليف؟
ج: بدأت بكتابة بعض الوجدانيات وانا بعد على مقاعد الدراسة، ونشرها في مجلة المدرسة، واثناء غربتي الى فنزويلا التي دامت عشر سنوات كنت اراسل مجلة "صوت المرأة" التي كانت رئيسة تحريرها الاديبة ادفيد شيبوب، كما راسلت مجلة "دنيا المرأة" لصاحبتها نور نويهض حلواني.
كانت مواضيعي تدور حول شؤون المرأة في اميركا الجنوبية، وبعض شؤون الجالية اللبنانية وموقعها في فنزويلا.
وعندما رجعت الى لبنان كتبت في العديد من الصحف اللبنانية والعربية وكانت مقالاتي متنوعة المواضيع والاهداف.
كتبت في التربية، في تماسك الاسرة، وفي القضايا العربية والفلسطينية وفي التحرير والفداء.
س: علمت انك تعدين الجزء الثاني من كتابك "نساء من بلادي" لماذا؟
ج: عندما انجزت كتابي "نساء من بلادي" الذي حوت صفحاته العدد الكبير من الشخصيات النسائية اللبنانية الرائدة والفاعلة، شعرت بعد صدوره بانني كنت مقيدة بسبب الحرب الاهلية المريرة في لبنان.
لذلك قررت ان اكمل ما فاتني في الجزء الثاني الذي سيتناول سير بعض الرائدات العربيات، اللواتي اعتز باعمالهن، لانني اعتبر ان كل البلاد العربية بلادي.
س: هل تكونت لديك فكرة تأليف هذا الكتاب الجامع، كحصيلة لما تجمع لديك من معلومات عن الكم الكبير من نسائنا الرائدات ام انها كانت نزعة الصياد الذي يبحث عن الطيور المغمورة النادرة؟
أم أنها كانت ثورة المرأة على ما تراه من تعتيم على تاريخ المرأة وتهميش لدورها في مجتمعاتنا الشرقية؟
ج: اعتقد ان التاريخ قد اهمل دور المرأة اللبنانية، وتأثيرها في مجتمعها وقد يكون ذلك عن قصد او عن غير قصد – كأن التاريخ وقف على الرجال – وكأن المرأة صورة لا تظهر الا اذا كانت متفوقة وفائقة الاشعاع الذي لا يمكن تجاهله.
من خلال بحثي عن تاريخ المرأة، رأيت في لبنان، وفي البلاد العربية نماذج لنساء رائدات لعبن ادوارا هامة ومرموقة في مختلف مجالات الحياة، من فكرية واجتماعية، وحتى سياسية.
هنا قررت من خلال ما عرفته، ان اجمع هذه الحقائق وهذه المآثر في كتاب "نساء من بلادي" لالقي بعض الاضواء، على صراعات المرأة ونجاحاتها، فأقدم الصورة الصادقة الواقعية عن نساء بلادي ولأزيل بعضا من ضباب التمييز الحاصل الذي عتم على تاريخها لازمان طويلة.
حكاية المرأة في لبنان يا عزيزتي، ليست حكاية باقة نظرة من الورود والرياحين الفواحة، وقامات لا تمل رؤيتها العين فحسب، انما هي قصة نضال مستمر، واسهام فاعل في بناء هذا الوطن، وآثار محفورة في صميمه وعلى جوانبه.
في تاريخ لبنان، والبلاد العربية صفحات مشرقة، كتبتها المرأة بنور الفكر، ودم القلب، ومرارة الصبر، وحرارة الايمان، فاذا بهذه الصفحات مدارس للتربية والتعليم، ومؤسسات لرعاية الايتام والعجزة، واقلام تخط الادب والشعر والفن، وعقول نضالية صامدة متفوقة في كافة المعتركات الوطنية والنضالية، وايضا الفداء.
س: لم يسعدني الحظ بقراءة المزيد من مؤلفاتك، بسبب البعد، ولكنني قرأت كتابك "قناديل" انتاج 1986، فوجدت فيه ما أوحى الي بأنك تلك المرشدة الرسولية التي تؤمن بالكمال، فهلا تكرمت بتعريفي على بقية مؤلفاتك للاستزادة؟
ج: مؤلفاتي 4 حتى الان وهي: "نساء من بلادي"، "كلمات من ذهب"، و "قناديل" ثم "وسام الجرح".
وانا جاهدة كما تعلمين، في اعداد الجزء الثاني من كتاب نساء من بلادي. وسأهديك كتاب "كلمات من ذهب" المجلد الموسوعة مع اهداء وشكر على اهتمامك بنشاطي الاجتماعي وانتاجي الفكري، وبمسيرة المرأة اللبنانية ككل.
س: ولكنك لم تحدثينا بعد عن نشاطك الاجتماعي، الذي سمعت عنه الكثير؟
ج: باختصار شديد سأدرج لك مشاركتي في الانشطة التالية:
- منتدى القصة 1988 – 1989.
- أسست جمعية رأس المتن، ورئيستها الفخرية 1986.
- عضو مؤسس في المكتب الدائم للمؤسسات الدرزية.
- عضو مؤسس في الرابطة الادبية.
- عضو في المجلس النسائي الوطني.
- عضو مؤسس في التحالف النسائي.
- شاركت في مؤتمرات دولية وعالمية.
س: وماذا عن حصاد الايام والجوائز؟
ج: نلت درع الهيئة الوطنية اللبنانية فرع الشمال.
- نلت درع الجيش اللبناني من قائد الجيش اميل لحود 1995.
- نلت درع الجيش المذهب تقديرا لجهودي الادبية والاجتماعية 1997.
- نلت درع الجمعية النسائية للرعاية الاجتماعية 1997.
- وشعار جمعية بيت المرأة الجنوبي الفضي.
س: اخيرا سيدة ناديا هل من رسالة تودين توجيهها لاخواتك المهاجرات في
استراليا؟
ج: اولا اود ان ابعث بتحية حارة لاختي المغتربة، واتمنى ان ازور استراليا
لاتعرف عليها اكثر، بعد ما سمعته منك عنها في وقوفها المشرف الى جانب زوجها، والمحافظة على اسرتها، والاحتفاظ بتقاليد وطنها وقيمها الشرقية، ولغتها العربية.
أما أخيرا، وليس اخرا، اود ان الفت نظرها الى ان تسعى دائبة الى معرفة ما
يدور حولها في العالم من علم واكتشافات وتقدم، وتجييرها لصالح عائلتها فتبقى الام الفاضلة، كما عهدناها والزوجة الوفية المتعاونة، والصديقة الصدوقة لبنات جنسها، والمواطنة المخلصة لوطنها الام، لتكون حبة بركة اينما وجدت وحيثما حلت.
واخيرا اشكرك يا سيدة نجاة على استضافتي في هذا اللقاء التاريخي.
س: وانا بدوري اشكر السيدة ناديا الجردي نويهض على تفضلها بتزويدي بارائها القيمة، وعلى امل اللقاء في استراليا، واتمنى لها دوام الصحة ودوام العطاء.

ليلى عسيران صحافية، وروائية صدرت لها ثلاث روايات عن الفداء

نجاة فخري مرسي
من الأرشيف
لقاءات نسائية في لبنان

كانت اول امرأة تقيم بين الفدائيين في قواعدهم العسكرية.
ونتيجة لهذه التجربة صدرت لها روايتان: "عصافير الفجر" و"خط الافعى"...
عاشت في منطقة جسر الباشا المحاصر اثناء الحرب الاهلية (1975 – 76) وكتبت عن هذه التجربة رواية "قلعة الاسطى"...
ترددت على قرى الشريط الحدودي في الجنوب اللبناني المحتل حيث صورت الصمود والنضال في وجه الاعتداءات الاسرائيلية الوحشية المتكررة في روايتها "جسر البحر"...
منحت عام 1997 وسام الاستحقاق اللبناني من رتبة فارس تقديرا لاعمالها الروائية...
من اقوالها في حديث لها مع مجلة "الاداب":
- "كان في حياتي صراع دائم بين الطوق الادبي وارتباطي بالحدث القومي، وان قصتي "المدينة الفارغة" تعبر عن احباط...
- تصوروا انني وصفت بيروت المتألقة بالمرأة الجميلة التي لا عقل لها ولا ذكاء، وبعملي هذا اقترفت جريمة بحق بيروت...
- كانت كتبي ممنوعة من دخول الاردن، ومنحت تأشيرة باذن خاص لاكتب عن الحرب... كتبت عن شهداء فلسطين الاحياء...
- من الصعب أن تنسى امرأة وجوه جرحى النابالم...
- ساعات طويلة امضيتها تحت الشمس أشاهد نزيف النزوح، وهذه المشاهد محفورة في نفسي.
عن مجلة "الآداب"
* * * *
وبعد أن قرأت بعض ما قالته أديبتنا، وبعد ان تشبعت بقراءة بعض رواياتها التي تفوح منها روائح القومية، والاسلوب الفلسفي والشفافية النسائية والانسانية، الى جانب مواقفها السياسية الرائعة، سعيت الى لقائها في منزلها العريق في بيروت، حيث كان لي معها هذا الحديث المتواضع، قياسا بآفاقها الادبية والفلسفية.
وإن كنت التقي معها عند الشريط الحدودي في الجنوب اللبناني المحتل حيث الاعتداءات الاسرائيلية الوحشية المتكررة، وحيث الصمود والنضال كما صورتهما في روايتها "جسر البحر" ولكنني سأبقى بانتظار ان يرفرف علم لبنان فوق هذا الجزء العزيز المحتل، وان يسجل التاريخ العربي ما كتبته الاديبة ليلى عسيران الحافظ عن ذلك الصمود الاسطورة.
اللقاء:
س: هلاّ تفضلت بتعريف القارئ على الاديبة ليلى عسيران؟
ج: المؤلف لا يعرّف على نفسه، بل على السائل المستمع ان يستنتج الحقائق
من خلال الحوار.
س: كيف استطاعت الصحافية والاديبة الاستاذة ليلى عسيران/ وقرينة دولة
الرئيس السابق امين الحافظ، من الجمع بين الصحافة ومتاعبها والتأليف ومتابعته، وسط اجواء سياسة دولة الرئيس ومطالبها؟
ج: لقد دخلت عالم الصحافة من باب تجربة الحياة، وتخصّصت في التحقيق
السياسي والفلسفة في الجامعة الاميركية في بيروت، ثم كتبت عددا لابأس به من القصص القصيرة كتجارب ادبية اولية. لقد استفدت كثيرا من اجواء السياسة، التي انغمر في غمارها امين الحافظ، وذلك قطعا اخذ يضيف الى تجربتي مع الناس في كل مستوياتهم، وكذلك اخذ وقتا من تفرّغي الكامل لبيتي ومطالعاتي وتجاربي في ممارسة الادب والنشاطات الفنية.
س: هل تطالب الاديبة ليلى عسيران بتحرير المرأة، أم أنها تفضل أن تطالب بحقوق المرأة، أم بالاثنين معا، أم أن لها نظرة خاصة في شأن المرأة اللبنانية، ودورها في المستقبل؟
انا أؤمن أن تحرير المرأة يبدأ من العقل والفكر والوجدان، وينتهي بالاكتفاء المادي لها. الا أن المجتمع اللبناني لم يزل لا يعطي المرأة كل حقوقها، مثله مثل العالم أجمع، إذ أني أقرأ عن العنف المستعمل ضد المرأة في اميركا وفي اوروبا. لكن في كل الاحوال لا أؤمن ولا أقرّ الا أن تكون المرأة انسانة لها كرامتها وليست منصاعة ومقهورة ومنساقة الى ظروف الحياة القاسية، سواء أكانت تلك الظروف مادية، أو نفسية. المرأة انسان كما الرجل انسان.
س: ما رأيك بالمرأة اللبنانية، ودرجة نشاطها في تأكيد دورها الفاعل في مجتمعها، ام انها لازالت في أول الطريق؟ ولماذا برأيك تتهرب الحكومات السابقة والحاضرة من التسليم لها بالمزيد من حقوقها المدنية والسياسية؟
ج: ارى أن المرأة اللبنانية ذات حيوية قصوى، ولقد كانت خلال الاحداث التي امتدت سبعة عشر عاما "البطلة" الاولى، حيث تصدّت لكل أنواع المخاطر. والمرأة اللبنانية فاعلة في جميع قطاعات العمل، وانواع الانتاج، والفنون، والتجارة، والهندسة، والاعلام، والتعليم والابحاث الخ..
إن المرأة كما الرجل بحاجة الى ممارسة عملية على الارض قبل ان تلج باب السياسة، وهذه مهمة تتطلب سنوات وسنوات من الخبرة، وكيفية التعامل مع الناس، وتلبية حاجاتهم، والالمام بالقوانين الدستورية والوزارية.
انا لا اعتقد ان الحكومات "تتهرب" ولكن الحقوق تؤخذ ولا تعطى، ومن يتابع نشاط المرأة اللبنانية، يجد أنها تقدّمت كثيرا، وهي مازالت تناضل لكي تحصل على ما تستحقه من حقوق، وواجبات – اللهم اذا كانت من النوع الذي يستحق فعلا.
س: هل أنت راضية عن المجلات النسائية في لبنان، وهل هي في نظرك ما زالت تحمل الطابع اللبناني، أم انها تحوّلت نحو الطابع الغربي؟
ج: موضوع المجلات شائك ومعقد، يخضع الى امكانيات مادية والاعتماد على الاعلان، ونوعية القراء وما يهمهم. وما هو الخيط الواضح الذي يوضح ما هو غربي ام لبناني؟ ان قيمة لبنان الحضارية هي هذا التمازج الفريد بين حضارات متعددة الاصول والاتجاهات. والغرب الذي يؤمن بحريات لم تكن مباحة في اول هذا القرن بلبنان، لديه ايضا من الاصدارات المحافظة، ولكن ضمن مفاهيم هذا العصر.
لبنان منفتح، يعشق الحرية، والجمهور القارئ، او المشاهد للاعلام المرئي، لا سيما بعد وجود "الفضائيات" يستطيع ان يختار ما يناسب ذوقه.
س: اخيرا اشكر تفضلك بلقائي، وتزويدي بما سمعته منك من اراء قيمة، هل من رسالة تودين ارسالها الى اختك اللبنانية المهاجرة في استراليا؟
ج: اتمنى ان تنقل اختي اللبنانية المهاجرة في استراليا صورة مميزة عن لبنان، وان تستفيد من تنوع الاختلاط بين المهاجرين الاخرين، وتقوم بنشاطات فنية وثقافية، فليس مثل الثقافة ما يوحّد بين البشر.
وأقصى ما أتمناه لها ان لا تنسى وطنها الام، وان يتسنى لوطنها الام أن يعطيها نفس فرص الحياة للعودة الى لبنان، فلبنان يعتزّ ويعزّ كل ابنائه وبناته في المهجر.
وسأختم اللقاء بذكر أسماء روايات السيدة عسيران الحافظ العشر وهي:
لن نموت غدا 1962، المدينة الفارغة 1964، الحوار الاخرس 1964، عصافير الفجر 1966، خط الافعى 1972، قلعة الاسطى 1979، جسر الحجر 1986، الاستراحة 1989، شرائط ملوّنة 1994، طائر القمر.

سايكلوجية الرابطة العربية الاسترالية في تكريم الاصدقاء الاجانب

نجاة فخري مرسي
من الأرشيف

لا بدّ وان يكون لسياسة تكريم الاصدقاء غير العرب أهمية قومية وبُعد سياسي هادف. وبهذه السايكلوجية بدأت الرابطة العربية الاسترالية في مدينة ملبورن تركز على اهمية تكريم الاصدقاء غير العرب والحفاظ على صداقاتهم النادرة في استراليا خاصة وفي العالم الغربي عامة.
وبمناسبة عودة الصديق البرلماني والسياسي الاكاديمي الناشط بل يايتس من رحلة الى الشرق الاوسط، فقد اقامت له الرابطة بشخص الدكتور مرسي سكرتير عام الرابطة، ومساعدة السيد طوني الحلو عضو بلدية مورلند، والسيد شحادة صالح رئيس نادي الحضارة العربية، حفل تكريم في صالة الريفولي مساء 3/9/1999، دعت اليه السلك القنصلي وابناء الجالية العربية من المهتمين.
افتتح الحفل سكرتير عام الرابطة الدكتور مرسي بكلمة لخّص فيها مسيرة الرابطة وتاريخها القديم الجديد، والسياسة التي تربطها بالاصدقاء والمتعاطفين مع القضية العربية والحفاظ على استمرارية هذه الصداقات والاستفادة منها في عالم لا يقرّ بعدالة قضيتنا، وبالتالي من أجل مصلحة وجودنا في استراليا.
ألقى الدكتور مرسي كلمته باللغة الانجليزية، لخص فيها مسيرة الضيف السياسية وعلاقته بالشرق الاوسط كالآتي:
1- كان عضواً في مجلس العموم البريطاني 1955 – 1966 اثناء الاعتداء الثلاثي على مصر، فاحتجّ على ضلوع حكومته بهذه المؤامرة. ونتيجة لهذا الموقف المشرّف فقد خسر كرسيه في مجلس العموم البريطاني.
2- دافع مع الجيش البريطاني عن الاسكندرية والعلمين.
3- كان من ضمن القوة البريطانية التي رابطت في شرق الاردن.
4- قابل الرئيس جمال عبد الناصر، وشخصيات اخرى مصرية هامة منها فكري اباظة، سيد مرعي، وعبد القادر حاتم.
5- قاد وفداً برلمانياً انجليزياً الى اليمن بعد الثورة.
6- حضر الى استراليا وترشح لعضوية البرلمان الفيدرالي عام 1975 عن دائرة هولت وفاز بتمثيلها.
7- تقاعد من البرلمان وسجّل لشهادة الدكتوراه في جامعة ملبورن عن الرسائل التي تبادلها الرئيس جمال عبد الناصر مع الرئيس الامريكي جون كندي.
ثم قدّمه الدكتور مرسي ليلقي كلمته عن تفاصيل رحلته الاخيرة الناجحة الى
مصر وسوريا ولبنان، والحفاوة التي قوبل بها من قبل حكومات هذه الدول، وعن مدى سعادته بها وبنتائجها الايجابية.
وبعد كلمة السيد بل يايتس الظريفة الودودة، ردّ على اسئلة الجهمور بقلب
مفتوح وابتسامة صديقة.
قرأ رسالة السيد لورنس ابو خاطر نجل الصديق الراحل رودولف ابو
خاطر، السيد طوني الحلو، نيابة عنه لعدم تمكنه من الحضور.
وانتهى الحفل بمزيد من تعريف الجالية على هذا الضيف الكريم.

حول نشأة الأدب المهجري في استراليا

نجاة فخري مرسي
من الأرشيف
صحافة مهجرية... أدب مهجري... رابطة احياء التراث العربي في المهجر... جائزة جبران الادبية... مؤلفات تنشر وتوقع... دواوين تطبع... صحافة تكتب... حفلات تقام... كلمات تلقى... جماهير تصفق... رعاية دبلوماسية ودينية... دعوة ادباء وشعراء من الاوطان الام... استحسان وتشجيع... نقد وتقريع... ضجيج فكري، ورياضة قلمية.
كل هذه في كلمات وعبارات ترددها الشفاه في سدني كل يوم، الى أن بدأت تأخذ طريقها الى الافكار والى العقول لتعشش وتفقس وتنتج.
أدب مهجري في استراليا؟ علامات استفهام كبيرة، متى نشأ، وكيف، ومن أين بدأ؟
كل هذه اسئلة تبحث لنفسها عن أجوبة. والصورة تكبر وتزيد وضوحا، والاسم يقترب من المسمى شيئا فشيئا. ورابطة احياء التراث العربي تفرض اسمها ووجودها على الساحة الادبية المهجرية، كذلك جائزة جبران الادبية، بدأت تعبر البحار والمحيطات وتحط بثقة على صدور نخبة مختارة من ادبائنا وشعرائنا في الوطن الام، وفي المغتربات العربية الاخرى، اذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: الادباء مدحت عكاشة، نعمان حرب، ومحمد زهير الباشا، من سوريا. الاديبة املي نصر الله، الاديب توفيق عواد، والشاعر الدكتور عصام حداد، من لبنان... الشاعر عبد الوهاب البياتي، من العراق... الشاعر محمد الشرفي، من اليمن... الدكتورة نوال السعداوي، من مصر... والعالم روكس العزيزي من الاردن.
قلت في كلمتي، بمناسبة منحي جائزة جبران الادبية على كتابي "المهاجرون العرب في استراليا" منذ عامين ما معناه: "ان تحرير الكلمة والارتقاء بالمادة الفكرية يرفعان من مستوى الكاتب والقارئ معا، ويساعدان على نشر المعرفة في عالم الانسان. وهذا ما قامت به "رابطة احياء التراث العربي" في المهجر الاسترالي حيث احتضنت الانتاج الفكري، ووفرت له المناسبات، وسلطت عليه الاضواء، بالتعاون مع الصحافة العربية.
ولا اغالي اذا قلت انه عندما تكونت هذه الرابطة، كان الانتاج الفكري، يتسكع على صفحات الصحف المهجرية بلا هوية، في بيئة غريبة يحتاج فيها الى الحركة وجذب الاهتمام.
وفي زيارتنا الاخيرة (زوجي وانا) لمدينة سدني سعدنا وتشرفنا بحضور ثلاث مناسبات ادبية في اسبوع واحد، كان اخرها الحفل السنوي لتوزيع جائزة جبران الادبية – العالمية على ثلاثة من عمالقة الادب في الوطن الام من وزن الشيخ عبد الله العلايلي... البرفسور نديم نعيمة. والدكتور عبد اللطيف اليونس.
ومن المهجر الاسترالي، الارشمندريت فكتور حداد... الدكتور ميشيل سليمان... الاستاذ عصمت الايوبي، والدكتور جيم ماكاي الاسترالي.
شعرت وانا في وسط هذه الاعراس الادبية انني امام نقطة تحول كبيرة، وامام تحرك حضاري جديد في محيط جاليتنا التي كادت تنحصر اهتمامات، نسبة كبيرة من ابنائها في حفلات الطرب والاعراس والمواسم السياسية والخطابية.
اذن لابد وان يكون وراء هذا التحول، وهذا الاقبال على المناسبات الادبية والفكرية هذه، دوافع وحوافز جديدة، احيت في نفوس اناس في المهجر ما استنام من عراقة تفكيرهم، وعادت بهم من جديد الى دائرة تراثهم العربي العظيم.
خطرت لي فجأة، فكرة عمل هذا التحقيق الصحفي حول نشأة الادب المهجري في استراليا، ولم افوت فرصة وجود البرفسور نديم نعيمة، في حفل تقليده جائزة جبران العالمية، الذي اقامته على شرفه ادارة مطعم "بلاك ماركت" لصاحبته الانسة سونيا جوري. ذهبت الى البرفسور وفي يدي ورقة صغيرة عثرت عليها في محفظتي، تدل على ان الفكرة كانت ابنة اللحظة.
سألته عن رأيه في الحركة الادبية في استراليا كما رآها اثناء زيارته وهل نستطيع ان نعتبرها ادبا مهجريا؟ معتبرة ان اجابة البرفسور نعيمة (ابن شقيق الفيلسوف اللبناني الكبير الاستاذ ميخائيل نعيمة) ستكون بمثابة الحجة والشهادة التي سنعتز بها.
والشخصية الثانية التي قابلتها في نفس الحفل كان الدكتور احمد شبول الذي نحترم اراءه السياسية ونريد ان نتعرف على ارائه الادبية.
ولكي تكتمل ثلاثية الاراء الاكاديمية اتصلت بالدكتورة سمر العطار في منزلها تلفونيا. ثم اتجهت بعدها نحو المعين (بفتح الميم) الادبي والفكري من ادباء وشعرا، وكان الهاتف كريما اذ ساعدني على اختصار الوقت. وكنت اتمنى لو اتسع الوقت واتسعت الصفحات للاسترشاد بجميع الاراء في سدني وفي ملبورن.
واما فرسان الصحافة العربية المهجرية، فلهم في ذمتي جولة خاصة تليق بفروسيتهم وفضلهم على الاقلام المغتربة.
ومع بداية العام الجديد، اتمنى للجميع سنة جديدة مباركة، ولاوطاننا الحبيبة الحرية والامن والسلام.

الدكتورة نوال السعداوي في الابداع والتمرد

نجاة فخري مرسي
من الأرشيف

لقد جرت العادة عندما يتحدث الصحافي مع علم من الاعلام، أن يقدّمه للقارئ الذي لا يعرفه، ومع أن محدثتي الدكتورة نوال السعداوي أشهر من أن تعرّف، إلا انني سأقدّم لمحة موجزة، وموجزة جداً، عن انشطتها الادبية والاجتماعية والاكاديمية التي شغلت الصحافة، وملأت الاسماع، بمواقفها الوطنية والانسانية "الثورية".
هي طبيبة، ودكتورة علم نفس، ومؤلفة لاكثر من عشرين كتاب حول سيكولوجية المرأة والرجل، ومواقف المجتمع منها.
هذا الى جانب انها مؤسسة ورئيسة لجمعية تضامن المرأة العربية، على مستوى العالم العربي ككل (جمعية ذات وضع استشاري لدى المجلس الاقتصادي الاجتماعي بالامم المتحدة، قدمت فيها العضويات الشرفية للرجال).
ادخلتها مواقفها الثورية في مقاومة تيارات التخلف في المجتمع، والمطالبة بحقوق المرأة المدنية والانسانية السجون في العهد الماضي في وطنها مصر.
كذلك عرّضتها مواقفها الوطنية لمضايقات رسمية ما أنزل الله بها من سلطان، انتهت بمنعها من اصدار مجلة الجمعية، ثم ابلغت عام 1991 بخطاب من احدى مديريات الشؤون الاجتماعية في القاهرة بصدور قرار بحلّ الجمعية دون ان يسبق ذلك اي تحقيق أو ذكر الاسباب، وصودرت ممتلكات الجمعية ومحتويات صندوقها المالي.
لماذا، لانها كانت ولا زالت القلم الوحيد الذي يكتب عن شؤون وشجون المرأة في حين ان المجتمع منشغل بلبس وإلباس الحجاب على شعرها وعقلها.
لماذا؟ لانها كانت أو كادت أن تكون أثناء حرب الخليج، الصوت الوحيد الذي رفض الوجود الاميركي فوق أرض الخليج.
و لماذا، لانها دُعيت ثم لبّت الدعوة لحضور مؤتمر رمزي كلارك/النائب العام الاسبق للولايات المتحدة. المؤتمر الذي يحقق بجرائم حرب الخليج ويُطالب بإدانة "جورج بوش" حبيب أنظمتنا العربية.
وهي كما سنقرأ في هذا اللقاء طاقة نسائية ثورية مميزة، تتشرف كل امرأة عربية ان تكون سفيرتها ونصيرتها في الخارج، حيث اصبحت معروفة من المنظمات النسائية العالمية، ومن جامعات سويسرا واميركا، والمنظمة الدولية للامم المتحدة.
زارت استراليا عام 1986، بدعوة من اتحاد الكتاب في ولاية جنوب استراليا، بمناسبة صدور كتابها: "الوجه الاخر للمرأة The Hidden Face of Eve" باللغة الانكليزية (منحتني هذه الزيارة شرف تأسيس اول فرع لجمعية تضامن المرأة العربية، خارج العالم العربي).
دُعيت عام 1988 الى استراليا لتسلم جائزة جبران العالمية، التي تقدمها رابطة احياء التراث العربي للشخصيات المختارة كل عام، ولم تتمكن من الحضور، فسلمت الجائزة لها في القاهرة باحتفال خاص في مقر الجمعية.
وفي عام 1995 دعتها لجنة مؤتمر منظمة "اميسا AMESA" لدراسات الشرق الاوسط السنوي، للاشتراك بتقديم المرأة والمجتمع، ولم تتمكن من الحضور بسبب وجودها في رحلة "استاذ زائر" في جامعة واشنطن باميركا.
اثناء وجودي في اذار الماضي في القاهرة، دعتها بعض الجمعيات النسائية لحضور احتفالات يوم المرأة العالمي لعام 1996، في باريس، عادت منها بانفلونزا فرنسية الزمتها الفراش. وقبل انقضاء اسبوع النقاهة، كانت الدكتورة نوال تركب الطائرة في طريقها الى اميركا، لتكون المتحدثة الرئيسية في احد المؤتمرات بنيويورك.
والان يسعدني أن أقدم للقارئ العزيز دكتورتنا الثائرة، بعد عودتها من رحلتها "البطوطية" وارائها القيمة بمناسبة "يوم المرأة العالمي" و "عيد الام" لهذا العام، وللاعوام القادمة وكل عام دكتورتنا العزيزة بألف خير.
● دكتورتنا العزيزة، انا سعيدة جدا بهذا اللقاء، بعد عودتك من رحلاتك "البطوطية" الى سويسرا، واميركا، وفرنسا ويا حبذا لو تتفضلي وتحدثينا عن رحلاتك الاكاديمية هذه، وهل كانت لتدريس برامج مصرية، او برامج نسائية خاصة، أم ترك لك الخيار في اختيار المواد؟
■ تركت مصر منذ اربع سنوات وعشت في المنفى هذه السنوات الاربع في الولايات المتحدة، استاذة زائرة في جامعة ديوك بولاية نورث كارولينا. كنت ادرّس الابداع والتمرّد Dissidence and Creativity واعتمد في تدريسي على رواياتي وروايات اخرى.
وقد تركت مصر منذ اربع سنوات مضطرة (وليس اختيارا) حيث وضعت الحكومة المصرية حراسة مسلحة على بيتي Body Guard يلازمني ليل نهار! من اجل حماية حياتي!! قالت الحكومة المصرية ان التيارات الارهابية الدينية تهدد حياتي، وكنت معارضة للحكومة ايضا ولم اكن اثق في الحراس لذلك اضطررت الى ترك الوطن لمدة اربع سنوات.
في الشهور الاخيرة دعيت الى مؤتمرات ادبية ونسائية دولية في بلاد متعددة منها سويسرا وفرنسا واميركا، وقد عدت الى الوطن مؤخرا وانوي الاستقرار في الوطن.
● كنت قد تفضلت بإهدائي منذ اكثر من عشر سنوات كتابك "رحلاتي حول العالم" وكان مؤلفا من جزأين. وبعد ان قرأتهما اقتنعت بأنك طاقة نسائية فريدة، فهل هنالك اجزاء قادمة؟
■ نعم سوف يأتي الجزء الثالث من رحلاتي قريبا وقد نشرت العام الماضي الجزء الاول من سيرتي الذاتية تحت عنوان "اوراقي.. حياتي". صدرت مسلسلة على حلقات في مجلة "المصور" بالقاهرة صيف عام 1995 وصدر الكتاب عن دار الهلال في بداية 1996 وقد كان له صدى جيدا في مصر خاصة بين شباب وشابات الاجيال الجديدة.
أما الجزء الثاني والثالث من سيرتي الذاتية فسوف يصدر تباعا في العام القادم والذي بعده.
ومن بعد ذلك سأجمع مذكراتي عن رحلاتي المتعددة خلال الثمانيات والتسعينات لتكون الجزء الاخير من رحلاتي في العالم.
● يوجد نقاش مستمر، حول تعريف الادب النسائي، هل هو ما يُكتب عن النساء، أم هو ما يكتبه النساء؟
■ لا أميل الى هذا التعريف، ولا استخدمه الا نادرا جداً وعند الضرورة القصوى، واعتقد ان الادب النسائي هو ما تكتبه النساء باقلامهن (وليس ما يُكتب عن النساء). ولكن هناك نساء يكتبن ادبا متخلفا ومعاديا لحرية المرأة ولا يمكن أن نسمي ذلك ادبا نسائيا بالمعنى الصحيح لان الادب النسائي (في رأيي) هو الادب الثوري الذي يؤدى الى التحرير والانطلاق والخلاص من القيود (وليس الاستمرار في العبودية والقهر).
● يصادف في 8 اذار من كل عام "يوم المرأة العالمي" ويصادف في 11 ايار من كل عام "عيد الام" وتحتفل النساء بهاتين المناسبتين الاحتفالات التقليدية، مع أن المرأة التي انجبت الملوك والحكام، والاباطرة والسلاطين، لازالت محرومة من اجازة رسمية في اي منهما، فما رأي دكتورتنا بلعبة الاحتفالات العقيمة هذه التي انستها الاهم؟
■ أنا لا اشارك عادة في الاحتفالات الرسمية فهي كلها شكلية وتحجب الكثير من القيود التي لاتزال تعاني منها النساء والامهات خاصة. و "عيد الام" بالذات ليس الا لعبة عقيمة كما تقولين لان القوانين في بلادنا تحرم الامهات من حقوق المواطنة الكاملة او الاهلية الكاملة، في مصر مثلا لا يحق للأم المصرية أن تمنح جنسيتها المصرية لاطفالها، كما ان قوانين الزواج والطلاق والحضانة لاتزال تحرم الامهات من حقوق الانسان الاساسية ومع ذلك يحتفلون بعيد الام ذراً للرماد في العيون!
● واخيرا وليس اخرا، هل نستطيع ان نعتبر الدكتورة نوال السعداوي سفيرة المرأة المصرية المعاصرة في العالم، ام انها سفيرة المرأة العربية في شرق العالم وغربه؟
■ لا اعرف الاجابة على هذا السؤال، لاني حين اسافر خارج الوطن العربي احمل معي الوطن كانما هو جسمي، فلا اشعر بالغربة في اي مكان من العالم خاصة اذا جمعني اللقاء بنساء او رجال من ذوي الحساسية الوطنية والفنية. فالعالم الكبير اصبح قرية صغيرة واحيانا اشعر بالغربة داخل الوطن، حين يصبح الوطن سجنا كبيرا او سيفا يهدد حياتي ولكن اعتبر نفسي سفيرة للوطن العربي داخل الوطن وخارجه، وعلاقتي باللغة العربية مثل علاقتي بالهواء والشمس ضرورية للحياة، ولست وحدي في ذلك، واعتقد ان اي امرأة أو رجل يمكن أن يكون سفيرا أو سفيرة لوطنهما، لان حب الوطن لا ينفصل عن انواع الحب الاخرى.