لقاء هام مع الدكتورة سعاد المبارك الصباح

نجاة فخري مرسي
تتدفق عادة ينابيع الشعر الطبيعية من القلوب المتعبة المتألمة الثائرة. ومعنا الان ينبوع شعر نادر، جديد بنوعه. معنا الدكتورة سعاد المبارك الصباح: استاذة الاقتصاد الكويتية.. سيدة مترفة.. جميلة مثقفة.. من الاسرة الحاكمة في الكويت. ومع ذلك فهي شاعرة مرهفة الحس، رقيقة كالأنسام. إنه حقاً لمنبع نادر نحب أن نتعرف اليه.
وفي جنيف في احد المؤتمرات الدولية الداعية الى انهاء حرب الخليج، قابلتها وتفضلت بدعوتي الى وليمة عشاء في منزلها، على شرف شخصية نسائية عربية هامة حضرها اكثر نساء الدبلوماسيين العرب في سويسرا، ومع ذلك لم تنس ان تهديني ديوانين من اشعارها "سأنشر بعضها" فيما بعد. وبعد عودتها من مؤتمر اخر في الاردن دار بيننا الحوار التالي:

س: دكتورة سعاد، اولا انا سعيدة بهذا اللقاء الكريم ويسعدني ان انقل تفاصيله الى اختك العربية في ديار الاغتراب "استراليا" ونحن نقرأ بعض اشعارك القومية في جريدة النهار المهجرية التي اعمل بها... ويسعدني ان نقرأ من انتاجك اكثر واكثر، وان نعرف من هي الدكتورة سعاد، ومتى بدأت بالعطاء الفكري وهي الاستاذة في الاقتصاد؟ ومتى اكتشفت موهبتها الشعرية؟

● ليتك تحدثينا عن سعاد المرأة المتفردة في عصرنا الردئ.. كيف تتعامل مع الكلمة وتمارس عشقها معها.
ج: انا مواطنة كويتية تحاول ان تضع ثقافتها ومعرفتها في خدمة حركة التطور في بلادي. امرأة عربية تريد أن تعيد لعقل الانثى اعتباره، بعد عصور من التعتيم كان فيه العقل محجورا عليه.
ان الكلمة بالنسبة لي هي الرئة التي اتنفس بها وانفس بها عن همومي واحزاني وحرائقي... ولولا الكتابة لاختنقت من زمان. انني الجأ الى الكلمة لكي تمنحني الدفء الانساني. الكتابة هي وسيلتي للاحتجاج والصراخ وادانة هذا العالم الفارق في ساديته، ووحشيته وجرائمه.
وعشقي للكلمة عذاب واقرب صورة لهذا العذاب.. هو عذاب اللؤلؤة عندما تخرج من المحارة.. وعذاب البرعم في لحظة التشقق.. وعذاب الالم في لحظة التكوين.

● مشروع مجلة الرسالة ماذا عنه وهل ننتظر ان تتكرر مثل هذه المحاولة لاحياء التراث؟
ج: سيدتي، منذ الطفولة وانا احلم بالعثور على كنز الملك سليمان، وعلى ذلك الخاتم العجيب الذي اذا فركته فركة، تساقطت عليك اقطار اللؤلؤة والمرجان. ان المارد قد اتاني بالفعل ولكنه بدل ان يسلمني خاتم الملك سليمان سلمني رزمة كبيرة من الاعداد الاصلية لمجلة الرسالة لاعادة طبعها. وانني سعيدة برؤية مجلة الرسالة تطل على الاجيال الجديدة لتوقظ ذاكرتها الثقافية، التي هي في امس الحاجة الى من يحفظ تراثها وجذورها واصالتها وينابيعها الفكرية الاولى. انني سعيدة بهذا التراث الثقافي الذي كرمني الله به واتمنى ان يلهمنا الله جميعا لجمع ما تناثر من تراثنا الفكري والادبي والشعري والفلسفي.

● لماذا نحن النساء نضع انفسنا في بؤرة الاضطهاد من الرجل حين ننجح او نواجه الصعاب في طريق النجاح رغم ان هذا ما يواجهه كثير من الرجال حين يسيرون في نفس الطريق؟
ج: هناك فارق نوعي بين طبيعة الاضطهادين، فاضطهاد الرجل لا يؤثر على وضعه الاجتماعي او العائلي او الاقتصادي او الوظيفي، بينما اضطهاد المرأة يهز علاقاتها في البيت، وفي الحي وفي المكتب وفي الشارع وفي الوظيفة وفي المجتمع وفي مجال العلاقات العامة. المعركة مع الرجل هي معركة رياضية لها قواعدها واصولها ولا تحدث فيها اختراقات او تجاوزات للخط الاحمر. اما المعركة مع المرأة فهي معركة عشوائية بلا قواعد، ولا اصول ولا اداب.. ولا تستهدف الا اسكاتها بالضربة القاضية... او رميها على الارض بالضربة القاضية. ثم هناك فارق بالحساسية.. فجلد الرجل متعود على الضربات واللكمات، وعظامه متعودة على الكسر، بحكم الحروب الكثيرة التي خاضها. أما المرأة فهي لم تشارك في الحرب العالمية الاولى، ولا في الحرب العالمية الثانية، ولا في حرب فيتنام ولا في حرب داحس والغبراء. لذلك فهي تغضب لاي عملية تشويه تستهدف تاريخها او سمعتها او كرامتها او مركزها الاجتماعي.

● دكتورة تتحدثين في كتاباتك وقصائدك عن الغربة والاغتراب، وهناك اتهام لك بأنك أنت التي تصوغين هذا الاحساس ولم تواجهي الاغتراب بفعل فاعل؟
ج: هناك غربتان: غربة الجسد وغربة النفس. فتغير المكان، او تغير العنوان، او تغيّر اللغات والاصدقاء، لا يُسمى في اعتقادي غربة. لان الاغتراب الحقيقي هو في داخلنا.
إن الذين يعتقدون بانهم اذا لبسوا القبعات وارتدوا معاطف المطر، اصبحوا مواطنين فرنسيين او بريطانيين... لا يدركون ان غربتهم هي غربة سياحية ومعاناتهم هي معاناة سطحية.
كم من مواطن موجود في وطنه هو اكثر اغترابا من المهاجرين عنه. وكم من مواطن يعيش في مسقط رأسه وهو بالفعل لا يعيش فيه.
والمواطنون العرب الذين حكمت عليهم الظروف ان يعيشوا في ظل انظمة قمعية لا تعترف للانسان بحرية الحوار، او حرية الصراخ او حرية الغناء او حرية البكاء.. هؤلاء المواطنون يستطيعون ان يصفوا لنا ما هو المنفى الداخلي، وما هي عذاباته.
هذا المنفى الداخلي هو منفاي الحقيقي، وانا لا اخترعه او اصطنعه لان احزان الانسان لا تصنع.. ودموعه لا تخترع.

● دكتورة سعاد الصباح من انت باختصار؟
ج: انا مواطنة كويتية تحاول ان تضع ثقافتها ومعرفتها في خدمة التطور في بلادي كما قلت في مطلع حديثي، احاول ان اكون في خدمة الانسان، وان اضيء شمعة في ليل التائهين، والضائعين في الظلام وان اعيد للمرأة اعتبارها كشريكة اساسية في بناء الوطن. ان الثقافة في نظري يجب ان توضع تحت تصرّف الاخرين وإلا كانت ثقافة نظرية وفردية وانانية.

● كيف توفقين بين اهتماماتك المتعددة من الاقتصاد الى الشعر الى المشاركة في المؤتمرات الى البحث العلمي الى الكتابة الصحفية؟
ج: لا يوجد في نظري حواجز تفصل بين الاختصاص العلمي والهواية. لاشيء يمنع الطبيب من ان يعجب بموسيقى بيتهوفن.. ولا شيء يمنع مدير المصرف من ارتياد معرض تشكيلي.. ولا شيء يمنع المهندس من ان يتذوق الشعر. ان الانسان ليس جزيرة معزولة في عرض البحر، بل هو افق مفتوح على كل السماوات. والكاتب في هذا العصر لم يعد بوسعه ان يتحرك في دائرة ضيقة هي دائرة اختصاصه. فالروائي مثلا عليه ان يتابع اخبار الاكتشافات العلمية، ويعرف ماذا يجري على صعيد السياسة الدولية، وعلى صعيد التحولات السياسية والاقتصادية، ويكون قارئا جيدا للتاريخ ومتتبعا لمسار الايديولوجيات والحضارات. وكذلك الشاعر والموسيقي والرسام. وعالم الاقتصاد بدوره لا يمكنه ان يحبس نفسه في قارورة الاقتصاد، ولا يحس بما يجري حوله على الصعيد الثقافي والحضاري.
وانا اذا كنت متعددة الاهتمامات. فلأنني اريد ان اكون جزءا من ثقافة عصري. فدراستي للاقتصاد لا تعني ابدا انها نهاية طموحاتي.. واشتراكي في المؤتمرات الخاصة بالتنمية والتخطيط والعمالة، او انتمائي للمنظمة العربية لحقوق الانسان، او كتاباتي في الصحافة، كل هذا لا افعله على حساب الشعر. فالشعر عندي هو مولاي الذي اتبعه واطيعه...

● المجتمع الكويتي عمّا يجب ان يبحث؟
ج: على المجتمع الكويتي ان يبحث عن تأكيد هويته العربية وسط خضم حضارة مزيفة، وقيم دخيلة، وعادات اجتماعية واقتصادية ضارة. ان المجتمع يقف صامدا في وجه التيار الاصفر "العمالة الاسيوية" الذي يخشى ان تضيع في موجاته الشخصية الكويتية وتذوب معالمها. ان التفكير بتفجير اللحظة التي هو منها دون أن يكون له اي نظرة مستقبلية يشكل خطرا على هوية الكويت القومية ومستقبله الاقتصادي.
وسبب هذا يعود في نظري الى البصمات السيئة التي طبع النفط بها حياتنا. فالنفط هو لعنتنا قبل ان يكون نعمتنا. النفط افرز سلبيات كثيرة جعلت حياتنا تدور في دائرة الاتكالية والاسراف والبذخ وقتل كل ما في الانسان من نزعة الابتكار والمشاركة الفعلية. وها نحن مشرفون على انتهاء عصر النفط، فلا بد من وقفة صادقة مع النفس لتلافي اخطاء الماضي، واقامة مجتمعنا على اسس علمية، والبداية تكون من بناء الانسان الكويتي.

● دكتورة سعاد، او اميرة سعاد، اشكرك على هذا اللقاء، بل اشكر الصدف التي جمعتني بك في مؤتمر يسعى الى احلال السلام بين العراق وايران في مدينة جنيف مدينة المؤتمرات ومقر هيئة الاممم المتحدة.. واراني احسد نفسي على معرفتك لان شخصيتك النادرة قد خلقت اطارا جديدا لصورة الاميرات العربيات لانك اميرة الاميرات لما تتحلين به من خصال اجتماعية وانسانية... وفي وجدانك حديقة زاخرة، وينابيع متدفقة من الخير والعطاء والثقافة، حفظك الله مثلا حيا لكل امرأة عربية "خدعها بريق اللآلىء والمجوهرات فاكتفت بان تكون – عروس المولد - او دمية للصالونات على حد قولك.

نيسان/ابريل 1981

من المسؤول؟

نجاة فخري مرسي

في العاصفة العنصرية التي أثارتها إحدى النائبات الشقراوات في استراليا ما يغري كل قلم على مناقشة الإدعاءات بأن الهجرة والأبورجنيز السبب في البطالة، وفي تراجع الإقتصاد الاسترالي.
ولو سألنا أي خبير إقتصادي – غير عنصري – عن صحة هذه الإدعاءات لابتسم، وضحك وقال: "هذا كلام غير مدروس، لأن الشعب الأبورجنيز، والهجرة وبدلات البطالة، وحتى الإعانات الإجتماعية، كانت كلها موجودة منذ أن كان الاقتصاد الاسترالي في ذروة ازدهاره، والبطالة بالمفهوم العلمي السليم هي "نتيجة" وليست "سبباً" بمعنى أن البطالة هي ضحية من ضحايا التكنلوجيا والكومبيوتر، والتجارة العالمية الحرّة التي فرضتها أمريكا على دول العالم، ومن بينها أستراليا، فسببت ما سببته للاقتصاد العالمي من تراجع. لماذا؟ لأنها فتحت الأبواب "المقفلة سابقاً" لحماية الانتاج القومي على مصراعيه، وأدخلت رؤوس الأموال الأجنبية – وخاصة الأميركية – لأي بلد من بلاد العالم دون استئذان، إلى أن رأينا المؤسسات الأميركية العملاقة تغزو العالم، وتغزو استراليا، إلى أن انتشرت "الشوبنغ سنترز" من "سايف وايز"، .. و "سفن الفن" و "كنتاكي تشكنز" .. و "بيتزا هات" وغيرها وغيرها تقضي على التجارة الصغيرة بأنواعها، ثمّ تصدّر مكاسبها الى الخارج بعد أن اكتفت بالقليل القليل من العمالة في استراليا.
الأمثلة كثيرة، وسنكتفي منها بالحديث عن مصانع الألبسة في استراليا التي تعبت من غلاء الأيدي العاملة ومن ارتفاع الضرائب في استراليا، ونجد أن التجارة الحرّة قد شجعت صاحب مصنع الألبسة على صرف عماله، والمباشرة في الأعمال الحرّة مثل تصدير الاقمشة الاسترالية، معفية من الضرائب الى البلاد الآسيوية ليصنّعها بمصانع بديلة بأرخص الأسعار، ثم يعود ويستوردها معفية من الضرائب أيضاً ليضرب بها السوق المحلي الاسترالي، والمصانع الاسترالية الباقية على قيد الحياة. وهذا أدّى الى أن معظم السلع الموجودة في الأسواق الاسترالية مصنوعة في مصانع آسيا: الصين .. وهونغ كونغ .. وسنغافورة .. وكوريا .. بأسعار لا تضاهى، لدرجة أصبح معها المستهلك الاسترالي، يتمنى ويشتهي أن يجد سلعة أو ثوب، أو حذاء في الأسواق الاسترالية صناعة استرالية، هذا طبعاً بالإضافة الى ما اختزلته التكنلوجيا من مراكز، وما اختزله الكومبيوتر من وظائف فضخّم مشكلة البطالة.
الحق يقال لو أن بإمكان أستراليا أن تتوقف عن الاشتراك في حروب لا تعنيها لأصبح بإمكانها أن توفر الكثير من الأموال، لأن ما صرفته منذ الحرب العالمية الأولى، وما زالت تصرفه على قدماء المحاربين وعائلاتهم وسلالاتهم أكثر بكثير مما تصرفه على الأبورجنيز، أو على الهجرة والمهاجرين.
وكذلك ما صرفته على المشاركة في حرب فيتنام، وعلى مئات الآلاف من اللاجئين الفيتنام، (التي ألزمتها أمريكا بإيوائهم ورعايتهم بعد أن حولوهم الى لاجئين، يعدّ أكثر بكثير مما تصرفه على إعانة البطالة والإعانات الإجتماعية).
إذن ليست الهجرة الاسيوية ولا غير الاسيوية هي السبب ويكفي أن نذكر ونُذكّر بميزان التبادل التجاري بين استراليا وآسيا.. وأن نذكر السياحة اليابانية والدول الاسيوية الأخرى التي تقدّر بالملايين، ولا ننسى مئات الالاف من الطلبة الاسيويين في الجامعات الاسترالية التي تصل مدفوعاتهم الى الملايين ايضاً.
ولو سلمنا جدلاً أن الثورات العنصرية لها مضارّها، نجد أيضاً أن لها فوائدها لأنها تفتح مجالات النقاش الحضاري وتضع النقاط على الحروف، ويشجع الشعب على التعبير عن متناقضاته، وعن مشاعره المكبوتة إن سلباً أو إيجاباً، وبالتالي يضع الهجرة في ميزان العمالة، ويلقي عليها وعلى فوائدها الأضواء، فنخلص بالقول الى أن استراليا بلد غني وجميل ويعتبر في طليعة المجتمعات ذات التعددية الحضارية، وهو بحاجة الى الهجرة لأن مساحاته كبيرة، وعدد سكانه قليل، وأي مهاجر يأتي الى استراليا طلباً للإستقرار يفيد ويستفيد.
(كتب هذا السؤال في جريدة البيرق 1996)

لقاء أدبي هام مع الأديبة املي نصر الله

نجاة فخري مرسي

أكتب للكبار كما للصغار وأعي هموم الاغتراب عن الوطن...

عُرف قلم الأديبة اللبنانية الكبيرة املي نصر الله بالسلاسة ورقّة المشاعر، وأكبر دليل على ذلك كتابها "طيور أيلول". ومن أشهر ما كتبت كتاب "الاقلاع عكس الزمن" وهو كتاب يصوّر مأساة الهجرة اللبنانية، وحياة المهاجر اللبناني وهو يترك بلده الذي يحبه، وبيئته التي تعرف قدره، ويهاجر مضطراً، بعد أن يعجز وطنه عن توفير الحياة الكريمة له ولأسرته، ليبحث عن الرزق وعن المستقبل الأفضل، وأديبتنا قد اتحفت – الى جانب ذلك – المكتبات العربية بباقة من مؤلفاتها التي تعالج كل ما يحتاج الى علاج من مآسي الوطن ومشاكل الانسان اللبناني في الغربة وفي المجتمع وفي الاغتراب، وتتحدث عن الضغوط الاجتماعية ومشاكل المرأة بأسلوب سلس قلّ وندر، رافقها منذ أن كانت تعمل في الصحافة لمدة خمسة عشر عاماً. وقد بدأت مؤلفاتها تنتشر في الوطن العربي وفي مواطن الاغتراب اللبناني وترجم بعضها الى اللغات الاجنبية.
والاديبة املي نصر الله تعيّش القارئ على كتف الوادي، وقرب الشلال، وفي حقول التين والزيتون، وبين الثلوج في لبنان وكندا.. ووراء الابواب الحديدية في بيروت، وبين دوي القنابل، وفي سيناريوهات ومسرحيات من كل لون وشكل، ولكنها تحتفظ بأن تعرض هذه السيناريوهات من خلال مسارح الانسانية ضمن اهتمامات المواطن اللبناني ووطنه لبنان.
وفي لقائي مع الأديبة في القاهرة سنة 1992 دار بيننا الحديث التالي:
س: سيدة املي، لقد عرفتك من خلال بعض مؤلفاتك القيمة التي تصلنا الى استراليا، وعرفتك الجالية العربية أيضا من خلال الاحتفال بجائزة جبران الادبية العالمية التي منحتها لسيادتك رابطة إحياء التراث العربي لعام 1991، فماذا كان شعور الاديبة املي نصر الله وهي تتسلم الجائزة اللبنانية من إحدى الجاليات اللبنانية في الاغتراب.
ج: يسعدني جدا أن أعرف، بأن الجالية العربية في استراليا لها هذا الاهتمام الادبي الحضاري. إذ اعتدنا فكرة أن المهاجر يشغل الناس بهموم العمل، التجارة، الصناعة وشتى الاعمال التي تخطف المرء من كل شأن ليست له علاقة مباشرة بالتيار الذي، لقوته وإلحاحه، يجرف الجميع.
وقد تأثرت شديد التأثر حين علمت بنبأ منحي جائزة جبران العالمية، وهو من الكتاب الذين أحبهم، وأعود الى قراءته مثلما يعود الظامئ الى الينبوع النقي، أو مثلما يعود المؤمن الى تلمس مكان يقدّسه. وثانياً لأنها الجائزة الأولى التي تأتيني من خارج لبنان، وفي ذلك إشارة الى توسع رقعة انتشار أدبنا في دنيا الاغتراب، ودليل وعي عام بين أهلنا في المغترب لأهمية الوجه الثقافي من تراثهم وحضارتهم.
ولا أفشي سراً إذا قلت بأن الكاتب، بينما ينصرف الى بناء قصته، أو قصيدته، في عزلة تامة، يفرحه أن يتلقه أصداء تعوده من شتى الجهات، حاملة التقدير لعمله، وفرحة المشاركة بولادة جديدة، وقد بلغت تلك العزلة أوجها إبّان الحرب الطويلة في لبنان، وتابعنا الكتابة، والشهادة لما يجري، دون أن يكون لنا أمل كبير بأن الصوت قد يتخطى سقوف الملاجئ التي تأوينا، واليوم بدأنا نحس بأن ذلك الإصرار على المضي في العمل بدأ يؤتي ثماره، ويلفت الانتباه. بل أن جزءاً منه بات أساساً لدراسات أكاديمية تنشر في الوطن العربي وخارجه.
س: وأشير بكثير من الفخر، الى أن، قلم المرأة كان متوهج الحضور واعياً تمام الوعي الدور المنوط به، والمسؤولية الملقاة على عاتقه.
ج: نعم، عشت ولا أزال أعيش هموم الاغتراب عن الوطن، وقد بدأت قصتى مع الهجرة والرحيل قبل أن أخطو أو خطوة خارج حدود القرية. ذلك لأنني فتحت عيني، في مجتمع اعتاد أهله على السفر.. فحين تروي الجدات حكاياتهن في ليالي الشتاء الطويلة، تكون الحكاية مضخمة بشذى العوالم الغامضة، وحين تعد الأم ابنها بوعود المستقبل المشرق، وتبسط بين كفيه علامات الغد، تشير بأصبعها نحو الأفق الغربي، حيث عبرت قبله قوافل الراحلين.
لكني ولأسباب فهتمها فيما بعد، نفرت من هجرة الوطن، وان بقيت تائقة الى نقلة تحملني الى المدينة الواعدة بمستقبل أفضل.
أما تلك الأسباب التي ولدت في نفسي ردود فعل سلبية تجاه المهجر، فهي الرسائل الواردة الى جو هادئ راكد هو جو القرية، فتهز جذوره بقسوة مشوبة بالغموض والرهبة.
كان لأنباء الموت أو المرض في الأماكن البعيدة أثرها العميق المؤلم، نقرأه في عيون الأمهات والآباء، ونسمعه في العويل اليائس العدمي، تنقله الرياح والعواصف، وتخبئه في عباب الأودية، ليرتد إلينا، في الليالي الكئيبة المظلمة، صرخات مرعبة تخترق حواسنا حتى أعماق الكيان.
هذه الصورة القاتمة، راحت تتوسع في ذهني، ولم تترك مكاناً لصور أخرى أكثر بهاء واشراقا، تحملها الرسائل عن نجاح الابناء في أعمالهم، في حياتهم العائلية، وفي انتصاراتهم، ربما، لهذا يغلف قصصي ورواياتي غلاف حزين. ربما لأني لم أعش فترة طويلة في الاغتراب، غلبني الارتداد الى المطارح المهجورة وبقايا احزانها.
وقد عدت الى موضوع الاغتراب في "الاقلاع عكس الزمن" وقد انقضى على معالجته في "طيور ايلول" قرابة العشرين سنة. ولم يعد الجو مسربلا بالشوق والحنين، بقدر ما هو غارق في آلام الحرب، محترق بلظى نيرانها، وبالطبع كنت قد سافرت وتعلمت عن احوال الغيّاب، ما لم يكن متوافرا لي حين كتبت الرواية الاولى. وتعلمت قسوة الزمن حين يجور على الانسان ويقتلعه من جذوره في خريف العمر، وفي حين يعد نفسه للراحة والنعاس الأخير، فوق صدر الأرض التي أرضعته خيراتها. وفي كلا الحالين، كان معيني، تجربة شخصية، تناغمت وتزامنت مع تجارب ألوف المواطنين الذين اضطروا الى النزوح عن أوطانهم، إما هرباً من خطر الموت، أو توقاً الى الانضمام الى أحباء أبعدتهم الحرب، ثم وضعت دون عودتهم شتى العقبات.
س: في كتابك "طيور أيلول" معالجة هادئة وعميقة لحياة المرأة اللبنانية في القرية الجنوبية، فهل انها في نظرك، أقل حظاً من المرأة اللبنانية في الوطن ككل؟ وما سبب تأثرك بها؟
ج: لم أقصد معالجة موضوع يخص امرأة بالذات، لا في الجنوب ولا في الشمال. لكني ولدت في قرية جنوبية (الكفير) ونشأت فيها نشأتي الأولى، وتشربت تراثها وتقاليدها، وعادات أهلها، فكان من الطبيعي، ان أكتب عنها، حين باشرت الكتابة، وفي يقيني، أن صورة هذه المرأة تتكرر في شتى القرى والبلدات الريفية، خصوصا في الفترة الزمنية التي اخترتها.
وان كان هناك من معاناة خاصة للمرأة الجنوبية، فهي في عيشها الدائم على خط النار، وعدم الاستقرار.
ورواية "طيور أيلول" لا تعالج هذه الحالة، بل تصفها في فترة زمنية تسوق فيها حياتها العادية التقليدية. وذلك انسجاماً مع الزمن الذي تدور الاحداث في حدوده.
س: في كتابك الأخير "خبزنا اليومي" صرخة ألم حادة من قلم تعوّد الرقة ورهافة العبارة، فهل كان هذا من فعل روائح البارود، ودوي القنابل، أم مجرّد تصوير لمأساة الانسان اللبناني التي بلغت الذروة، فأفقدته قيمه الاسنانية والحضارية؟
ج: إن تحوّلاً أكيداً حدث في سياق الكتابة الناتجة عن الحرب، نعم، هناك صرخات حادة، صرخات ألم، وغضب واحتجاج، وقد تفجرت في هذه القصص مثلما كانت تتفجر القذائف فوق رؤوسنا، بل تحت جلودنا، لا يستطيع الكاتب أن يستخدم لغة هادئة، وكلمات رقيقة، لوصف أشرس حرب عرفها شعب.
(حاليا نشهد تكرر هذه الشراسة، في حروب وحرائق تشتعل في شتى أرجاء الكون) لكننا، للأسف، كنا التجربة الاولى، وصرنا المثل والقدوة.
لاحظت أنني في قصصي القصيرة عن الحرب، اعتمدت الواقعية، والصراخ المباشر وكأنما الوقت، لايتسع للتغني بفنون الكتابة، وهو يلح على الكلمات لتخرج، وتقف في مواجهة الرصاص والقنابل، بل اني، في احدى القصص، استعرت الرصاصة لأكتب بها القصة. وفيما كنت اكتب تجربة الآخرين، وأحاول رسم قسوتها، كنت اجرب نفسي وقلمي، الى أي حد يمكننا الاستمرار والصمود.
واني بكل تأكيد، لم أكتب سوى جزء صغير من تجربة عشتها، ولاتزال تتمدد في كياني، وخلفيات ضميري، لتصبح هي الكيان، وهي الدافع الذي يحثني على المضي في الكتابة.. بل الشهادة على الحرب، وعلى الانسان.
س: من مؤلفاتك التي ترجمت الى اللغة الالمانية مؤلف "طيور أيلول" ثم "الاقلاع عكس الزمن" فما حكاية هذه الترجمة.. وهل ترجمت لك كتب الى لغات اخرى؟
ج: ترجم "الاقلاع عكس الزمن" الى الانكليزية سنة 1987 في كندا، ثم ترجم "طيور ايلول" بعد سنة في سويسرا والى اللغة الالمانية، وقبل شهور تبعه "الاقلاع عكس الزمن" بالالمانية، وعن نفس الدار. وقريبا ستصدر لي مجموعة قصص مترجمة الى الانكليزية تحت عنوان: "بيت ليس لها".
بالمناسبة، اني مدعوة في اوائل شهر نيسان الى ندوة ادبية في برلين، حول الأدب كوسيلة تحرير للمرأة في العالم العربية، وفي الوقت نفسه، احضر حفلة توقيع الترجمة الالمانية للاقلاع.
ولماذا الترجمة؟.. لا املك جوابا أكيدا، فأنا من جيل كان يقرأ ترجمات الاداب العالمية الى العربية – أي اني أعي اننا كنا نتلقى، ونكتسب. ولم أحلم يوما بأن عملاً كتبته، قد ينقل الى لغات اخرى، لأن خطابي هو لقارئ لغتي.. العربية. بالطبع تفرحني الترجمة، إذا تنقل الى الآخرين مفهوما عن حضارتنا وقيمنا التي شوهتها أخبار الحرب والقتال.
وهنا استدرك فأقول: ربما بسبب ما يجري في لبنان، والعالم العربي من حروب، وتصارع قوى، تنامى هذا الشوق لمعرفة أكثر للإنسان، واسلوب عيشه، ولقائه وافتراقه مع حضارات الآخرين.
واضيف أن ارتفاع جسور اللغات، عبر الترجمة الادبية يقرب بين الناس، على اختلاف حضاراتهم، ويجعلهم يكتشفون، كم يستطيع الانسان أن يكون قريبا بل أخاً للإنسان.
س: هل هنالك مؤلفات جديدة؟
ج: اعتبر أن كل ما نشرته حتى الآن، سابقا لتجربة التي اعيشها منذ أربع سنوات، أي منذ بدأت اقسم وقتي بين لبنان ومصر، واحيانا كندا، اذا نظرت الى هذه الحالة بالمنظار الايجابي، احسبها هبة جديدة تهبني اياها الحياة كي اتعلم، واختبر، ما يعيشه الوف المواطنين، ان كانوا لبنانيين، أو من أوطان عربية اخرى.. بل ما يعيشه انسان هذا العصر، الحامل بيته فوق ظهره، وفي داخله من سَلَم من افراد العائلة.
أما اذا نظرت الى الموضوع بالمنظار السلبي، فاني أرى المساحات القاحلة التي خلفتها بعد عبوري بسبب الصدمة التي يحدثها التحول، وتبدل الاجواء، والبعد عن الجذور، والذي اكتبه ابقيه في المسوّدة الاولى، بانتظار ان انقحه، واعيد كتابته، لدى استقرار الحال، لكني لم أكتب كل ما يخطر في بالي، من اجواء الحرب، اكتب للكبار كما للاولاد، في هذه الآونة، أفكر كثيرا بالكتابة للصغار، وعندي لهم بعض الاعمال الروائية. وانتظر خلال السنة الحالية، أن تصدر لي مجموعة قصص قصيرة، والجزء الثالث من كتاب غير روائي عن "نساء زائرات" وقد صدر منه جزءان قبل بضع سنوات.
س: هل هناك احتمال بأن تزورنا املي نصر الله في استراليا؟ إذ بعد نيلك جائزة جبران العالمية، التي تساعد على ربط الأدب العربي المهاجر، بالأدب العربي المقيم، اعتبرك القارئ العربي في استراليا جزءاً لا يتجزأ من نهضتنا الادبية، فما هو شعورك تجاه ذلك؟
ج: أما بصدد زيارتكم في استراليا، فاني أتمنى أن تتاح لي الفرصة في وقت قريب للقيام بتلك الزيارة للتعرف على اهلنا في هذا المهجر، خصوصا بعد نيلي جائزة جبران، التي كان لمغتربنا هناك، الفضل في انشائها، وتسجيل مبادرة ثقافية رائعة.
وانا مؤمنة بضرورة ربط الادب المقيم بالمهاجر، ليتنسّم الأول نسائم جديدة ترفده بالجدة والحيوية، وليعمّق الثاني جذوره بالتربة الأصلية. لكن سفري وتنقلي، في السنوات الاخيرة، كانا في الغالب مرتبطين بواجبات، وندوات أدبية، أو قراءات من اعمالي العربية او المترجمة. والى ان نلتقي في مناسبات اخرى، اتمنى لنهضتكم الادبية التوفيق والازدهار، وللرابطة الكريمة شكري وتقديري على ما تقدمه من جهد في سبيل تخليد اقلامكم وانتاجكم بمثلما خلد ادبنا المهجري من اميركا قلم جبران ومجموعة من ادباء المهجر الذين نفخر بانتاجهم.

نيسان 1992

ظاهرة صحافة الدولار

نجاة فخري مرسي

لا يستطيع الكاتب بعد كل هذا الفيض الإعلامي، من مقروء ومرئي ومسموع، بعد حادث مقتل الاميرة البريطانية الشابة ديانا سبنسر، وانعاكاساته على الرأي العام البريطاني والعالمي، إلا أن يساهم ولو بقدر من الحديث مع المتحدثين.
وأنا هنا في استراليا كفرد من أفراد المجتمعات العالمية التي شاهدت وسمعت وقرأت ما قيل ومازال يقال في هذا الموضوع، أجد الحديث عن هذا الحادث الانساني المروع ذا شجون، لأن التكهنات كثيرة، وحيثيات الحادث كثيرة أيضاً، وهي الآن في يد القضاء، وأصبحت لا تخصنا، أو بالأحرى ليست من اختصاصنا، والذي يخصنا في الموضوع، وفي مثل هذه الأحوال التي كشفت النقاب عن أمور كثيرة، هي حرية الفرد وخصوصياته في المجتمعات الحديثة، التي بدأ الدولار يحكمها .. ثم في سلوك الصحافة بالنسبة لهذه الأمور، وسأحصر كلامي في الجانب الصحافي، وفي ظاهرة صحافة الدولار في الغرب.
تعريف الصحافة:
تنتهي أكثر دراسات علم الصحافة عند القول إن الصحافة رسالة قبل أن تكون مهنة .. وفي أماكن أخرى مثل كتاب الدكتور خليل صابات: (الصحافة مهنة ورسالة) تجمع بين الاثنين، علماً بأنه لا يوجد تعريف دقيق للصحافة .. فبعض الباحثين يعتبرها حرفة، وبعضهم الاخر يعرّفها بأنها فن.. في حين يؤكد المثاليون أنها رسالة قبل كل شيء.
والصحافة، بعيداً عن هذه الاعتبارات، استعداد طبيعي، ثم هي فن وعلم ورسالة، لعلاقتها الوثيقة بالفكر والعقل وستبقى في مقدمة وسائل التثقيف.
نخلص من هذه الآراء، بأن الصحافة يجب أن تكون رسالة في الدرجة الأولى، ورسالة ذات خلق، بل التزامات خلقية وتثقيفية، لأن تمتعها بصلاحيات وحريات كبيرة في هذا الاطار يضعها في موضع المسؤولية، لكي تحتفظ بمقامها كسلطة رابعة في المجتمعات الانسانية المتحضرة.
ولكن الطامة الكبرى اذا انحرفت عن مسارها الرسولي والحضاري هذا، واخذت تستعمل سلطتها فيما يضر بهذه المجتمعات الانسانية، أو يكشف أسرارها، والقضاء على خصوصياتها من أجل الدولار.
والمصيبة الأكبر إذا تحولت الى تجارة، والى وسيلة لجمع المال بإثارة الغرائز، ومطاردة المشاهير، كما تفعل، اليوم، بعض المجلات في الغرب، بما تنشره من صور الابتذال على صفحاتها الصفراء المتوفرة في الاسواق، وفي متناول الكبير والصغير من أطفال ومراهقين!
وحياة الاميرة البريطانية الشابة ديانا سبنسر مع صحافة الغرب أكبر دليل على هذا الانحراف الخطير، بعد أن جعلوها تعيش شبابها مطاردة من مصوري الصحف والشركات المتخصصة بشراء وبيع اللقطات المثيرة بمئات آلاف الدولارات، على حساب الحريات الفردية.
والأميرة ديانا كان يؤلمها أن ترى خصوصياتها مباحة على الصفحات الأولى من الصحف والمجلات، وأن لا تعطي لها كاميرات الصحف مساحة من الحرية تعيش فيها كباقي خلق الله. كانت ديانا تطالب دائماً بأن تبقى حياتها ملكاً لها، وليست مشاعاً لتجار اللقطات المثيرة: ماذا أكلت.. وكيف سبحت وكيف تنفست؟!.. فأفسدوا حياتها، واستباحوا خصوصياتها، وبالتالي يقال بأنهم كانوا سبباً، أو على الأقل طرفاً في القضاء على حياتها. فهل يرضي هذا يا ترى، صاحبة الجلالة الصحافة؟ أم أن لكل حصان كبوة.
إذا صح القول بأن مصوري الصحف كانوا سبباً أو طرفاً في إنهاء حياة الأميرة ديانا، قد يكون قد أصبح في الغرب، وخاصة في بريطانيا ما يسمّى بصحافة الدولار، وهذا ما يبعث على الأسف.
ولكن، في نفس الوقت، لا يستطيع أحد أن ينكر أن عدسات الصحافة ايضا، وربما الملتزمة منها، وبصورة عامة، كانت السبب في شهرة الأميرة ديانا، وتعريف العالم على شخصيتها القوية التي استفادت من المحن فتحدّت القيود الملكية، وتحولت من أميرة يفترض أن تعيش محنطة وراء اسوار القصور وجدرانها، تتحرك بحساب، وتتحدث بحساب، الى شابة انسانة تستطيع أن تساهم بقدر كبير في الحد من المآسي الانسانية في البلاد الفقيرة، فساعدت المرضى والاطفال والمعوقين، وأظهرت بذلك الملكية على حقيقة وجودها العقيم، واستحوذت على حب الملايين، فتوجت نفسها مليكة للقلوب، كما أرادت، وبالتالي تحدت طليقها، وانتصرت عليه بحياتها ومماتها.. ومرة ثانية وثالثة لعب الاعلام دوراً هاماً في نشر هذا النصر، يوم تشييع جثمانها، وجنازتها التي اعتبرت أكبر جنازة شهدتها بريطانيا، محاطة بدموع وقلوب الملايين من المشيعين. فكبرت علامة الاستفهام، وكثر التساؤل: لماذا تحتاج انجلترا الى أسرة مالكة بعد أن أصبحت موصومة بالسلبية وصرف الاموال، دون فعالية تذكر؟ ولماذا تحتاجها استراليا أيضاً الآن؟!
نعم لقد انتصرت ديانا على الأسرة المالكة مرتين، في حياتها وفي مماتها، وأصبحت بذلك تقتسم الفضل في هذا النصر مع الصحافة التي طالما اشتكت منها. وصدق من قال: (كثيراً ما يأتي الخير من الشر) أو (ربّ ضارّة نافعة)..
ولعل صاحبة الجلالة الصحافة تعود بكامل فروعها الى رسالتها الرسولية والاخلاقية فتخفف من حمى مرتزقة الصور، وتحدّ من أسعارهم ومن أدوارهم.


"نشرت هذه الكلمة في مجلة ليلى عام 1997"