من أحلام اليقظة

نجاة فخري مرسي
من الأرشيف

في أجواء العروض والسيناريوهات الاميركية، وطبول الحرب والضربات الانتقامية، والديتكاتوريات الدولية، وعرض العضلات الاميركية والبريطانية، والمواقف المعادية في مجلس الامن الدولي.
وفي اجواء الحالة العصيبة التي وصل اليها العراق بعد الدمار الحاقد، وحصار الموت والتجويع، ورحلات لجان هيئة الامم المكوكية بحجة التفتيش عن اسلحة الدمار الشامل، التي ما انتهت بعد سبع سنوات، ولا نظنّها ستنتهي قبل أن تكمل اميركا تعديل وتنفيذ خريطة المنطقة الجديدة، بحيث تصبح فيها اسرائيل المهيمنة اقتصاديا والمسيطرة عسكريا.
وفي هذه الاجواء المتفجرة، وتهديدات "كوهين" وزير الحربية الاميركية تملأ وسائل الاعلام ووكالات الانباء، وأزيز حاملة الطائرات البريطانية يصمّ الآذان، وهي تنضمّ الى قاعدة العدوان. وتسبب لكل عربي مخلص حالة عصبية، فيها مزيج من الخوف على الشعب العراقي، ومن الكراهية الحادة لديكتاتوريات العصر الحديث، الى عدم الاحترام للمنظمة الدولية.. في هذه الاجواء الصاخبة الصارخة، وطبول العدوان تدق وتدق، جلست احلم.
وبعد ان فرض مجلس الامن حصارا جديدا على بلد عربي جديد اسمه "السودان" منفذا بذلك أوامر من لهم الأمر.
وبعد أن سمعت ردّ السودان المباشر على هذا القرار بمقاطعة الدولار الاميركي.
جلست احلم: بأن تجمع هذه الاحداث المتلاحقة الخطيرة، شتات الدول العربية، وان توقظها من سباتها وتقهقرها، وان تتحرك ليبيا المستهدَفة لمزيد من الحصارات، وتعلن مقاطعتها للدولار الاميركي ايضا.. وان يحذو العراق حذوهما ايضا، ويطرد الدولار الاميركي من اسواقه ومصارفه بعد ان يطرد الاعضاء الاميركيين من لجنة هيئة الامم للتفتيش.
وجلست احلم: وما أجملها من أحلام. ليتها تتحقق. أن تهبّ الدول العربية كلها لمقاطعة مؤتمر "الدوحة" الاقتصادي وأن تهبّ بصوت واحد لحماية الشعب العراقي من جبروت قنابل الأعداء.. كأن تلوّح، إذا لم تجرؤ على التهديد، بأنها ستنسحب برمتها من عضوية هيئة الأمم اذا تمّ هذا التواطؤ.. وانها ستقفل اسواقها في وجه البضائع الاميركية والبريطانية، اذا نفذت هذه الدول اي ضربة عدائية جديدة للشعب العراقي، لأن الذل والخضوع لايؤديان الا لمزيد من الذل والخضوع. لأن مأساة العراق.. ومأساة جنوب لبنان علمتنا أن عزة الصمود لها اثمان مشرّفة أما الذل والاستسلام والتواطؤ، فأثمانهم الخزي والعار ثم الضياع.
جلست احلم: برد عملي ثالث يأتي على شكل اعلان البلاد العربية عن عدم الاستمرار بمشاركتها في حصار العراق وليبيا والسودان، لانه اذا كان بإمكان اميركا أن توجه ضرباتها للعراق، فلن يكون بإمكانها ضرب المنطقة العربية بأسرها، إذا وجد في هذه المنطقة من يحترم نفسه، أو مستعد للدفاع عن كرامة أمته، او من يرفض الخضوع لمثل هذا الاستعمار الدولي البغيض.. ولهذا العداء السافر من مجلس أمن، وجد أصلا بحجة الحفاظ على الأمن فتحوّل الى مجلس لتجويع الشعوب وحصارها، واذلالها لسنين طويلة. ثم يصدر القرارات غير الملزمة ضد الاجرام الاسرائيلي في حين يصدر القرارات الملزمة والملزمة جدا ضد البلاد العربية والاسلامية.
واخيرا جلست احلم: ان تعيد دول البترول العربية النظر في حساباتها ومواقفها من كل هذا، فتنقذ ما تبقى من اموالها من الابتزاز الذي لا ولن يقف عند حدّ، لان شعب العراق الذي سمحت بسحقه وتجويعه ودوس كرامته اقرب لها واحق بعطفها من عدو أرسى قواعده على ارض الخليج العربي، واخذت طائراته تروح وتغدو في اجوائه وهو ممنوع من حمايتها.. وان تعي جيداً ان صداقة العدو التاريخي الحاقد، كصداقة النعاج للذئاب السريعة.
وحلمت فيما حلمت ان الشعوب العربية قد هبّت من المحيط من الخليج بمظاهرات تنديد بقرارات مجلس الامن المنحازة، ورفض التهديدات العدوانية الصادرة عن وزير خارجية اميركا "كوهين" الصهيوني، هادرة بصوت واحد، لا للسكوت بعد اليوم على حصارات الموت والتجويع، وقتل الاطفال في البلاد العربية.

احدى مناهل البر في لبنان

نجاة فخري مرسي
من الأرشيف

هكذا نشرت مجلة "العرفان" الصادرة في صيدا - لبنان أول مقال لها في العام 1960:
الانسة نجاة فخري مرسي
دبلوم في الصحافة

لم تتضارب الاراء يوما ولا اختلطت المقاييس او اختلف المسمّون يوما على كلمة "انسان" او "انسانية"، اذ انها مقرونة دائما اما بشهامة خيرة واما بعطف كريم واما ببذل او تجرد. وكل هذه اعمال انسانية يصح ان يقال عن صاحبها "رجل انسان" بلا قيد ولا شرط ولم يحدث ان سمي بخيل او اناني "إنسانا".
فالمعنى أن الكلمة واضحة وتعرف مكانها بوضوح الا ان ميادين الانسانية هي التي تختلف وان تشابهت أو كانت من معدن واحد – وهو الخير – لكن الخير ذو اشكال كثيرة.
ومن اغرب اشكاله حين يولد من الشر مثلا، او حين يصدر عن اساليب واعمال غير خيرة. ومن حسن حظه انه لا يتأثر بمصادره ويبقى خيرا.
واما الخير الاصيل ذو الفوائد المزدوجة والاثار البيضاء في المجتمعات السوداء المظلمة، فهو ذلك الخير الذي يصدر عن قلوب كبيرة ونفوس خيرة عامرة بالايمان منذورة لخدمته عاملة على ان تزكي وجوده وتعمل دائبة على انمائه. تتعهده كطفل رضيع ترجو له الكبر والترعرع والسلامة.
وهكذا ينظر المربي الكبير الحاج احمد رياض الجوهري الى ميتمه الذي انشأه في صيدا وافتتحه العام الماضي.
وليس عجيبا أن ينشأ ميتم ولا غريبا ان تبنى مؤسسة وقد بني وسيبنى مياتم ومدارس ومؤسسات خيرية ما دامت الدنيا باقية وحاجة البشرية تقتضي ذلك. ولكن الغرابة هنا في النفسية التي قام على اساسها هذا الميتم والامكانات التي بدأ بها والصبر الذي واكب سني نشأته ونموه.
ومن أجل ان نعطي القارئ الكريم صورة حية عن بدء رحلتها الادبية انتقينا مثلين اثنين من انتاجها الكثير اثناء تلك الفترة نثبت منها مقاطع علها تكون كافية لأن يتعرف القارئ الكريم على بدايات الرحلة الطويلة:
1- "الدرب الطويل" عنوان قصة قصيرة كتبتها عام 1975 وهي اولى محاولاتها لكتابة القصة القصيرة.
2- "احدى مناهل البر في لبنان" مقالة لها نشرت عام 1858 في مجلة العرفان الصادرة في صيدا تتحدث فيها عن احدى النشاطات الاجتماعية المبكرة في صيدا.

"الدرب الطويل"
... وتصورتها تختنق. تختنق بكبريائها لانها استطاعت ان تحول الدمع الى ابتسام. الى ضحك، الى قهقهات ذرية...
ما أعجب الانسان. ما أعجبه وهو يضحك من شدة الفرح ويضحك من شدة الحزن.
يتأوه من شدة السعادة ويتأوه من شدة الالم، أما أنا، أنا التي تستمع الى قصة وفاء وترى دموع وفاء فليت لي من صفاء النفس ما يشجعني على مواساتها لتخفيف حمّى ضحكها. ولكن بدلا من أن أخفف عنها شاركتها الضحك.
ضحكت من هذا القدر،
وضحكت على هذا القدر،
وصدق من قال: "وشر البلية مايُضحك".

مردوخ والاعلام الاسترالي

نجاة فخري مرسي
من الأرشيف

من المعروف ان روبرت مردوخ الرأسمالي الصهيوني يملك العديد من الصحف في اميركا واستراليا وبريطانيا بالاضافة الى محطات التلفزيون في الولايات المختلفة في استراليا.
وقد اشترى مؤخرا شركة انست للطيران الداخلي الاسترالي لعلمه بأن هذه الشركة تملك القناة عشرة في مدينة ملبورن ولعلمه بانه بالاستيلاء على هذه القناة يمكن ربط محطاته الاخرى بها وبث برامجه منها جميعا وفي وقت واحد، ويكون بذلك قد تمكن من توجيه السياسة العامة في استراليا.
ومن المعروف انه من خلال صحافته قد تدخل اكثر من مرة في السياسة الفيدرالية بالتأثير على الناخبين في وقت الانتخابات.
وفي مجال محاولاته للاستيلاء على القناة عشرة في ملبورن، فقد تقدم حزب العمال بشكوى الى المحكمة بان مردوخ مخالف للقانون لامتلاكه مثل هذا العدد من محطات التلفزيون.
ثم اصدرت المحكمة في الاسبوع الماضي حكمها بعدم قانونية شراء محطة قناة عشرة في ملبورن وعلى مردوخ الآن، إما أن يبيع بعض المحطات الاخرى، او يتنازل عن قناة عشرة ويستمر في امتلاك شركة انست للطيران..
ومن المنتظر طبعا، أن يطعن مردوخ بهذا القرار في المحاكم العليا، بسبب عناده وثقته بنفسه وامكانياته المالية.

نشر في الطبعة الاولى
من كتاب رحلة مع القلم

أرض الحريات

نجاة فخري مرسي

كثيرة هي الاقلام التي تكتب في الحملات الانتخابية عن اقتناع وعن غير اقتناع وكثيرة هى الأكف التي تصفق لمجرد التصفيق.
وكثيرة هي الشخصيات التي تأخذ الصور التذكارية مع فرايزر ثم مع بوب هوك دون حرج، ثم تنتخب من تنتخب.
... وأنا لا احب ان اكون واحدة منها.. لمجرد ان مستر بوب هوك قد اصبح رئيسا للوزراء وبإمكانه أن يحيي أو يميت.
جالت في خاطري كل هذه الافكار قبل ان احضر حفل الكوكتيل الذي اقامته بلدية ملبورن على شرف رئيس الوزراء، الاسبوع الماضي، بمناسبة الحملة الانتخابية، ودعتني اليه، من ضمن قائمة العاملين في الاعلام.
وتنازعتني عوامل كثيرة منها: واجبي كصحفية ومحبذة لحزب العمال. ومنها واجبي تجاه قوميتي ومواقف الرجل منها، ومنها ان من سمع تصريحات مستر بوب هوك في الماضي لا يسعده ان يسمع رئيس وزرائه اليوم وهو يصرّح عن شدة حرصه على لبنان.. لان لبنان الذي يدعمه بوب هوك ويدعمه الغرب وتدعمه اسرائيل الذي نحلم به وطنا لجميع اللبنانيين.
واخيرا قررت ان لا اصفق لبوب هوك، وان لا اكتب حرفاً واحداً من غير اقتناع... ولن يؤثر ذلك طبعا على شعبية حزب العمال.. او يقلل من حجم الحملة الانتخابية التي ستصل مصاريفها الى 35 مليون دولار "ادفع انا وكل مواطن استرالي كل 18 شهرا جزءا من تكاليفها دون ان يستشيرنا احد".
ولكنه سيقلل من ايماني بمبادئي وقوميتي وصدق مواقفي.
وسيقدّر رئيس الوزراء صراحتي وحريتي التي انا مديونة بها لديمقراطية الصحافة في لبنان.. والى ارض الحريات استراليا.

نشر في الطبعة الاولى
من كتاب رحلة مع القلم 1990