الخطأ الفادح

نجاة فخري مرسي

من أهم الأخطاء الاجتماعية الفادحة، أن يسيء الانسان استعمال حريته. ومن الأخطاء الأخلاقية التي لا تغتفر هي أن يعضّ الإنسان اليد التي تطعمه.
إذا كانت ظروف بلادنا وظروف حياتنا قد حكمت أن يغيّر بعضنا وطنه، وأن يحضر ليعيش في بلد تختلف قوانينه عن قوانين بلاده بحسنات ورعاية لم يتعود عليها، فمن البديهي أن يتمتع بهذه الحسنات وأن يقدّر هذه الرعاية ويُظهر امتنانه، ويحافظ على نعمته الجديدة.
في الفترة الأخيرة، هبّت عاصفة إعلامية تتحدث عن حوادث النصب التي كلفت الدولة وشركات التأمين ملايين الدولارات.. بعد أن اكتشفت الجهات المختصة أن بعض العاطلين بالوراثة (من فئات اثنية مختلفة من ضمنها فئة عربية) قد استعملت ذكاءها بطرق ملتوية ومخجلة، واستغلت كرم الدولة الاسترالية ومصادر الرعاية الاجتماعية أسوأ استغلال، وأصبحت تحصل على أكثر معونة اجتماعية في آن واحد (هذا بالإضافة الى عمليات النصب على شركات التأمين).
كنا نتمنى أن تقدّر هذه الفئات – التي حُرمت في بلادها من نعمتي الحرية والرعاية الاجتماعية، أن تقدّر ما تقدّمه لها استراليا، وأن تحترم نعمتها وتحافظ عليها. ولكن على العكس قد عبثت بها وأساءت الى سمعتها وسمعة جاليتها، بل وسمعة بلادها أيضاً.. وأخذت أكثر من حقها على حساب غيرها، دون وازع من ضمير ولا رادع من أخلاق.
وأخيراً وقعت الواقعة وتمّ اكتشاف بعض عمليات النصب هذه من قبل الجهات المسؤولة، وسينال النصابين الجزاء.
وأما الجزاء فهو، أولاً السمعة السيئة ثم إعادة دفع المبالغ المنهوبة على مدى أشهر أو سنين بأثر رجعي (أي من أول دفعة حتى تاريخ اكتشافها) أو السجن.
ونأسف شديد الأسف كجالية محترمة كانت لها سمعتها الطيبة منذ تاريخ الهجرة الى استراليا، أن تعرّضها فئة غشيمة الى مثل هذه المواقف المهينة. وألف رحمة على روح الذي قال: "إن أنت أكرمت الكريم ملكته" وعفى الله عمّا فات، على أمل أن تكون حملة التطهير والتشهير هذه من الدروس المفيدة للمستقبل.

أنقذوها يا سادة

نجاة فخري مرسي
أكتب هذه الكلمة، وقلبي يرتعش من الخوف، مع أنني أحمد الله على أن "الشهامة العربية" قد منحتني بعض "الحصانة النسائية" التي لا أحب أن أخسرها بجرة قلم.
لكنني أرى أن من واجبي وواجب كل من يتعامل مع "صاحبة الجلالة" ألا يقف مكتوف الأيدي، أمام ما نقرأه اليوم وكل يوم على صفحات صحفنا العربية من قدح وذمّ وألفاظ نابية، يوجهها القرّاء لبعضهم البعض.
ليس هذا يا سادة ما نريد أن نقرأه في صحفنا وليس هذا ما نريد أن ننشره في المجتمع المهجري كشعب عُرفت صحافته في لبنان، بالصحافة الحرة،.. وليس هذا ما يدل على أننا في بلد ديمقراطي كأستراليا يقدّس حرّية الكلمة وحرّية الفرد، ويتقبل رئيسها النقد الإعلامي بابتسامة وسعة صدر، يدلان على الديمقراطية الصحيحة (التي نرجو أن نتعلمها).
لكنه إن دلّ على شيء فإنما يدل وللأسف الشديد، على أننا نسيء استعمال الحرية والديمقراطية، وعلى أننا لا شعورياً يتأثر سلوكنا بما يجري على أرضنا اليوم، حيث تعاني صحافة بيروت ظروف تسلط على الحريات.
ولكي نخرج من تأثيرات هذه الظروف، ونعود الى طبيعتنا الأصلية.. لابدّ لنا من وضع النقاط على الحروف ومن مناقشة أنفسنا والتوصل الى معرفة ما لنا وما علينا.
وهذا يقتضي تقبّل الصراحة، والاعتراف بالآتي:
أولاً: ان من حق الكاتب، أينما كان، ومهما كان أن ينتقد، بشرط أن يكون النقد بناء ومفيداً.. ومن حقه أن يتطفل على اللغة وأن يُغضب "سيبويه" شرط أن تخضع لغته لأبسط قواعد وأصول اللياقة.. ومن حقه أن يستعمل القلم، شرط أن يحترم القلم الذي يستعمله، والصفحات التي يكتب عليها، في الصحيفة التي فسحت له مجالاتها وصفحاتها. ومن حقه أن ينتقد كاتباً آخر، شرط أن ينحصر نقده بعمل الكاتب الآخر، بعيداً عن شخصه واسمه وطائفته وجنسيته.. ومن حق أي قارئ أن يعبّر عن رأيه وأن يسجّل أفكاره على صفحات الجرائد، ولكن بما يعود بالفائدة على الصحيفة، وعلى المجتمع، وعلى اللغة والأدب، وعلى تنمية المعارف والمشاعر الإنسانيه والقومية، والحفاظ عليها.
والكاتب الأديب.. والأديب المؤدب.. والصحافة المحترمة والقارئ الواعي.. مدعوون جميعاً الى عدم السماح لهؤلاء، بالتردي بلغة الصحافة الى مثل هذه المستويات المرفوضة، لأننا نحتاج لتثقيف أولادنا.. نحتاجها لتنمية مداركنا السياسية والاجتماعية والأدبية.. نحتاجها لمعرفة أخبار بلادنا.. نحتاجها لمتابعة أدبنا ولغتنا، نحتاجها أكثر ما نحتاجها لربطنا بعاداتنا وتقاليدنا والحفاظ على تراثنا.
نريدها صحافة مهجرية على مستوى الصحافة المهجرية التي ساعدت على تنمية مواهب جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وغيرهم من أدباء وشعراء يعتز بهم لبنان.
نرفضها مسرحاً للمزايدات والمهاترات واستعمال لغة الشوارع والمعارك الكلامية للحط من كرامة الكلمة وكرامة اللغة وكرامة القارئ وبالتالي كرامة الانسان.
نطالبها ونطالب الأخوة رؤساء تحريرها بأن يكونوا الحَكَم ويستعملوا حقهم في فرز المواضيع المفيدة ورفض المبتذل الممجوج وأن لا يعتبروا أن مجرّد توقيع الكاتب تحت الكلام المسيء للآخرين وللمصلحة العامة يعفيهم من مسؤولياتهم أمام رسالتهم وأمام مجتمعهم وأمام "صاحبة الجلالة".
وصاحبة الجلالة تغرق وتحتضر، فأنقذوها.

لا لإحضار المسنين

نجاة فخري مرسي

في هذه الزاوية خبر عن مطالبة رئيس وزراء فكتوريا للحكومة الفيدرالية بزيادة الهجرة، بسبب تدني عدد السكان وحاجة الولاية الى بعض الخبراء.
وأن تكون هذه الزيادة على أساس جمع الشمل وتوطين اللاجئين وإحضار ذوي الخبرات المطلوبة. ونحن إذ ندعو الله أن تستجيب الحكومة الفيدرالية لمطلب رئيس وزراء الولاية الخضراء، نغتنم هذه الفرصة لنبحث معاً مشكلة تهمنا جميعاً، قد يعود بحثها بالفائدة علينا جميعاً.
محبة الوالدين طبيعة إنسانية، ورغبة المهاجر في إحضار والديه للعيش معه أمر طبيعي.
ولكن ما يجب بحثه الآن هو الطريقة، لأننا إن اختلفنا على الشكل لا يمكن أن نختلف على هذا المبدأ.
لنبدأ إذن من حيث يشعر المهاجر بعاطفة ضرورة إحضار والديه الى استراليا حيث يذهب ليقدّم طلب هجرة لوالديه. وحيث توافق له الحكومة على الطلب دون تحمّل مسؤولية إعالتهم وعليه إذا كان جادّاً في مطلبه أن يوقع أمام الحكومة على كفالة تامة وتعهد تام. وبوازع من مشاعر الابن البار الذي يريد أن يضحي بالغالي والرخيص في سبيل إحضار أمه وأبيه. يوقع على الكفالة ويستلم الموافقه ويحضر الوالدين وتفرح الأسرة ويجتمع شملها.
ولكن ما نراه كل يوم في جاليتنا والجاليات الأخرى من ردود فعل لهذه المغامرة مثل عزلة الأهل وشعورهم بالوحدة بسبب غياب الأبناء طول النهار للعمل وجهلهم للغة وعدم وجود الأصدقاء. ومع الوقت يبدأ الأهل بالتذمر والشعور بالضياع وتبدأ تعاستهم تنعكس على جميع أفراد الأسرة فتسبب المشاكل.
وللخروج من هذه التجربة ومن هذا المأزق يبدأ البحث عن حلول. وهنا تفرض بعض الحلول نفسها، بسبب عدم وجود البديل، وبسبب استحالة العودة في بعض الحالات.. ومن الحلول المكررة إيجاد مسكن منفرد للأهل.
فيكون معنى ذلك أن الابن فتح على نفسه أبواب ميزانية صرف جديدة قد ترهق ميزانية أسرته من جهة وتشعر الآباء بأنهم غير مرغوب بوجودهم من جهة أخرى فتتشعب المشكلة وتكبر. ويبدأ الابن بالبحث عن وسيلة لاقناع الحكومة بإعالة والديه. ويبدأ الوالدين بالشعور بأن ابنهم قد جنى عليهم بإحضاره لهم وتخليه عنهم وما إلى ذلك.
فعلى هذا الأساس نرى، وبالخطوط العريضة، أنه من الافضل ألف مرة أن نبني موضوع حبنا لآبائنا على أسس عاطفية وعقلانية.
ومن أراد منا أن يبرّ بوالديه، أن يدعوهما الى زيارته ويترك لهما الخيار في قبول أو رفض الحضور للعيش في استراليا.
وإن أعجبتهم وتقبلوها فأهلاً ومرحباً، اللهم على أسس مادية مدروسة لها فيها ما يجلب الضرر للطرفين.
وإن رفضوها ونفروا منها، فليس أبسط من أن يعودوا الى أرضهم وديارهم وأصدقائهم وبيئتهم الطبيعية مع تخصيص مساعدة مالية اختيارية من الابن تساعدهم على العيش المريح في شيخوختهم، وتشعر الابن في نفس الوقت بأنه قادر على مساعدة أهله وكسب رضاهم ودعاهم.
أما بالنسبة للأهل الميسورين فبإمكانهم إن رفضوا العيش في استراليا أن يحضروا الى زيارة أولادهم بين الحين والحين، أو يذهب الأولاد الى زيارتهم كلما استطاعوا الى ذلك سبيلا.
وأنا لا أتكلم عن المادة لأنها تستطيع أن تحل محل الواطف الأبوية والبنوية وإنما لأنها تسبب المشاكل وكثيراً ما تطغي على نبل العلاقات بين الأباء والأبناء، لأن ما لمسناه، بالتجربة قد أساء لهذه العلاقات في بعض الحالات وقد سبب التعاسة للآباء والشعور بالغربة والضياع، كما قلنا، وطبعاً هذا ما لم يقصده الأبناء عندما أقدموا على مشروع إحضار ذويهم الى استراليا. ولتجنب الوقوع في هذا الخطأ الفادح، لا بد من أخذ العبرة من أخطاء الغير وتجارب الآخرين والله المعين.

في الذكرى السنوية للصديق الراحل حسّان السعّافين ابو نهاد

نجاة فخري مرسي
كلمة من القلب

انتقل الى رحمته تعالى في الخامس من ايلول 2007 صديق عزيز وأخ كان صديقاً للأدب العربي وللكتاب والقلم والكلمة، بعد معاناة بعثت على الأسف والأسى.

أيها الأخ الصديق حسّان السعّافين، بعد أن انفصلت روحك الودودة عن جسدك المتألم، رأينا أنا وزوجتى أن نرسل لك هذه الكلمة الصادرة من القلب، إعترافاً منا وتقديراً لصداقتك الدائمة والمستمرة لإنتاجنا الفكري وحضورك لندواتنا الأدبية، وحفلات توقيع كتبنا، وتقديمها للحضور باسلوبك الأدبي الراقي النظيف، وقد خسرناك وكانت الخسارة كبيرة.

أرقد الى جوار ربك يا أبا نهاد هانئاً مطمئناً، واعلم أننا سنذكرك كلما استمرت الحياة، ونصلي أن يكون مقامك في الجنة. لك الرحمة ولأسرتك وآلك ولأصدقائك ولنا من بعدك جميل العزاء. سنفتقدك في المناسبات الأدبية في ملبورن، وأنت المربّي، وأنت الضليع في لغتك العربية والتي كان يفوح من كل كلمة تكتبها، وفي كل مناسبة تحضرها عبير الصدق والإلتزام والمواطنية.

لنا ولأسرتك وأصدقائك العزاء.
ولا حول ولا قوة إلا بالله.

الآسفان: دكتور أنيس وزوجته
نجاة فخري مرسي