نجاة فخري مرسي
* تناقل الباحثون أخبار اكتشاف الكثير من الصور المحفورة على الصخور لآلهات في القارة الأوروبية، والشرق الأدنى – تشير إلى أن المجتمعات الأولى كانت أمومية ترتكز أساساً على قيادة الأم.
- أما كيف انتقلت السيادة إلى الأب، وما تبعها من مفاهيم عن الأسرة الأبوية، والسلطة البطريركية، قد تكون نتيجة اكتشاف الرجل لقوّته البدنية في الحياة الزراعية والصيد والقتال، والحرب وغيرها من طُرق أنشطة الإنسانالبدائي (1).
دور المرأة الغربية
أما دور المرأة الغربية، فقد اقتصر بعد ذلك على تعلّم المهارات المنزلية بعيداً عن مواقع السلطة والتملّك والإدارة.
القانون الروماني
وجاء القانون الروماني، الذي تأثرت به القوانين الأوروبية والأمريكية وكذلك بعض البلاد الشرقية، لحقبة طويلة من الزمن (وما زالت رواسبه مترسّخة حتى اليوم في مختلف الممجتمعات الغربية) من حيث اعتبار الأنثى مخلوقاً ثانوياً بل وملكاً للرجل، ليس لها الحق في تملّك الأرض والمال والأولاد، ولا حق التصرّف بجسدها:
فالإنجاب، وإرضاء رغبات الزوج أمر إلزامي عليها. والكبت الجنسي مُتفق عليه إجتماعياً. وعلى الأنثى أن تتحلّى بصفات الخجل والعفة والطهارة، التي لا يُشترط بالرجل أن يتحلّى بها.
الحكم الإقطاعي
ساعد الحكم الإقطاعي في القرون الوسطى أيضاً على دعم رئاسة الرجل وتبعية المرأة، حيث كانت ملكية الأراضي خاضعة لالتزامات عسكرية، مع وجود بعض الاستثناءات، حيث بدأت المرأة الأوروبية بممارسة المهن الحرفيّة في ذلك الحين – وحيث برزت في بعض مواقع السلطة الدينية، مثل الراهبات، ورئيسات الأديرة، كما وظهرت بعض المفكِّرات والمثقّفات في روما القديمة، والصين، وخاصة في أوروبا، بعد ثورة النهضة الفرنسية.
أدّت الثورة الصناعية إلى إحداث تغييرات اقتصادية واجتماعية في تركيبة، وثقافة المجتمع الأوروبي ككل، مما ولّد أجواءً ملائمة لظهور حركات نسائية ... وحركات اصلاحية أخرى.
في القرن السادس عشر بدأت المرأة الفرنسية تتحرك أدبياً وثقافياً، وانتشرت الصالونات النسائية الأدبية في المجتمعات الأرستقراطية.
وفي القرن الثامن عشر، بدأت المرأة الفرنسية في الحزب الجمهوري، المطالبة بتطبيق أهداف الحرية والمساواة. وبعدم اعتماد دستور نابليون المرتكز على أساس القانون الروماني، الذي قضى على جميع الآمال النسائية في القارة بعد صدوره.
الثورة الصناعية
ولعبت الثورة الصناعية دوراً هاماً في تغيير أنماط حياة المرأة، مما سهّل على النساء العمل في المصانع لقاء أجر مادي كخطوة أولى نحو الإستقلالية، غير أن أجر المرأة ظلّ أقلّ من أجر الرجل، وشروط العمل كانت قاسية. ومن جهة ثانية تجدّدت خيارات ثقافية للمرأة تحصرها ضمن إطار الإلتزام والإنجاب والتربية، والطاعة المطلقة للزوج، مما أوجد مناخات جدلية متناقضة. فبدأت تظهر أوائل الحركات النسائية في أوروبا في أواخر ذلك القرن.
كانت الحركات النسائية تعوزها القوة والشجاعة في القول والفعل. واعترضت الكنيسة الكاثوليكية، مسار هذا النشاط النسائي، بل عارضته بشدة، معتبرة أن الحركات النسائية تتسبّب بشكل قاطع في تدمير العائلة البطريركية.
كانت الريادة في نجاح الجمعيات التي تعني بقضايا المرأة في تحقيق مآربها، لبريطانيا، والولايات المتحدة الأمريكية.
وفي عام 1848 ، إجتمع ما يقارب (300) شخصاً في أول اجتماع لمعالجة حقوق النساء في "سينكافولز" في مدينة نيويورك، بقيادة السيدتين: أليزابيث كادي ستانتون – ولوكريتاموت كوفين، اللتين طالبتا بالمساواة مع الرجل، سيّما في حق الإنتخاب. كذلك وضع جون ستيوارت ميل المفكر والفيلسفوف البريطاني، كتابه عام 1869 المسمّى "خضوع النساء" الذي أعطى مبررات لظهور الحركات النسائية المُطالبة بحق مساواة المرأة مع الرجل في فرص العمل، وحق الإنتخاب، والتملّك، وتنوّعت الإهتمامات، وتوجّهت الأنظار نحو مسائل الطلاق، والوصاية على الأولاد.
ولم يتم تشريع حق الإنتخاب للمرأة إلاّ بعد الحرب العالمية الأولى.
التمييز المهني
كذلك في تلك الفترة لم تكن المرأة الروسية أفضل حالاً، ولم تتلق العاملات في روسية – الاتحاد السوفياتي سابقاً في بادئ الأمر أجوراً منصفة، وقلما وُجدت في المراكز والدوائر الحكومية والرسمية، بل اقتصر دور النساء على التدبيير المنزلي، وإنجاب الأولاد ورعايتهم.
ثم ما لبثت الحكومات الشيوعية أن أقلعت عن تشجيع نمط العائلة البطريركية، ودعمت المساواة بين الجنسين، بما فيها حق استعمال وسائل منع
الحمل، خصوصاً بعد الحروب والثورات الحاصلة في روسيا عام 1917 والصين عام 1949، كما حافظت الصين على مبادئها الثورية المناصرة للمرأة، غير أن التمييز المهني ضدّها، لم ينته كلية.
أما في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، فقد تزايد عدد العاملات بشكل كبير بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية من دون التخلّص من ظاهرة التمييز في الأجور، وانحصر عمل المرأة في المهن الوظيفية فقط.
وفي عام 1923 قدِّمَت مُذكرة للكونغرس الأمريكي تطالب بتقويم المساواة في الحقوق ونالت الدعم الشديد.
وفي عام 1960 تكوّنت بعثة رئيسية للأخذ بعين الإعتبار الفرص المتساوية بين الرجال والنساء.
حدّد الكونغرس أهدافها في المساواة من جهة التعليم والعمل، والحقوق القانونية، إلى أن أصدرت المحكمة العليا عام 1972 بنداً بقانون الإجهاض.
وتأسست المنظمة الدولية عام 1966، فدعمت الجماعات المنظّمة في الغرب للمطالبة بحقوق النساء مطالب عدّة مثل دعم مركز رعاية الأطفال، وتشريع الإجهاض، والبحث في مشكلات الإعتداء الجنسي، وضرب الأنثى، والتمييز بين الجنسين (1). والأخذ أيضاً بعين الإعتبار الحاجات النفسية والمادية، بعد أن تراجع الرجل عن إعالتها، وفرض عليها في أكثر الحالات، أن تعمل لتعول نفسها، حتى وان كانت أماً ومسؤولة عن الأسرة.
استخدمت المرأة الإضرابات والتظاهرات ... ولجأت إلى الكلمة كالخطب في المجتمعات، والصحافة. ثم فكّرت أن تشارك في التشريع لتمنع الظلم من مصدره. فبدأت تطالب بالحق السياسي، وحق التمثيل في البرلمان، وحق التعلّم بالطرق التي يتعلم بها الرجل، وأصبحت تؤدي العمل ذاته، وطالبت أن تدخل وظائف الدولة كالرجل، ما دام قد أُعدّا بطريقة واحدة ونالا دراسة واحدة.
تلك كانت قصة كفاح المرأة لنيل حقوقها في الغرب. ومع ذلك، فإن انجلترا أم الديموقراطية، ما زالت تُمنح المرأة فيها أجراً أقلّ من أجر الرجل في وظائف الدولة، رغم وجود نائبات في مجلس العموم. وربما وزيرات فاعلات في مجلس الوزراء. (2)
**
(1) - راجع الرومان وشرعتهم وأنظمتهم
(2) - جريدة المستقبل في بيروت في 18/5/2000 ومراجع أخرى
* تناقل الباحثون أخبار اكتشاف الكثير من الصور المحفورة على الصخور لآلهات في القارة الأوروبية، والشرق الأدنى – تشير إلى أن المجتمعات الأولى كانت أمومية ترتكز أساساً على قيادة الأم.
- أما كيف انتقلت السيادة إلى الأب، وما تبعها من مفاهيم عن الأسرة الأبوية، والسلطة البطريركية، قد تكون نتيجة اكتشاف الرجل لقوّته البدنية في الحياة الزراعية والصيد والقتال، والحرب وغيرها من طُرق أنشطة الإنسانالبدائي (1).
دور المرأة الغربية
أما دور المرأة الغربية، فقد اقتصر بعد ذلك على تعلّم المهارات المنزلية بعيداً عن مواقع السلطة والتملّك والإدارة.
القانون الروماني
وجاء القانون الروماني، الذي تأثرت به القوانين الأوروبية والأمريكية وكذلك بعض البلاد الشرقية، لحقبة طويلة من الزمن (وما زالت رواسبه مترسّخة حتى اليوم في مختلف الممجتمعات الغربية) من حيث اعتبار الأنثى مخلوقاً ثانوياً بل وملكاً للرجل، ليس لها الحق في تملّك الأرض والمال والأولاد، ولا حق التصرّف بجسدها:
فالإنجاب، وإرضاء رغبات الزوج أمر إلزامي عليها. والكبت الجنسي مُتفق عليه إجتماعياً. وعلى الأنثى أن تتحلّى بصفات الخجل والعفة والطهارة، التي لا يُشترط بالرجل أن يتحلّى بها.
الحكم الإقطاعي
ساعد الحكم الإقطاعي في القرون الوسطى أيضاً على دعم رئاسة الرجل وتبعية المرأة، حيث كانت ملكية الأراضي خاضعة لالتزامات عسكرية، مع وجود بعض الاستثناءات، حيث بدأت المرأة الأوروبية بممارسة المهن الحرفيّة في ذلك الحين – وحيث برزت في بعض مواقع السلطة الدينية، مثل الراهبات، ورئيسات الأديرة، كما وظهرت بعض المفكِّرات والمثقّفات في روما القديمة، والصين، وخاصة في أوروبا، بعد ثورة النهضة الفرنسية.
أدّت الثورة الصناعية إلى إحداث تغييرات اقتصادية واجتماعية في تركيبة، وثقافة المجتمع الأوروبي ككل، مما ولّد أجواءً ملائمة لظهور حركات نسائية ... وحركات اصلاحية أخرى.
في القرن السادس عشر بدأت المرأة الفرنسية تتحرك أدبياً وثقافياً، وانتشرت الصالونات النسائية الأدبية في المجتمعات الأرستقراطية.
وفي القرن الثامن عشر، بدأت المرأة الفرنسية في الحزب الجمهوري، المطالبة بتطبيق أهداف الحرية والمساواة. وبعدم اعتماد دستور نابليون المرتكز على أساس القانون الروماني، الذي قضى على جميع الآمال النسائية في القارة بعد صدوره.
الثورة الصناعية
ولعبت الثورة الصناعية دوراً هاماً في تغيير أنماط حياة المرأة، مما سهّل على النساء العمل في المصانع لقاء أجر مادي كخطوة أولى نحو الإستقلالية، غير أن أجر المرأة ظلّ أقلّ من أجر الرجل، وشروط العمل كانت قاسية. ومن جهة ثانية تجدّدت خيارات ثقافية للمرأة تحصرها ضمن إطار الإلتزام والإنجاب والتربية، والطاعة المطلقة للزوج، مما أوجد مناخات جدلية متناقضة. فبدأت تظهر أوائل الحركات النسائية في أوروبا في أواخر ذلك القرن.
كانت الحركات النسائية تعوزها القوة والشجاعة في القول والفعل. واعترضت الكنيسة الكاثوليكية، مسار هذا النشاط النسائي، بل عارضته بشدة، معتبرة أن الحركات النسائية تتسبّب بشكل قاطع في تدمير العائلة البطريركية.
كانت الريادة في نجاح الجمعيات التي تعني بقضايا المرأة في تحقيق مآربها، لبريطانيا، والولايات المتحدة الأمريكية.
وفي عام 1848 ، إجتمع ما يقارب (300) شخصاً في أول اجتماع لمعالجة حقوق النساء في "سينكافولز" في مدينة نيويورك، بقيادة السيدتين: أليزابيث كادي ستانتون – ولوكريتاموت كوفين، اللتين طالبتا بالمساواة مع الرجل، سيّما في حق الإنتخاب. كذلك وضع جون ستيوارت ميل المفكر والفيلسفوف البريطاني، كتابه عام 1869 المسمّى "خضوع النساء" الذي أعطى مبررات لظهور الحركات النسائية المُطالبة بحق مساواة المرأة مع الرجل في فرص العمل، وحق الإنتخاب، والتملّك، وتنوّعت الإهتمامات، وتوجّهت الأنظار نحو مسائل الطلاق، والوصاية على الأولاد.
ولم يتم تشريع حق الإنتخاب للمرأة إلاّ بعد الحرب العالمية الأولى.
التمييز المهني
كذلك في تلك الفترة لم تكن المرأة الروسية أفضل حالاً، ولم تتلق العاملات في روسية – الاتحاد السوفياتي سابقاً في بادئ الأمر أجوراً منصفة، وقلما وُجدت في المراكز والدوائر الحكومية والرسمية، بل اقتصر دور النساء على التدبيير المنزلي، وإنجاب الأولاد ورعايتهم.
ثم ما لبثت الحكومات الشيوعية أن أقلعت عن تشجيع نمط العائلة البطريركية، ودعمت المساواة بين الجنسين، بما فيها حق استعمال وسائل منع
الحمل، خصوصاً بعد الحروب والثورات الحاصلة في روسيا عام 1917 والصين عام 1949، كما حافظت الصين على مبادئها الثورية المناصرة للمرأة، غير أن التمييز المهني ضدّها، لم ينته كلية.
أما في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، فقد تزايد عدد العاملات بشكل كبير بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية من دون التخلّص من ظاهرة التمييز في الأجور، وانحصر عمل المرأة في المهن الوظيفية فقط.
وفي عام 1923 قدِّمَت مُذكرة للكونغرس الأمريكي تطالب بتقويم المساواة في الحقوق ونالت الدعم الشديد.
وفي عام 1960 تكوّنت بعثة رئيسية للأخذ بعين الإعتبار الفرص المتساوية بين الرجال والنساء.
حدّد الكونغرس أهدافها في المساواة من جهة التعليم والعمل، والحقوق القانونية، إلى أن أصدرت المحكمة العليا عام 1972 بنداً بقانون الإجهاض.
وتأسست المنظمة الدولية عام 1966، فدعمت الجماعات المنظّمة في الغرب للمطالبة بحقوق النساء مطالب عدّة مثل دعم مركز رعاية الأطفال، وتشريع الإجهاض، والبحث في مشكلات الإعتداء الجنسي، وضرب الأنثى، والتمييز بين الجنسين (1). والأخذ أيضاً بعين الإعتبار الحاجات النفسية والمادية، بعد أن تراجع الرجل عن إعالتها، وفرض عليها في أكثر الحالات، أن تعمل لتعول نفسها، حتى وان كانت أماً ومسؤولة عن الأسرة.
استخدمت المرأة الإضرابات والتظاهرات ... ولجأت إلى الكلمة كالخطب في المجتمعات، والصحافة. ثم فكّرت أن تشارك في التشريع لتمنع الظلم من مصدره. فبدأت تطالب بالحق السياسي، وحق التمثيل في البرلمان، وحق التعلّم بالطرق التي يتعلم بها الرجل، وأصبحت تؤدي العمل ذاته، وطالبت أن تدخل وظائف الدولة كالرجل، ما دام قد أُعدّا بطريقة واحدة ونالا دراسة واحدة.
تلك كانت قصة كفاح المرأة لنيل حقوقها في الغرب. ومع ذلك، فإن انجلترا أم الديموقراطية، ما زالت تُمنح المرأة فيها أجراً أقلّ من أجر الرجل في وظائف الدولة، رغم وجود نائبات في مجلس العموم. وربما وزيرات فاعلات في مجلس الوزراء. (2)
**
(1) - راجع الرومان وشرعتهم وأنظمتهم
(2) - جريدة المستقبل في بيروت في 18/5/2000 ومراجع أخرى