نجاة فخري مرسي
إعتادت المجتمعات البشرية، على مرّ العصور، كما هو معروف، أن تحرم الانثى من أضعف الحقوق لا لذنب اقترفته، وإنما لأنها ضعيفة رقيقة، والقوي يقرّر مصير الضعيف.
كذلك تمادت بعض هذه المجتمعات، وخاصة في الشرق، في إذلال هذه المخلوقة، فكان بعضها يوقدها عند ولادتها، وبعضها يدفنها حيّة مع زوجها الميت، وبعضها يختنها وبعضها يختمها بالشمع الأحمر، وبعضها يحرمها من العلم والعمل والحرية والمخصّصات الاقتصادية.
ولم يكن في ذلك الأب أفضل من الزوج أو الأخ من الإبن.
الأب – لا يريد لها العلم والمعرفة، بل يريدها سلعة جميلة يبيعها لمن يناسبه دون أن يأخذ رأيها.
الزوج – لا يريدها محامية ولا دكتورة ولا مرشدة اجتماعية. بل يريدها طباخة ماهرة ومسؤولة عن وظيفة مركبة تتكوّن من عشرات الوظائف، دون إجازات أو أجر، سوى ما تجود به نفسه، مع إشعارها بأنه هو السيد الآمر وهي المسود المطيع .. ما دام يصرف عليها.
الدين والتقاليد الاجتماعية، وضعتها في إطار معيّن لا مفر لها منه ولا خيار لها في تعديله أو في اختيار البديل.
والمجتمع وقف منها موقف المتحيّز الذي يحرّم عليها ما يبيحه لغيرها من الجنس الآخر.
ماذا فعلت الدول الديمقراطية؟
ويأتي دور الدول الديمقراطية في القرن العشرين، الذي وصل فيه الإنسان الى القمر، وحرّرت فيه أكثر أنواع العبيد، ووضعت فيه مبادئ حقوق الانسان والرفق بالحيوان وكونت فيه النقابات العمالية التي تملي إرادتها على الدولة وأعطيت فيه المرأة قسطاً لا بأس به من تكافؤ الفرص العلمية والعملية، والذي والذي الخ.
ومع ذلك نجد أن هذه الدول الديمقراطية لا زالت تتباطأ في إعطاء ربة البيت حقها. ونجد أن أكثر المصانع والمؤسسات لا زالت تعطي الأنثى أجراً أقل، على مسمع ومرأى من الحكومات والقوانين المدنية.. ونجد أن الحكومة نفسها تتحيّز ضدّها في بعض بنود قانون الضمان الاجتماعي مثل تعويض البطالة، وتقاعد السن والخ.
ولحدّ الآن نجد أن وظيفة ربة البيت، المكونة من عشرات الوظائف لا زالت وظيفة مجانية، تساوي في نظر الدولة الوظيفة الواحدة التي يأخذ صاحبها الأجر الكامل والأجر الإضافي لساعات العمل بعد الوقت، ويأخذ الاجازات الاسبوعية والسنوية والمرضية كلها مدفوعة الأجر، حتى وهو يرتاح، بقوة القانون.
لماذا؟ لأن الحق يؤخذ ولا يعطى. ولأن نقابات ربات البيوت لا زالت غير موجودة وإذا وجدت فهي عاجزة عن المطالبة بهذا الحق، كما تفعل باقي النقابات العمالية وغيرها.
السويد تأخذ المبادرة
واهتمت حكومة السويد مؤخراً بموضوع ربّات البيوت، بعد أن ثبت لها بأن خروج ربات البيوت الى العمل قد تسبب في ضياع النشأ، وانحرافه وتعريضه لتعاطي المخدرات، فانعكست نتائجه على سلامة المجتمع.
وتكونت لجنة لدراسة الموضوع، وتخصيص أجر لربّات البيوت. وبعد دراسة طويلة وعريضة.. رفعت اللجنة المختصة تقريراً مطولاً الى الحكومة تقول فيه: "بما أن وظيفة ربة البيت وظيفة مكوّنة من عدّة وظائف، كل واحدة منها، وظيفة كاملة، وظيفة الأم، والزوجة، وربة البيت، والمربية، والطباخة، والجناينية، والكوي والتنظيف والتسويق وأحياناً الخياطة،
وبما أن لكل وظيفة من هذه الوظائف بحدّ ذاتها، إجازاتها الأسبوعية والسنوية والصحية، إلى جانب العديد من الساعات الاضافية ذات الأجر المزدوج.
وبما أننا ضمن هذه الدراسة وجب علينا تقدير أتعابها على أسس قانون الأجور المحلية والدولية. لذا وجدنا بأنه لا يمكن لدولة، مهما كبرت ميزانيتها، أن تعطي ربات البيوت حقوقهن الكاملة.
ولذلك توصي اللجنة بإعطاء ربة البيت، أجراً رمزياً، يساعد على سدّ احتياجاتها الشخصية ويساعد على إشعارها بالاستقلالية والاكتفاء، وربما يساعد على عودتها الى بيتها وأولادها. فنكون بذلك قد أعطينا ربّة البيت بعض حقّها من جهة. وأعدنا الى المجتمع صحته من جهة أخرى، ومن ثمّ استعملنا الوظيفة التي كانت تشغلها في حلّ جزء من مشكلة البطالة.
وفي استراليا، يخشى أن يؤدي تجاهل الحكومة الاسترالية لحقوق ربّة البيت، أن يؤدي آجلاً أم عاجلاً إلى إضرابات من نوع جديد