نجاة فخري مرسي
قال لي مصدر موثوق، بعد حديث طويل عمّا وصلت اليه التجارة العربية في ملبورن بأنها قد انتشرت انتشاراً ملفتاً، وخاصة تجارة المطاعم والكافيتاريات والمقاهي التي أصبحت تمثل حوال 80% من مجموعها في قلب مدينة ملبورن وخاصة في شارع سوانستون الرئيسي.. هذا بالاضافة الى نسبة كبيرة من (الملك بارات) و "7 Eleven" والأفران والمصانع وجميع أنواع المتاجر الصغيرة، في ضواحي ملبورن.
وهنا يطيب لي أن أقف عند كلمة "المتاجر الصغيرة" متسائلة: لماذا تبقى تجارتنا صغيرة؟ ولماذا لا يسعى العربي لأن تكون تجارته كبيرة؟ خاصة ونحن نعيش في بلد بدأت تجتاحها الشركات الكبيرة ورؤوس الأموال الأميركية والصهيونية؟
والرد الطبيعي هو أننا نفهم بالتجارة ونعمل بجهد منقطع النظير، ولكننا نؤمن بالفردية ونكره الشركة.. ولا نثق ببعضنا البعض.. لذلك لا نستطيع أن نكبر ونتوسع. ومن النادر أن نجد بيننا مصدّراً أو مستورداً لأن تجارة التصدير والاستيراد تحتاج الى شريك في الخارج ليوفر البضاعة ويشحنها زائد أنها تحتاج الى دعم في السوق وتشجيع من أبناء الجالية.. فيصطدم المستورد بالحقيقة المرّة التي كثيراً ما تسبب فشله وضياع رأس ماله.. وهي أن كل واحد منا يغني على ليلاه.. وإن اعتمد المستورد على الغير، فالغير محتكر وربّما يتجنّب التعامل معنا لأسباب كلنا نعرفها.
وللتجارة تقييم مادي وأدبي وتقييمنا للمتاجر الصغيرة مادياً هو أنها على اختلاف أنواعها قد تؤمن عيش الفرد مع أسرته وربّما تمكنه من توفير بعض المال بعرق الجبين، ولكنها محلات مملوكة لأفراد مستقبلها محدود، ومن المستحيل أن تتحول الى رأس مال مرموق يمكن أن يُعمل له أي حساب في سوق التجارة الاسترالي.
وأمّا للتقييم الأدبي فنستطيع أن نذكر الأفران والمطاعم العربية ثم نقول بأنها قد حققت بعض المكاسب الأدبية بالاضافة الى ما تحققه من مكاسب مالية.
لأن الفرن الذي ينتج الخبز العربي قد وصل الى مرحلة جيدة من المكاسب القومية حيث غزا جميع المحلات وأصبحنا نجده في المخازن الكبرى مثل "السايف واي" و "السوبر ماركت" وأصبح يعرفه كل فرد في المجتمع الملبورني* كخبز عربي وممتاز هذا بالإضافة الى شجاعة وعصامية بعض منتجيه بكتابتهم للحرف العربي على غلافه.
كذلك المطاعم العربية التي كثر عددها وبدأت تتفنن بعرض مأكولاتها الشهية وتجتهد بتحسين خدمة الزبون مما حسّن سمعتها وجعلها في مصاف المطاعم الاثنية الاخرى وأصبح الطبق العربي واللبناني بالذات من الأطباق الشهيرة في ملبورن ونخص بالذكر مطعم "ارابيان نايت" و "المازات" ومطعم "عبلا" و "عبدول" الذين نعتبرهم قد حققوا الهدف القومي مع المكسب المالي.
وأما المصانع فلا نستطيع أن نسميها عربية وإنما هي مصانع مملوكة للعرب ما دامت تنتج الملابس العامة للاستهلاك المحلي وليس من بينها من فكر بإنتاج الملابس الشرقية لكي يحقق هدفاً قومياً ويجعلها على الأقل، تختلف عن غيرها ومن ثم تسلم من المضاربة أو تسير على طريق مختلف.. أو تحويلها الى شركة أقوى على الاستمرار.
ولنأخذ مثلاً مصنع "خليل ولطوف" للألبسة في منطقة برانزويك الذي تأسس منذ حوالي مائة سنة وهو الآن يعدّ أكبر مصنع يملكه عرب.. وقد عاش وكبر لأنه تأسس كشركة مساهمة.. ممّا ساعده على التوسع والاستمرار بالرغم من أن أحد مؤسسيه قد توفي فسيّره وواصل العمل فيه بقية الشركاء.. ولو كان هذا المصنع لفرد واحد لوجب بيعه حال وفاة مالكه أو مرضه أو تقاعده عن العمل.
كذلك عاشت الصحافة العربية في المجتمع الاسترالي، على الهامش الى أن استطاعت أن تفرض وجودها بين الصحف الاثنية الأخرى وأصبحت تدخل مكاتب الدولة، وتترجم افتتاحياتها لمعرفة مضامينها واتجاهاتها.. وهذا حوّلها من مجرّد تجارة متواضعة للاستهلاك المحلي الى صحافة ذات خط قومي، وهذا يبعث في نفوسنا الأمل بأن تتحول التجارات العربية الصغيرة أيضاً الى شركات تكون قادرة على أن تحمي نفسها وسط تيارات الإحتكار وتدفق رؤوس الأموال الاجنبية على استراليا، وما سمي التجارة الحرّة.
* أي في مدينة ملبورن عاصمة ولاية فكتوريا في استراليا.
قال لي مصدر موثوق، بعد حديث طويل عمّا وصلت اليه التجارة العربية في ملبورن بأنها قد انتشرت انتشاراً ملفتاً، وخاصة تجارة المطاعم والكافيتاريات والمقاهي التي أصبحت تمثل حوال 80% من مجموعها في قلب مدينة ملبورن وخاصة في شارع سوانستون الرئيسي.. هذا بالاضافة الى نسبة كبيرة من (الملك بارات) و "7 Eleven" والأفران والمصانع وجميع أنواع المتاجر الصغيرة، في ضواحي ملبورن.
وهنا يطيب لي أن أقف عند كلمة "المتاجر الصغيرة" متسائلة: لماذا تبقى تجارتنا صغيرة؟ ولماذا لا يسعى العربي لأن تكون تجارته كبيرة؟ خاصة ونحن نعيش في بلد بدأت تجتاحها الشركات الكبيرة ورؤوس الأموال الأميركية والصهيونية؟
والرد الطبيعي هو أننا نفهم بالتجارة ونعمل بجهد منقطع النظير، ولكننا نؤمن بالفردية ونكره الشركة.. ولا نثق ببعضنا البعض.. لذلك لا نستطيع أن نكبر ونتوسع. ومن النادر أن نجد بيننا مصدّراً أو مستورداً لأن تجارة التصدير والاستيراد تحتاج الى شريك في الخارج ليوفر البضاعة ويشحنها زائد أنها تحتاج الى دعم في السوق وتشجيع من أبناء الجالية.. فيصطدم المستورد بالحقيقة المرّة التي كثيراً ما تسبب فشله وضياع رأس ماله.. وهي أن كل واحد منا يغني على ليلاه.. وإن اعتمد المستورد على الغير، فالغير محتكر وربّما يتجنّب التعامل معنا لأسباب كلنا نعرفها.
وللتجارة تقييم مادي وأدبي وتقييمنا للمتاجر الصغيرة مادياً هو أنها على اختلاف أنواعها قد تؤمن عيش الفرد مع أسرته وربّما تمكنه من توفير بعض المال بعرق الجبين، ولكنها محلات مملوكة لأفراد مستقبلها محدود، ومن المستحيل أن تتحول الى رأس مال مرموق يمكن أن يُعمل له أي حساب في سوق التجارة الاسترالي.
وأمّا للتقييم الأدبي فنستطيع أن نذكر الأفران والمطاعم العربية ثم نقول بأنها قد حققت بعض المكاسب الأدبية بالاضافة الى ما تحققه من مكاسب مالية.
لأن الفرن الذي ينتج الخبز العربي قد وصل الى مرحلة جيدة من المكاسب القومية حيث غزا جميع المحلات وأصبحنا نجده في المخازن الكبرى مثل "السايف واي" و "السوبر ماركت" وأصبح يعرفه كل فرد في المجتمع الملبورني* كخبز عربي وممتاز هذا بالإضافة الى شجاعة وعصامية بعض منتجيه بكتابتهم للحرف العربي على غلافه.
كذلك المطاعم العربية التي كثر عددها وبدأت تتفنن بعرض مأكولاتها الشهية وتجتهد بتحسين خدمة الزبون مما حسّن سمعتها وجعلها في مصاف المطاعم الاثنية الاخرى وأصبح الطبق العربي واللبناني بالذات من الأطباق الشهيرة في ملبورن ونخص بالذكر مطعم "ارابيان نايت" و "المازات" ومطعم "عبلا" و "عبدول" الذين نعتبرهم قد حققوا الهدف القومي مع المكسب المالي.
وأما المصانع فلا نستطيع أن نسميها عربية وإنما هي مصانع مملوكة للعرب ما دامت تنتج الملابس العامة للاستهلاك المحلي وليس من بينها من فكر بإنتاج الملابس الشرقية لكي يحقق هدفاً قومياً ويجعلها على الأقل، تختلف عن غيرها ومن ثم تسلم من المضاربة أو تسير على طريق مختلف.. أو تحويلها الى شركة أقوى على الاستمرار.
ولنأخذ مثلاً مصنع "خليل ولطوف" للألبسة في منطقة برانزويك الذي تأسس منذ حوالي مائة سنة وهو الآن يعدّ أكبر مصنع يملكه عرب.. وقد عاش وكبر لأنه تأسس كشركة مساهمة.. ممّا ساعده على التوسع والاستمرار بالرغم من أن أحد مؤسسيه قد توفي فسيّره وواصل العمل فيه بقية الشركاء.. ولو كان هذا المصنع لفرد واحد لوجب بيعه حال وفاة مالكه أو مرضه أو تقاعده عن العمل.
كذلك عاشت الصحافة العربية في المجتمع الاسترالي، على الهامش الى أن استطاعت أن تفرض وجودها بين الصحف الاثنية الأخرى وأصبحت تدخل مكاتب الدولة، وتترجم افتتاحياتها لمعرفة مضامينها واتجاهاتها.. وهذا حوّلها من مجرّد تجارة متواضعة للاستهلاك المحلي الى صحافة ذات خط قومي، وهذا يبعث في نفوسنا الأمل بأن تتحول التجارات العربية الصغيرة أيضاً الى شركات تكون قادرة على أن تحمي نفسها وسط تيارات الإحتكار وتدفق رؤوس الأموال الاجنبية على استراليا، وما سمي التجارة الحرّة.
* أي في مدينة ملبورن عاصمة ولاية فكتوريا في استراليا.