نجاة فخري مرسي
في هذه الزاوية خبر عن مطالبة رئيس وزراء فكتوريا للحكومة الفيدرالية بزيادة الهجرة، بسبب تدني عدد السكان وحاجة الولاية الى بعض الخبراء.
وأن تكون هذه الزيادة على أساس جمع الشمل وتوطين اللاجئين وإحضار ذوي الخبرات المطلوبة. ونحن إذ ندعو الله أن تستجيب الحكومة الفيدرالية لمطلب رئيس وزراء الولاية الخضراء، نغتنم هذه الفرصة لنبحث معاً مشكلة تهمنا جميعاً، قد يعود بحثها بالفائدة علينا جميعاً.
محبة الوالدين طبيعة إنسانية، ورغبة المهاجر في إحضار والديه للعيش معه أمر طبيعي.
ولكن ما يجب بحثه الآن هو الطريقة، لأننا إن اختلفنا على الشكل لا يمكن أن نختلف على هذا المبدأ.
لنبدأ إذن من حيث يشعر المهاجر بعاطفة ضرورة إحضار والديه الى استراليا حيث يذهب ليقدّم طلب هجرة لوالديه. وحيث توافق له الحكومة على الطلب دون تحمّل مسؤولية إعالتهم وعليه إذا كان جادّاً في مطلبه أن يوقع أمام الحكومة على كفالة تامة وتعهد تام. وبوازع من مشاعر الابن البار الذي يريد أن يضحي بالغالي والرخيص في سبيل إحضار أمه وأبيه. يوقع على الكفالة ويستلم الموافقه ويحضر الوالدين وتفرح الأسرة ويجتمع شملها.
ولكن ما نراه كل يوم في جاليتنا والجاليات الأخرى من ردود فعل لهذه المغامرة مثل عزلة الأهل وشعورهم بالوحدة بسبب غياب الأبناء طول النهار للعمل وجهلهم للغة وعدم وجود الأصدقاء. ومع الوقت يبدأ الأهل بالتذمر والشعور بالضياع وتبدأ تعاستهم تنعكس على جميع أفراد الأسرة فتسبب المشاكل.
وللخروج من هذه التجربة ومن هذا المأزق يبدأ البحث عن حلول. وهنا تفرض بعض الحلول نفسها، بسبب عدم وجود البديل، وبسبب استحالة العودة في بعض الحالات.. ومن الحلول المكررة إيجاد مسكن منفرد للأهل.
فيكون معنى ذلك أن الابن فتح على نفسه أبواب ميزانية صرف جديدة قد ترهق ميزانية أسرته من جهة وتشعر الآباء بأنهم غير مرغوب بوجودهم من جهة أخرى فتتشعب المشكلة وتكبر. ويبدأ الابن بالبحث عن وسيلة لاقناع الحكومة بإعالة والديه. ويبدأ الوالدين بالشعور بأن ابنهم قد جنى عليهم بإحضاره لهم وتخليه عنهم وما إلى ذلك.
فعلى هذا الأساس نرى، وبالخطوط العريضة، أنه من الافضل ألف مرة أن نبني موضوع حبنا لآبائنا على أسس عاطفية وعقلانية.
ومن أراد منا أن يبرّ بوالديه، أن يدعوهما الى زيارته ويترك لهما الخيار في قبول أو رفض الحضور للعيش في استراليا.
وإن أعجبتهم وتقبلوها فأهلاً ومرحباً، اللهم على أسس مادية مدروسة لها فيها ما يجلب الضرر للطرفين.
وإن رفضوها ونفروا منها، فليس أبسط من أن يعودوا الى أرضهم وديارهم وأصدقائهم وبيئتهم الطبيعية مع تخصيص مساعدة مالية اختيارية من الابن تساعدهم على العيش المريح في شيخوختهم، وتشعر الابن في نفس الوقت بأنه قادر على مساعدة أهله وكسب رضاهم ودعاهم.
أما بالنسبة للأهل الميسورين فبإمكانهم إن رفضوا العيش في استراليا أن يحضروا الى زيارة أولادهم بين الحين والحين، أو يذهب الأولاد الى زيارتهم كلما استطاعوا الى ذلك سبيلا.
وأنا لا أتكلم عن المادة لأنها تستطيع أن تحل محل الواطف الأبوية والبنوية وإنما لأنها تسبب المشاكل وكثيراً ما تطغي على نبل العلاقات بين الأباء والأبناء، لأن ما لمسناه، بالتجربة قد أساء لهذه العلاقات في بعض الحالات وقد سبب التعاسة للآباء والشعور بالغربة والضياع، كما قلنا، وطبعاً هذا ما لم يقصده الأبناء عندما أقدموا على مشروع إحضار ذويهم الى استراليا. ولتجنب الوقوع في هذا الخطأ الفادح، لا بد من أخذ العبرة من أخطاء الغير وتجارب الآخرين والله المعين.