نجاة فخري مرسي
في العاصفة العنصرية التي أثارتها إحدى النائبات الشقراوات في استراليا ما يغري كل قلم على مناقشة الإدعاءات بأن الهجرة والأبورجنيز السبب في البطالة، وفي تراجع الإقتصاد الاسترالي.
ولو سألنا أي خبير إقتصادي – غير عنصري – عن صحة هذه الإدعاءات لابتسم، وضحك وقال: "هذا كلام غير مدروس، لأن الشعب الأبورجنيز، والهجرة وبدلات البطالة، وحتى الإعانات الإجتماعية، كانت كلها موجودة منذ أن كان الاقتصاد الاسترالي في ذروة ازدهاره، والبطالة بالمفهوم العلمي السليم هي "نتيجة" وليست "سبباً" بمعنى أن البطالة هي ضحية من ضحايا التكنلوجيا والكومبيوتر، والتجارة العالمية الحرّة التي فرضتها أمريكا على دول العالم، ومن بينها أستراليا، فسببت ما سببته للاقتصاد العالمي من تراجع. لماذا؟ لأنها فتحت الأبواب "المقفلة سابقاً" لحماية الانتاج القومي على مصراعيه، وأدخلت رؤوس الأموال الأجنبية – وخاصة الأميركية – لأي بلد من بلاد العالم دون استئذان، إلى أن رأينا المؤسسات الأميركية العملاقة تغزو العالم، وتغزو استراليا، إلى أن انتشرت "الشوبنغ سنترز" من "سايف وايز"، .. و "سفن الفن" و "كنتاكي تشكنز" .. و "بيتزا هات" وغيرها وغيرها تقضي على التجارة الصغيرة بأنواعها، ثمّ تصدّر مكاسبها الى الخارج بعد أن اكتفت بالقليل القليل من العمالة في استراليا.
الأمثلة كثيرة، وسنكتفي منها بالحديث عن مصانع الألبسة في استراليا التي تعبت من غلاء الأيدي العاملة ومن ارتفاع الضرائب في استراليا، ونجد أن التجارة الحرّة قد شجعت صاحب مصنع الألبسة على صرف عماله، والمباشرة في الأعمال الحرّة مثل تصدير الاقمشة الاسترالية، معفية من الضرائب الى البلاد الآسيوية ليصنّعها بمصانع بديلة بأرخص الأسعار، ثم يعود ويستوردها معفية من الضرائب أيضاً ليضرب بها السوق المحلي الاسترالي، والمصانع الاسترالية الباقية على قيد الحياة. وهذا أدّى الى أن معظم السلع الموجودة في الأسواق الاسترالية مصنوعة في مصانع آسيا: الصين .. وهونغ كونغ .. وسنغافورة .. وكوريا .. بأسعار لا تضاهى، لدرجة أصبح معها المستهلك الاسترالي، يتمنى ويشتهي أن يجد سلعة أو ثوب، أو حذاء في الأسواق الاسترالية صناعة استرالية، هذا طبعاً بالإضافة الى ما اختزلته التكنلوجيا من مراكز، وما اختزله الكومبيوتر من وظائف فضخّم مشكلة البطالة.
الحق يقال لو أن بإمكان أستراليا أن تتوقف عن الاشتراك في حروب لا تعنيها لأصبح بإمكانها أن توفر الكثير من الأموال، لأن ما صرفته منذ الحرب العالمية الأولى، وما زالت تصرفه على قدماء المحاربين وعائلاتهم وسلالاتهم أكثر بكثير مما تصرفه على الأبورجنيز، أو على الهجرة والمهاجرين.
وكذلك ما صرفته على المشاركة في حرب فيتنام، وعلى مئات الآلاف من اللاجئين الفيتنام، (التي ألزمتها أمريكا بإيوائهم ورعايتهم بعد أن حولوهم الى لاجئين، يعدّ أكثر بكثير مما تصرفه على إعانة البطالة والإعانات الإجتماعية).
إذن ليست الهجرة الاسيوية ولا غير الاسيوية هي السبب ويكفي أن نذكر ونُذكّر بميزان التبادل التجاري بين استراليا وآسيا.. وأن نذكر السياحة اليابانية والدول الاسيوية الأخرى التي تقدّر بالملايين، ولا ننسى مئات الالاف من الطلبة الاسيويين في الجامعات الاسترالية التي تصل مدفوعاتهم الى الملايين ايضاً.
ولو سلمنا جدلاً أن الثورات العنصرية لها مضارّها، نجد أيضاً أن لها فوائدها لأنها تفتح مجالات النقاش الحضاري وتضع النقاط على الحروف، ويشجع الشعب على التعبير عن متناقضاته، وعن مشاعره المكبوتة إن سلباً أو إيجاباً، وبالتالي يضع الهجرة في ميزان العمالة، ويلقي عليها وعلى فوائدها الأضواء، فنخلص بالقول الى أن استراليا بلد غني وجميل ويعتبر في طليعة المجتمعات ذات التعددية الحضارية، وهو بحاجة الى الهجرة لأن مساحاته كبيرة، وعدد سكانه قليل، وأي مهاجر يأتي الى استراليا طلباً للإستقرار يفيد ويستفيد.
(كتب هذا السؤال في جريدة البيرق 1996)
في العاصفة العنصرية التي أثارتها إحدى النائبات الشقراوات في استراليا ما يغري كل قلم على مناقشة الإدعاءات بأن الهجرة والأبورجنيز السبب في البطالة، وفي تراجع الإقتصاد الاسترالي.
ولو سألنا أي خبير إقتصادي – غير عنصري – عن صحة هذه الإدعاءات لابتسم، وضحك وقال: "هذا كلام غير مدروس، لأن الشعب الأبورجنيز، والهجرة وبدلات البطالة، وحتى الإعانات الإجتماعية، كانت كلها موجودة منذ أن كان الاقتصاد الاسترالي في ذروة ازدهاره، والبطالة بالمفهوم العلمي السليم هي "نتيجة" وليست "سبباً" بمعنى أن البطالة هي ضحية من ضحايا التكنلوجيا والكومبيوتر، والتجارة العالمية الحرّة التي فرضتها أمريكا على دول العالم، ومن بينها أستراليا، فسببت ما سببته للاقتصاد العالمي من تراجع. لماذا؟ لأنها فتحت الأبواب "المقفلة سابقاً" لحماية الانتاج القومي على مصراعيه، وأدخلت رؤوس الأموال الأجنبية – وخاصة الأميركية – لأي بلد من بلاد العالم دون استئذان، إلى أن رأينا المؤسسات الأميركية العملاقة تغزو العالم، وتغزو استراليا، إلى أن انتشرت "الشوبنغ سنترز" من "سايف وايز"، .. و "سفن الفن" و "كنتاكي تشكنز" .. و "بيتزا هات" وغيرها وغيرها تقضي على التجارة الصغيرة بأنواعها، ثمّ تصدّر مكاسبها الى الخارج بعد أن اكتفت بالقليل القليل من العمالة في استراليا.
الأمثلة كثيرة، وسنكتفي منها بالحديث عن مصانع الألبسة في استراليا التي تعبت من غلاء الأيدي العاملة ومن ارتفاع الضرائب في استراليا، ونجد أن التجارة الحرّة قد شجعت صاحب مصنع الألبسة على صرف عماله، والمباشرة في الأعمال الحرّة مثل تصدير الاقمشة الاسترالية، معفية من الضرائب الى البلاد الآسيوية ليصنّعها بمصانع بديلة بأرخص الأسعار، ثم يعود ويستوردها معفية من الضرائب أيضاً ليضرب بها السوق المحلي الاسترالي، والمصانع الاسترالية الباقية على قيد الحياة. وهذا أدّى الى أن معظم السلع الموجودة في الأسواق الاسترالية مصنوعة في مصانع آسيا: الصين .. وهونغ كونغ .. وسنغافورة .. وكوريا .. بأسعار لا تضاهى، لدرجة أصبح معها المستهلك الاسترالي، يتمنى ويشتهي أن يجد سلعة أو ثوب، أو حذاء في الأسواق الاسترالية صناعة استرالية، هذا طبعاً بالإضافة الى ما اختزلته التكنلوجيا من مراكز، وما اختزله الكومبيوتر من وظائف فضخّم مشكلة البطالة.
الحق يقال لو أن بإمكان أستراليا أن تتوقف عن الاشتراك في حروب لا تعنيها لأصبح بإمكانها أن توفر الكثير من الأموال، لأن ما صرفته منذ الحرب العالمية الأولى، وما زالت تصرفه على قدماء المحاربين وعائلاتهم وسلالاتهم أكثر بكثير مما تصرفه على الأبورجنيز، أو على الهجرة والمهاجرين.
وكذلك ما صرفته على المشاركة في حرب فيتنام، وعلى مئات الآلاف من اللاجئين الفيتنام، (التي ألزمتها أمريكا بإيوائهم ورعايتهم بعد أن حولوهم الى لاجئين، يعدّ أكثر بكثير مما تصرفه على إعانة البطالة والإعانات الإجتماعية).
إذن ليست الهجرة الاسيوية ولا غير الاسيوية هي السبب ويكفي أن نذكر ونُذكّر بميزان التبادل التجاري بين استراليا وآسيا.. وأن نذكر السياحة اليابانية والدول الاسيوية الأخرى التي تقدّر بالملايين، ولا ننسى مئات الالاف من الطلبة الاسيويين في الجامعات الاسترالية التي تصل مدفوعاتهم الى الملايين ايضاً.
ولو سلمنا جدلاً أن الثورات العنصرية لها مضارّها، نجد أيضاً أن لها فوائدها لأنها تفتح مجالات النقاش الحضاري وتضع النقاط على الحروف، ويشجع الشعب على التعبير عن متناقضاته، وعن مشاعره المكبوتة إن سلباً أو إيجاباً، وبالتالي يضع الهجرة في ميزان العمالة، ويلقي عليها وعلى فوائدها الأضواء، فنخلص بالقول الى أن استراليا بلد غني وجميل ويعتبر في طليعة المجتمعات ذات التعددية الحضارية، وهو بحاجة الى الهجرة لأن مساحاته كبيرة، وعدد سكانه قليل، وأي مهاجر يأتي الى استراليا طلباً للإستقرار يفيد ويستفيد.
(كتب هذا السؤال في جريدة البيرق 1996)