نجاة فخري مرسي
تتدفق عادة ينابيع الشعر الطبيعية من القلوب المتعبة المتألمة الثائرة. ومعنا الان ينبوع شعر نادر، جديد بنوعه. معنا الدكتورة سعاد المبارك الصباح: استاذة الاقتصاد الكويتية.. سيدة مترفة.. جميلة مثقفة.. من الاسرة الحاكمة في الكويت. ومع ذلك فهي شاعرة مرهفة الحس، رقيقة كالأنسام. إنه حقاً لمنبع نادر نحب أن نتعرف اليه.
وفي جنيف في احد المؤتمرات الدولية الداعية الى انهاء حرب الخليج، قابلتها وتفضلت بدعوتي الى وليمة عشاء في منزلها، على شرف شخصية نسائية عربية هامة حضرها اكثر نساء الدبلوماسيين العرب في سويسرا، ومع ذلك لم تنس ان تهديني ديوانين من اشعارها "سأنشر بعضها" فيما بعد. وبعد عودتها من مؤتمر اخر في الاردن دار بيننا الحوار التالي:
س: دكتورة سعاد، اولا انا سعيدة بهذا اللقاء الكريم ويسعدني ان انقل تفاصيله الى اختك العربية في ديار الاغتراب "استراليا" ونحن نقرأ بعض اشعارك القومية في جريدة النهار المهجرية التي اعمل بها... ويسعدني ان نقرأ من انتاجك اكثر واكثر، وان نعرف من هي الدكتورة سعاد، ومتى بدأت بالعطاء الفكري وهي الاستاذة في الاقتصاد؟ ومتى اكتشفت موهبتها الشعرية؟
● ليتك تحدثينا عن سعاد المرأة المتفردة في عصرنا الردئ.. كيف تتعامل مع الكلمة وتمارس عشقها معها.
ج: انا مواطنة كويتية تحاول ان تضع ثقافتها ومعرفتها في خدمة حركة التطور في بلادي. امرأة عربية تريد أن تعيد لعقل الانثى اعتباره، بعد عصور من التعتيم كان فيه العقل محجورا عليه.
ان الكلمة بالنسبة لي هي الرئة التي اتنفس بها وانفس بها عن همومي واحزاني وحرائقي... ولولا الكتابة لاختنقت من زمان. انني الجأ الى الكلمة لكي تمنحني الدفء الانساني. الكتابة هي وسيلتي للاحتجاج والصراخ وادانة هذا العالم الفارق في ساديته، ووحشيته وجرائمه.
وعشقي للكلمة عذاب واقرب صورة لهذا العذاب.. هو عذاب اللؤلؤة عندما تخرج من المحارة.. وعذاب البرعم في لحظة التشقق.. وعذاب الالم في لحظة التكوين.
● مشروع مجلة الرسالة ماذا عنه وهل ننتظر ان تتكرر مثل هذه المحاولة لاحياء التراث؟
ج: سيدتي، منذ الطفولة وانا احلم بالعثور على كنز الملك سليمان، وعلى ذلك الخاتم العجيب الذي اذا فركته فركة، تساقطت عليك اقطار اللؤلؤة والمرجان. ان المارد قد اتاني بالفعل ولكنه بدل ان يسلمني خاتم الملك سليمان سلمني رزمة كبيرة من الاعداد الاصلية لمجلة الرسالة لاعادة طبعها. وانني سعيدة برؤية مجلة الرسالة تطل على الاجيال الجديدة لتوقظ ذاكرتها الثقافية، التي هي في امس الحاجة الى من يحفظ تراثها وجذورها واصالتها وينابيعها الفكرية الاولى. انني سعيدة بهذا التراث الثقافي الذي كرمني الله به واتمنى ان يلهمنا الله جميعا لجمع ما تناثر من تراثنا الفكري والادبي والشعري والفلسفي.
● لماذا نحن النساء نضع انفسنا في بؤرة الاضطهاد من الرجل حين ننجح او نواجه الصعاب في طريق النجاح رغم ان هذا ما يواجهه كثير من الرجال حين يسيرون في نفس الطريق؟
ج: هناك فارق نوعي بين طبيعة الاضطهادين، فاضطهاد الرجل لا يؤثر على وضعه الاجتماعي او العائلي او الاقتصادي او الوظيفي، بينما اضطهاد المرأة يهز علاقاتها في البيت، وفي الحي وفي المكتب وفي الشارع وفي الوظيفة وفي المجتمع وفي مجال العلاقات العامة. المعركة مع الرجل هي معركة رياضية لها قواعدها واصولها ولا تحدث فيها اختراقات او تجاوزات للخط الاحمر. اما المعركة مع المرأة فهي معركة عشوائية بلا قواعد، ولا اصول ولا اداب.. ولا تستهدف الا اسكاتها بالضربة القاضية... او رميها على الارض بالضربة القاضية. ثم هناك فارق بالحساسية.. فجلد الرجل متعود على الضربات واللكمات، وعظامه متعودة على الكسر، بحكم الحروب الكثيرة التي خاضها. أما المرأة فهي لم تشارك في الحرب العالمية الاولى، ولا في الحرب العالمية الثانية، ولا في حرب فيتنام ولا في حرب داحس والغبراء. لذلك فهي تغضب لاي عملية تشويه تستهدف تاريخها او سمعتها او كرامتها او مركزها الاجتماعي.
● دكتورة تتحدثين في كتاباتك وقصائدك عن الغربة والاغتراب، وهناك اتهام لك بأنك أنت التي تصوغين هذا الاحساس ولم تواجهي الاغتراب بفعل فاعل؟
ج: هناك غربتان: غربة الجسد وغربة النفس. فتغير المكان، او تغير العنوان، او تغيّر اللغات والاصدقاء، لا يُسمى في اعتقادي غربة. لان الاغتراب الحقيقي هو في داخلنا.
إن الذين يعتقدون بانهم اذا لبسوا القبعات وارتدوا معاطف المطر، اصبحوا مواطنين فرنسيين او بريطانيين... لا يدركون ان غربتهم هي غربة سياحية ومعاناتهم هي معاناة سطحية.
كم من مواطن موجود في وطنه هو اكثر اغترابا من المهاجرين عنه. وكم من مواطن يعيش في مسقط رأسه وهو بالفعل لا يعيش فيه.
والمواطنون العرب الذين حكمت عليهم الظروف ان يعيشوا في ظل انظمة قمعية لا تعترف للانسان بحرية الحوار، او حرية الصراخ او حرية الغناء او حرية البكاء.. هؤلاء المواطنون يستطيعون ان يصفوا لنا ما هو المنفى الداخلي، وما هي عذاباته.
هذا المنفى الداخلي هو منفاي الحقيقي، وانا لا اخترعه او اصطنعه لان احزان الانسان لا تصنع.. ودموعه لا تخترع.
● دكتورة سعاد الصباح من انت باختصار؟
ج: انا مواطنة كويتية تحاول ان تضع ثقافتها ومعرفتها في خدمة التطور في بلادي كما قلت في مطلع حديثي، احاول ان اكون في خدمة الانسان، وان اضيء شمعة في ليل التائهين، والضائعين في الظلام وان اعيد للمرأة اعتبارها كشريكة اساسية في بناء الوطن. ان الثقافة في نظري يجب ان توضع تحت تصرّف الاخرين وإلا كانت ثقافة نظرية وفردية وانانية.
● كيف توفقين بين اهتماماتك المتعددة من الاقتصاد الى الشعر الى المشاركة في المؤتمرات الى البحث العلمي الى الكتابة الصحفية؟
ج: لا يوجد في نظري حواجز تفصل بين الاختصاص العلمي والهواية. لاشيء يمنع الطبيب من ان يعجب بموسيقى بيتهوفن.. ولا شيء يمنع مدير المصرف من ارتياد معرض تشكيلي.. ولا شيء يمنع المهندس من ان يتذوق الشعر. ان الانسان ليس جزيرة معزولة في عرض البحر، بل هو افق مفتوح على كل السماوات. والكاتب في هذا العصر لم يعد بوسعه ان يتحرك في دائرة ضيقة هي دائرة اختصاصه. فالروائي مثلا عليه ان يتابع اخبار الاكتشافات العلمية، ويعرف ماذا يجري على صعيد السياسة الدولية، وعلى صعيد التحولات السياسية والاقتصادية، ويكون قارئا جيدا للتاريخ ومتتبعا لمسار الايديولوجيات والحضارات. وكذلك الشاعر والموسيقي والرسام. وعالم الاقتصاد بدوره لا يمكنه ان يحبس نفسه في قارورة الاقتصاد، ولا يحس بما يجري حوله على الصعيد الثقافي والحضاري.
وانا اذا كنت متعددة الاهتمامات. فلأنني اريد ان اكون جزءا من ثقافة عصري. فدراستي للاقتصاد لا تعني ابدا انها نهاية طموحاتي.. واشتراكي في المؤتمرات الخاصة بالتنمية والتخطيط والعمالة، او انتمائي للمنظمة العربية لحقوق الانسان، او كتاباتي في الصحافة، كل هذا لا افعله على حساب الشعر. فالشعر عندي هو مولاي الذي اتبعه واطيعه...
● المجتمع الكويتي عمّا يجب ان يبحث؟
ج: على المجتمع الكويتي ان يبحث عن تأكيد هويته العربية وسط خضم حضارة مزيفة، وقيم دخيلة، وعادات اجتماعية واقتصادية ضارة. ان المجتمع يقف صامدا في وجه التيار الاصفر "العمالة الاسيوية" الذي يخشى ان تضيع في موجاته الشخصية الكويتية وتذوب معالمها. ان التفكير بتفجير اللحظة التي هو منها دون أن يكون له اي نظرة مستقبلية يشكل خطرا على هوية الكويت القومية ومستقبله الاقتصادي.
وسبب هذا يعود في نظري الى البصمات السيئة التي طبع النفط بها حياتنا. فالنفط هو لعنتنا قبل ان يكون نعمتنا. النفط افرز سلبيات كثيرة جعلت حياتنا تدور في دائرة الاتكالية والاسراف والبذخ وقتل كل ما في الانسان من نزعة الابتكار والمشاركة الفعلية. وها نحن مشرفون على انتهاء عصر النفط، فلا بد من وقفة صادقة مع النفس لتلافي اخطاء الماضي، واقامة مجتمعنا على اسس علمية، والبداية تكون من بناء الانسان الكويتي.
● دكتورة سعاد، او اميرة سعاد، اشكرك على هذا اللقاء، بل اشكر الصدف التي جمعتني بك في مؤتمر يسعى الى احلال السلام بين العراق وايران في مدينة جنيف مدينة المؤتمرات ومقر هيئة الاممم المتحدة.. واراني احسد نفسي على معرفتك لان شخصيتك النادرة قد خلقت اطارا جديدا لصورة الاميرات العربيات لانك اميرة الاميرات لما تتحلين به من خصال اجتماعية وانسانية... وفي وجدانك حديقة زاخرة، وينابيع متدفقة من الخير والعطاء والثقافة، حفظك الله مثلا حيا لكل امرأة عربية "خدعها بريق اللآلىء والمجوهرات فاكتفت بان تكون – عروس المولد - او دمية للصالونات على حد قولك.
نيسان/ابريل 1981
تتدفق عادة ينابيع الشعر الطبيعية من القلوب المتعبة المتألمة الثائرة. ومعنا الان ينبوع شعر نادر، جديد بنوعه. معنا الدكتورة سعاد المبارك الصباح: استاذة الاقتصاد الكويتية.. سيدة مترفة.. جميلة مثقفة.. من الاسرة الحاكمة في الكويت. ومع ذلك فهي شاعرة مرهفة الحس، رقيقة كالأنسام. إنه حقاً لمنبع نادر نحب أن نتعرف اليه.
وفي جنيف في احد المؤتمرات الدولية الداعية الى انهاء حرب الخليج، قابلتها وتفضلت بدعوتي الى وليمة عشاء في منزلها، على شرف شخصية نسائية عربية هامة حضرها اكثر نساء الدبلوماسيين العرب في سويسرا، ومع ذلك لم تنس ان تهديني ديوانين من اشعارها "سأنشر بعضها" فيما بعد. وبعد عودتها من مؤتمر اخر في الاردن دار بيننا الحوار التالي:
س: دكتورة سعاد، اولا انا سعيدة بهذا اللقاء الكريم ويسعدني ان انقل تفاصيله الى اختك العربية في ديار الاغتراب "استراليا" ونحن نقرأ بعض اشعارك القومية في جريدة النهار المهجرية التي اعمل بها... ويسعدني ان نقرأ من انتاجك اكثر واكثر، وان نعرف من هي الدكتورة سعاد، ومتى بدأت بالعطاء الفكري وهي الاستاذة في الاقتصاد؟ ومتى اكتشفت موهبتها الشعرية؟
● ليتك تحدثينا عن سعاد المرأة المتفردة في عصرنا الردئ.. كيف تتعامل مع الكلمة وتمارس عشقها معها.
ج: انا مواطنة كويتية تحاول ان تضع ثقافتها ومعرفتها في خدمة حركة التطور في بلادي. امرأة عربية تريد أن تعيد لعقل الانثى اعتباره، بعد عصور من التعتيم كان فيه العقل محجورا عليه.
ان الكلمة بالنسبة لي هي الرئة التي اتنفس بها وانفس بها عن همومي واحزاني وحرائقي... ولولا الكتابة لاختنقت من زمان. انني الجأ الى الكلمة لكي تمنحني الدفء الانساني. الكتابة هي وسيلتي للاحتجاج والصراخ وادانة هذا العالم الفارق في ساديته، ووحشيته وجرائمه.
وعشقي للكلمة عذاب واقرب صورة لهذا العذاب.. هو عذاب اللؤلؤة عندما تخرج من المحارة.. وعذاب البرعم في لحظة التشقق.. وعذاب الالم في لحظة التكوين.
● مشروع مجلة الرسالة ماذا عنه وهل ننتظر ان تتكرر مثل هذه المحاولة لاحياء التراث؟
ج: سيدتي، منذ الطفولة وانا احلم بالعثور على كنز الملك سليمان، وعلى ذلك الخاتم العجيب الذي اذا فركته فركة، تساقطت عليك اقطار اللؤلؤة والمرجان. ان المارد قد اتاني بالفعل ولكنه بدل ان يسلمني خاتم الملك سليمان سلمني رزمة كبيرة من الاعداد الاصلية لمجلة الرسالة لاعادة طبعها. وانني سعيدة برؤية مجلة الرسالة تطل على الاجيال الجديدة لتوقظ ذاكرتها الثقافية، التي هي في امس الحاجة الى من يحفظ تراثها وجذورها واصالتها وينابيعها الفكرية الاولى. انني سعيدة بهذا التراث الثقافي الذي كرمني الله به واتمنى ان يلهمنا الله جميعا لجمع ما تناثر من تراثنا الفكري والادبي والشعري والفلسفي.
● لماذا نحن النساء نضع انفسنا في بؤرة الاضطهاد من الرجل حين ننجح او نواجه الصعاب في طريق النجاح رغم ان هذا ما يواجهه كثير من الرجال حين يسيرون في نفس الطريق؟
ج: هناك فارق نوعي بين طبيعة الاضطهادين، فاضطهاد الرجل لا يؤثر على وضعه الاجتماعي او العائلي او الاقتصادي او الوظيفي، بينما اضطهاد المرأة يهز علاقاتها في البيت، وفي الحي وفي المكتب وفي الشارع وفي الوظيفة وفي المجتمع وفي مجال العلاقات العامة. المعركة مع الرجل هي معركة رياضية لها قواعدها واصولها ولا تحدث فيها اختراقات او تجاوزات للخط الاحمر. اما المعركة مع المرأة فهي معركة عشوائية بلا قواعد، ولا اصول ولا اداب.. ولا تستهدف الا اسكاتها بالضربة القاضية... او رميها على الارض بالضربة القاضية. ثم هناك فارق بالحساسية.. فجلد الرجل متعود على الضربات واللكمات، وعظامه متعودة على الكسر، بحكم الحروب الكثيرة التي خاضها. أما المرأة فهي لم تشارك في الحرب العالمية الاولى، ولا في الحرب العالمية الثانية، ولا في حرب فيتنام ولا في حرب داحس والغبراء. لذلك فهي تغضب لاي عملية تشويه تستهدف تاريخها او سمعتها او كرامتها او مركزها الاجتماعي.
● دكتورة تتحدثين في كتاباتك وقصائدك عن الغربة والاغتراب، وهناك اتهام لك بأنك أنت التي تصوغين هذا الاحساس ولم تواجهي الاغتراب بفعل فاعل؟
ج: هناك غربتان: غربة الجسد وغربة النفس. فتغير المكان، او تغير العنوان، او تغيّر اللغات والاصدقاء، لا يُسمى في اعتقادي غربة. لان الاغتراب الحقيقي هو في داخلنا.
إن الذين يعتقدون بانهم اذا لبسوا القبعات وارتدوا معاطف المطر، اصبحوا مواطنين فرنسيين او بريطانيين... لا يدركون ان غربتهم هي غربة سياحية ومعاناتهم هي معاناة سطحية.
كم من مواطن موجود في وطنه هو اكثر اغترابا من المهاجرين عنه. وكم من مواطن يعيش في مسقط رأسه وهو بالفعل لا يعيش فيه.
والمواطنون العرب الذين حكمت عليهم الظروف ان يعيشوا في ظل انظمة قمعية لا تعترف للانسان بحرية الحوار، او حرية الصراخ او حرية الغناء او حرية البكاء.. هؤلاء المواطنون يستطيعون ان يصفوا لنا ما هو المنفى الداخلي، وما هي عذاباته.
هذا المنفى الداخلي هو منفاي الحقيقي، وانا لا اخترعه او اصطنعه لان احزان الانسان لا تصنع.. ودموعه لا تخترع.
● دكتورة سعاد الصباح من انت باختصار؟
ج: انا مواطنة كويتية تحاول ان تضع ثقافتها ومعرفتها في خدمة التطور في بلادي كما قلت في مطلع حديثي، احاول ان اكون في خدمة الانسان، وان اضيء شمعة في ليل التائهين، والضائعين في الظلام وان اعيد للمرأة اعتبارها كشريكة اساسية في بناء الوطن. ان الثقافة في نظري يجب ان توضع تحت تصرّف الاخرين وإلا كانت ثقافة نظرية وفردية وانانية.
● كيف توفقين بين اهتماماتك المتعددة من الاقتصاد الى الشعر الى المشاركة في المؤتمرات الى البحث العلمي الى الكتابة الصحفية؟
ج: لا يوجد في نظري حواجز تفصل بين الاختصاص العلمي والهواية. لاشيء يمنع الطبيب من ان يعجب بموسيقى بيتهوفن.. ولا شيء يمنع مدير المصرف من ارتياد معرض تشكيلي.. ولا شيء يمنع المهندس من ان يتذوق الشعر. ان الانسان ليس جزيرة معزولة في عرض البحر، بل هو افق مفتوح على كل السماوات. والكاتب في هذا العصر لم يعد بوسعه ان يتحرك في دائرة ضيقة هي دائرة اختصاصه. فالروائي مثلا عليه ان يتابع اخبار الاكتشافات العلمية، ويعرف ماذا يجري على صعيد السياسة الدولية، وعلى صعيد التحولات السياسية والاقتصادية، ويكون قارئا جيدا للتاريخ ومتتبعا لمسار الايديولوجيات والحضارات. وكذلك الشاعر والموسيقي والرسام. وعالم الاقتصاد بدوره لا يمكنه ان يحبس نفسه في قارورة الاقتصاد، ولا يحس بما يجري حوله على الصعيد الثقافي والحضاري.
وانا اذا كنت متعددة الاهتمامات. فلأنني اريد ان اكون جزءا من ثقافة عصري. فدراستي للاقتصاد لا تعني ابدا انها نهاية طموحاتي.. واشتراكي في المؤتمرات الخاصة بالتنمية والتخطيط والعمالة، او انتمائي للمنظمة العربية لحقوق الانسان، او كتاباتي في الصحافة، كل هذا لا افعله على حساب الشعر. فالشعر عندي هو مولاي الذي اتبعه واطيعه...
● المجتمع الكويتي عمّا يجب ان يبحث؟
ج: على المجتمع الكويتي ان يبحث عن تأكيد هويته العربية وسط خضم حضارة مزيفة، وقيم دخيلة، وعادات اجتماعية واقتصادية ضارة. ان المجتمع يقف صامدا في وجه التيار الاصفر "العمالة الاسيوية" الذي يخشى ان تضيع في موجاته الشخصية الكويتية وتذوب معالمها. ان التفكير بتفجير اللحظة التي هو منها دون أن يكون له اي نظرة مستقبلية يشكل خطرا على هوية الكويت القومية ومستقبله الاقتصادي.
وسبب هذا يعود في نظري الى البصمات السيئة التي طبع النفط بها حياتنا. فالنفط هو لعنتنا قبل ان يكون نعمتنا. النفط افرز سلبيات كثيرة جعلت حياتنا تدور في دائرة الاتكالية والاسراف والبذخ وقتل كل ما في الانسان من نزعة الابتكار والمشاركة الفعلية. وها نحن مشرفون على انتهاء عصر النفط، فلا بد من وقفة صادقة مع النفس لتلافي اخطاء الماضي، واقامة مجتمعنا على اسس علمية، والبداية تكون من بناء الانسان الكويتي.
● دكتورة سعاد، او اميرة سعاد، اشكرك على هذا اللقاء، بل اشكر الصدف التي جمعتني بك في مؤتمر يسعى الى احلال السلام بين العراق وايران في مدينة جنيف مدينة المؤتمرات ومقر هيئة الاممم المتحدة.. واراني احسد نفسي على معرفتك لان شخصيتك النادرة قد خلقت اطارا جديدا لصورة الاميرات العربيات لانك اميرة الاميرات لما تتحلين به من خصال اجتماعية وانسانية... وفي وجدانك حديقة زاخرة، وينابيع متدفقة من الخير والعطاء والثقافة، حفظك الله مثلا حيا لكل امرأة عربية "خدعها بريق اللآلىء والمجوهرات فاكتفت بان تكون – عروس المولد - او دمية للصالونات على حد قولك.
نيسان/ابريل 1981