حب الوطن

نجاة فخري مرسي

في أحد البرامج الصباحية في محطة اذاعية عربية، غرّدت المطربة فيروز اغنيتها الرائعة: "بحبك يا لبنان يا وطني بحبك، بجنونك بحبك، بفقرك بعزّك بحبك، وإذا نحنا تفرّقنا بيجمّعنا حبك" وفور انتهاء الأغنية فتحت الخطوط، وسألت احدى المذيعات السؤال التالي: "إذا كنت تحب وطنك، كيف تحبّه؟".
إنهالت الأجوبة، فجاء أكثرها عاطفياً، كلٌ حسب قناعته. أمّا كلمة كيف؟؟ فأجوبتها كانت كثيرة، منهم من قال إنه يدعم والديه في لبنان، ليبعد عنهما شبح الحاجة، ويحفظ كرامتهما. ومنهم من يتبرع لشق طريف إسفلت لقريته.. ومنهم من يبني مدرسة لأبناء قريته أو يفتح مستوصف صحي، أو يزور وطنه كلما سنحت له الفرص ليجدد العلاقات الأسرية والإجتماعية، ومنهم من حافظ على أهمية تعليم أولاده الذين ولدوا في استراليا لغتهم الأم، والحفاظ على قيمهم الدينية والاجتماعية، وأن يأخذهم لزيارة وطنهم للتعرّف على روعته وحضارته وديموقراطيته ومدنه ومصايفه ومنتزهاته، وووالخ.
وهذه أمور كلها مشهود بها للمهاجر اللبناني، أينما كان، ومهما تغرّب وكل هذا جميل ومشرّف، ولكن بقي الواجب الأهم، الذي لم يذكره أحد، ألا وهو أن نفكر كمجموعة بدعم اقتصاد الوطن الذي نحبه والذي نريد أن نعبّر عن حبّنا له، ونحن نعلم أن اقتصاده يقترب من خط الخطر، بعد أن كثرت ديونه، وتراكمت فوائدها، بسبب الأنانيات الشخصية والذاتية عند بعض المسؤولين فيه فامتلأت جيوبهم وفرغت خزينته.
ولو فكرنا معاً بروح دعم اقتصاد الوطن، مشروع عملي ملحّ لكانت أولويات التعبير عن حبنا لوطننا هي دعم اقتصاده.
دعونا في هذه العجالة نتذكر، مشروع: باريس واحد.. باريس اثنين وباريس ثلاثة التي دعا فيها الرئيس الفرنسي الصديق الراحل، دول العالم، كي يتبرعوا بالمال لمساعدة اقتصاد لبنان.. ونتذكر كيف تبرعوا بالملايين شفوياً، الى أن وصلت الأرقام الى المليارات، ولكن للأسف لم يُسدّد اكثرها، لأن أكثرهم لم يوفي بما وعد. وهذا يّعيد الى الذاكرة المثل القائل: ما حكّ جلدك غير ظفرك".
كلنا يعلم أن الاحصائيات في لبنان تقول: إن المهاجرين اللبنانيين أعدادهم ضعف اللبنانيين المقيمين في لبنان، وان حوالي الثمانية ملايين في مغتربات العالم الكثيرة قد حققوا فيها الكثير، لا بدّ أن يكون بإمكانهم أن يفعلوا شيئاً لانقاذ اقتصاد وطنهم، برجالهم ونسائهم.
ويكفي أن نذكر ونذكّر، البرفسورة ماري بشير التي عيّنت حاكماً "لولاية" نيو ساوث ويلز، وأول امرأة تعيّن في سلك القضاء الاسترالي، وهي من مواليد لبنان. ويجب أيضاً أن نذكر ونذكّر أن علينا أن ننشئ، ما يسمّى "صندوق المهاجر" يُغذيه كل مهاجر حسب إمكاناته من المليونير حتى محدود الدخل، ويستمر هذا الصندوق بدفع أقساط ديون وطننا السنوية الى أن ننقذ مشكلة اقتصاد الوطن ليستعيد لبنان عافيته وأمجاده وصناعته وسياحته وزراعته ويفتح لنا نحن المهاجرين ذراعيه لنعود ومعنا كل ما حققناه من مال وخبرة، وهذا مثل رائع لحب الأوطان، وليس بالشوق والأغاني والدموع والتأوهات.

توحدوا

نجاة فخري مرسي
من المعروف أنه لدى الجالية العربية في ملبورن وحدها حتى الآن 38 تجمّعاً على شكل اتحاد أو منظمة أو حزب أو جمعيات سياسية أو اجتماعية خيرية أو دينية أو اجتماعية فقط.
ومنها ما لايزيد عدد أفرادها عن عدد أصابع اليد، ومنها من تمثل جالية إقليمية بكاملها منشقة على نفسها تعاني من الانقسامات والخلافات وعدم الثقة. ومنها من لها دستور ومنها من تمارس واجباتها وخدماتها وحفلاتها بدون دستور.
وقد درجت أكثر هذه الجمعيات أو بعضها على عمل انتخابات سنوية.. والغاية غير معروفة من كل هذه الانتخابات. هل هي المغالاة في الدقة؟ أم أنها وسيلة لحسم نزاع على السلطة؟ أم زيادة في الديمقراطية؟ العلم عند الله. مع أن المجالس النيابية في العالم تحلّ ويُعاد انتخابها مرة كل ثلاث أو أربع سنوات، وكذلك الحكومات والوزارات.
ولو نظرنا الى ما تسببه هذه الانتخابات من ربكة وحزازات ومضيعة للوقت والجهد، لصعب علينا فهم المبرر أو الهدف من وجودها وتكريرها.. مع أننا نعلم بالخبرة أن أكثر هذه الانتخابات تجيء نتائجها واحدة وتعود بنفس الوجوه الى (منصة الحكم) وتقع في نفس الأخطاء وتعيش في نفس الدوامة وتواجه نفس الضغوط ونفس المعارضة.
تماماً كما هو حاصل في وطننا الأم لبنان، حيث يذهب كامل الأسعد ويعود حمادة ويذهب صائب سلام ويعود رشيد كرامي ويذهب كرامي ليعود ابن الصلح.. وتشكل الحكومات وتحل البرلمانات والشعب يعيش على أمل أن يرى بعض الوجوه الجديدة فلا يرى سوى الوجوه المألوفة التي ورثت الحكم والمراكز عن الآباء والأجداد.
أما الأجيال الجديدة والكفاءات الشابة والشهادات العالية والوجوه المثقفة فليس لها مكان بعد تحت قبة البرلمان اللبناني.. ويعلم الله متى سيصبح لها مكان.. ويتخلص الوطن المسكين من الحكم الرجعي القائم على الطائفية والعشائرية.
وفي ملبورن تكاد تكون جاليتنا صورة مصغّرة عن الوطن الأم (ومن شابه أباه ما ظلم).
وأما الخدمة العامّة.. ومظاهر التعاون والتكتل والتجرد وتوحيد الكلمة.. فلم يحن أوانها بعد.. لأن الانسان لم يصل بعد الى كوكب الزهراء.. ووصوله الى القمر غير كاف ليصل مفهومنا الى ما يناسب وجودنا ومصالحنا.
ويكفي أن نعلم أن تغيير جميعة من الجمعيات لرئيسها برئيس آخر يسبب عداء أبدياً بين الاثنين وربما بين الرئيس السابق وجاليته لأنها انتخبت غيره. وكل هذا على حساب الجالية التي وُجدت الجمعية أصلاً لخدمتها وخدمة مصالحها.
هذا الى جانب الاعتقاد بأن هذه التجمعات قد وُجدت أيضاً لتحسين سمعة الجالية في ديار المهجر وحلّ مشاكلها.