الى أديبة ثائرة

نجاة فخري مرسي

وضعت قلمي في القوالب الصحفية
والتسجيلية ...
الى أن كاد يختنق ...
لو كان لي قلمك
ودرجة ثقافتك ...
لما كتبت أكثر
لأن حماسك وحماسي ...
أنفاسك وأنفاسي ...
من مصدر واحد
ثورتنا لا تستطيع أن تتخلى
عن إنسانيتها
"الحريّة تؤخذ ولا تعطى"
"لا يحرّر المرأة سوى المرأة"
أقوال لها سحرها، ولكنها
مجرّد أقوال...
ومعارك النساء في سبيل حقوقهن ...
بمجرّد دموع متدارية وراء الجفون ...
الى أن يسقط حائط برلين.

* * *

هجرة أبناء الجنوب الى افريقيا

نجاة فخري مرسي
كنت وأنا صغيرة أسمع الناس في قريتي الجنوبية* يقولون:
- فلان هاجر من أيام الاستعمار العثماني ولم يرجع..
- فلان أرسل لأخوته "النيلون" الواحد بعد الآخر..
- فلان سافر الى السنغال وترك زوجته وأولاده الى أن يستقر ويرسل في طلبهم..
- فلان رجع ليتزوج من بنات بلده..
- فلان – الله يحميه – يبعث لأمه وأخواته "حوالة" كل شهر..
- فلان – الله لا يقطع له عاده – كل سنة بيصيّف في جبال لبنان..
- فلان بعت أولاده ليتعلموا لغتهم في مدارس بلاده..
- فلان، تبرّع بشق طريق للسيارات في ضيعته..
- فلان اشترى بنايات في بيروت..
- فلان تبرع بفتح مستوصف وناد إجتماعي في البلد..
- فلان أصبح قنصل لبنان الفخري في باريس..
- فلان إشترى الجبل الفلاني واستصلحه وأصبح بساتين..
- فلان أرسل الأموال لبناء مدرسة ثانوية لأولاد الضيعة..
- فلان ربنا فتحها عليه وصار مليونيراً..
- فلان فتح مصنعاً للألبسة في أبيدجان دخله السنوي بالملايين..
- وفلان مات بالغربة يا حرقة قلب أمه عليه.

والغريب أنني لم أسمعهم يوماً يقولون:
- فلان فشل ورجع.. أو فلان لم ينجح، مما ثبت في عقلي الصغير أن الهجرة تصنع المعجزات. ولم يحاول عقلي الصغير ولا حتى، بعد أن نضج واكتمل أن يناقش هذه الهجرة المكثفة من الجنوب، ولا أن يتعرف على أسبابها التي تدفع بالمرء بأن يترك بلده وأهله، وأحياناً زوجته وأولاده، ويسافر الى افريقيا حيث الشعوب الافريقية المختلفة، والطقس الحار والمناخ السياسي غير المستقر.

* (جنوب لبنان)

رسالة من مهاجر

نجاة فخري مرسي
أنا يا أمي أحب بلدي الجديد، وأعتبره وطني الثاني، لأنه يؤمّن لي فرص العمل والحياة المستقرة والمستقبل الأفضل. ولكن بعض المتعصبين فيه – وما أكثرهم – يصرّون على إشعاري دائماً بأنني غريب – مواطن من الدرجة الثانية – بل ويطلقون عليّ تسميات عدائية مع أنهم جميعاً غرباء – باستثناء السكان الأصليين "الأبورجينيز".

ما أصعب يا أمي، وما أمرّ وأقسى أن يترك المرء وطنه ومسقط رأسه وبيئته التي نشأ بها وأصدقاء طفولته وذكريات شبابه. كم هو مؤلم حقاً أن يترك المرء أهله الذين يعرفون قدره. ويتكلمون لغته، التي ينطقها دون عناء، ويقرأ فيها تاريخ حضارته وأصالة تراثه. ثم يهاجر ليعيش في بلاد غريبة، مع أناس غرباء لا يعرفون قدره ليستبدل عاداته وتقاليده بعادات وتقاليد غريبة عنه لكي يعيش كالآلة يلهث وراء الدولار، ووراء هوية جديدة.

أتعلمين يا أمي كيف يجني المهاجر رزقه في بلاد الإغتراب؟ من الأفضل أن لا أزيد همّك فأحصي لك قطرات العرق التي يحتاجها، لأنه يحتاج الى قدر كبير منها.

أمّا الهوية واللغة، وماء الوجه، ومشاعر الإنتماء فهذه جميعها درر وجواهر إفتقدناها ونحاول أن نستردها بكل ما أوتينا من عزم وتصميم.

وحتى المكاتب الرسمية يا أمي، تسمينا "الفئات الإثنية" أي الفئات المهجرية أو العرقية وهي تسمية تشمل حوالي 140 فئة إن لم تكن أكثر إذ يصل مجموع أفرادها الى حوالي الخمسة ملايين مهاجر من جميع أنحاء العالم. إن هذه التسمية تشعرهم دائماً بأنهم أجزاء منفصلة عن المجتمع في هذا البلد. (هذا طبعاً باستثناء الجالية الانجلوسكسونية التي تعتبر نفسها صاحبة البلاد) مع أن تاريخ استراليا يقول غير ذلك.

قلت يا أمي إن عدد أفراد هذه "الفئات الإثنية" أصبح يعادل حوالي 30% من مجموع سكان البلاد، ومن حسن حظها أنها أصبحت ورقة انتخابية يتسابق المرشحون للمراكز السياسية على كسب أصواتها وذلك بتقديم المزيد من الخدمات الإجتماعية والتسهيلات المهجرية، ومع ذلك لا زالت في منأى عن المراكز الحساسة في الدولة بعيدة عن المسارح السياسية والإعلامية، يعمل أكثرها بالأعمال التجارية الصغيرة والوظائف الثانوية، والأعمال اليدوية والصناعات الأولية. لقد كان من نتائج هذا التمييز السافر والمقنّع أن قرّبها من بعضها وخفف من آلام غربتها.

ويبقى السؤال الكبير يا أمي، الذي يسأله المهاجر لنفسه كل يوم: هل يعود للوطن أو لا يعود؟ لأن الوطن الذي عجز عن تأمين الحياة الكرية لأبنائه، وانشغل عنهم بمشاكله السياسية والطائفية يجب أن يتناساه ولا ينساه. وأن يعزز الوفاء لوطنه الجديد الذي وجد في رحابه الطمأنينة والأمان.

ويبقى يا أمي حب الأوطان ذلك الخيط الذي لا ينقطع، وتبقى الجذور هي الجذور.

أحبك يا أمي وأحب تراب وطني الذي أنشغل عنه بآلامه.

مهاجر

بالحب وحده

نجاة فخري مرسي

حتى الحب
متنفس القلب
ونافذة الوجدان
سنّوا له القوانين
فرضوا عليه الحراسة
وضعوا عليه علامات الإستفهام ...
مَن؟
متى؟
كيف؟
وماذا؟
ولماذا تحب؟
أخضعوه لإرادة القبيلة
الدين،
الأسرة،
الجنس، النوع ...
المصلحة:
مصلحة الأهل،
مصلحة رجال الدين،
مصلحة الجنس الأقوى ...!

* * *
ويبقى القلب
كلما نبض
ودقت نواقيسه
في لحظات انجذاب أو حيوية
لا يفرّق بين أبيض وأسود
يكسر القيود ...
يثور على الأعراف ...
يتمرّد على التقاليد ...
يتحوّل الى شمعة من نور
لا يعرف الكراهية
ولا تعاليم للمستفيدين:
"هذا عدوّك،
هذا ليس من دينك،
هذا ليس من مستواك" ...
ولا تردّد نبضاته الثائرة،
سوى أنشودة واحدة
لا يفهم سواها
أنشودة المحبة
ثم المحبة
ثم المحبة
وهذا هو الحب ...!

* * *