مع ذلك فهو إنسان

نجاة فخري مرسي
**

شعور دخيل

كُلَّما جَلسْتُ لأكتُبَ إليكَ رسالةً
أَشْعُرُ بأَننِّي أَكتبُها تحتَ التَّهديدْ ...
فتتبَخَّرُ الأفكارُ من رأسي، وتبقى الأشواقُ ...
بانتظارِ مبررٍ لهذا الشعورِ الدَّخيلْ ...

قد لا يفهمُ الإنسانُ مشاعرَهُ أَحياناً
ولا يعرفُ كيف يُفلسِفُها .
لا أَظنَّني بحاجةٍ لأن أَشرحَ لكْ ...

معزَّتكَ في قلبي ... تمنَحُني أَحاسيس جديدة ...
تتكلَّمُ بلغةٍ أُحبُّها ولكننِّي لا أَفهمُها ...
**

هذا الإنسان

صدقُهُ: مرآةٌ للحقيقةْ،
كذبُهُ: من طباع الثَّعالبْ،
رضاهُ: من مدِّ الأمواجْ،
غضبُهُ: من جَزْرِها ...
تُراهُ في البيانْ: أُنشودَةً نادرةً،
في العطاءْ: مدرسةً كاملةً،
في الجهلْ: أَداة بلبلة وتخريبٍ ...

ومع ذلكَ فَهْوَ إنسانٌ ..!

***

وجوه المرأة



نجاة فخري مرسي
وللمرأة وجوه ووجوه، هي أكثر من أن تُحدّد معالمها من امرأة إلى امرأة أخرى، ومن عالم إلى آخر. وأرى أن الكلام عن هذه الوجوه واختلافاتها، أمر شاق ومُتشعّب، قد يزيد عن قدرة هذه الصفحات على استيعابه، والأمثلة كثيرة:-
- في الهند مثلاً، كانت، وربما ما زالت تُحرق المرأة حيّة مع جثة زوجها المتوفَّى.
- في عصور الجاهلية عند العرب الرّحّل كان الآباء يدفنون الأنثى فور ولادتها ... أو يئدونها ... أو يعملون على تجويعها حتى الموت.
- في أوروبا في عصور الظلام، كانوا يلبسونها "حزام العفّة" عندما يغيب زوجها.
- في زمن الفراعنة كانت الأنثى تخضع لعملية "الختان" التي تهدف إلى حرمانها جزءً كبيراً من مشاعرها الجسدية التي منحها لها الله كباقي مخلوقاته. وما زالت بعض المجتمعات الأفريقية، وغيرها من المجتمعات المتخلّفة تمارس عملية ختان الفتيات، حتى يومنا هذا.
- كذلك في مصر، وإلى عهد غير بعيد، إعتادت مصر أن تُهدي النيل عندما يفيض كل عام فتاة شابة ليبتلعها اليم إسمها "عروس النيل"
- في غزوات القرصنة في انجلترا بالذات، كانت النساء من ضمن المغانم التي يتقاسمها القراصنة الغزاة.
- في الحروب الكونية، العالمية، أو الأقليمية في الشرق أو في الغرب، قديمها وحديثها كانت الجيوش العدوّة المحاربة والمُتحاربة، تعتدي على النساء كخطة دنيئة من مخطّطات إذلال العدو من الطرفين.
- وفي بعض البلاد – كانت المرأة تُغتصب جنسياً قبل تنفيذ حكم الإعدام.
أما وجه المرأة الحقيقي فهو ما زال غائباً ومُغيّباً، وصُور ضعفها تظهر وتختفي حسبما تسمح الظروف البيئية والمذهبية والسَّلفية.
وللخروج من هذا النّفق المظلم، الذي عاشت فيه المرأة في كل العصور، وأكثر المجتمعات، التي فرضت عليها الجهل بحرمانها من التعلّم لتكتمل حلقات استعبادها والوصاية عليها وعلى حقوقها وأموالها، وفُرض عليها أن تحمل أسماء الذكور ولا اسم لها: تحمل اسم والدها، واسم زوجها، واسم ابنها البكر أو حتى الطفل ولا اسم لها.
ومن الوجوه العجيبة التي رسموها باتقان وألبسوا تداعياتها للمرأة في بعض الكتب الدينية (1) في اسطورة "تفاحة حواء" وما أفرزته من أحكام الخطيئة الأبدية، والعقوبات الأزلية فتوارثتها الأجيال والمجتمعات البشرية المتحجّرة، ولم يجرؤ إنسان الأمس ولا إنسان اليوم على مناقشتها أو التحرر من تأثيرها – حتى الضحية نفسها، قد صدّقتها ورددتها.
وبذلك تكون المرأة قد سُجنت بأقفاص من الخوف والجهل والضعف (وغسيل الدماغ) وأصبحت كالعصفور الجميل، وهو يرى أمامه الأشجار والحدائق والآفاق الواسعة، يتمتّع بها غيره، وهو محروم من حقّه بها ولا يعلم، لماذا تمّ سجنُه!
والغريب أن العلماء والفلاسفة، وحتى العباقرة في القرون الغابرة كانوا يتوارثون سياسة العداء للمرأة، ثم يورثونها لمن بعدهم، ومن بعدهم يورثونها لمن بعدهم، وهلم جرا على مبدأ "وتمثّلوا إن لم تكونوا مثلهم، إن التمثُّل بالكبار فلاح".
**
(1) في "العهد القديم" والتعاليم الإسرائيلية

شدها إلى قلبه، وشدته إلى قلبها



نجاة فخري مرسي
**
سأَلتْهُ: قُلْ لي بربِّكَ
هل رأيتَ أَجمَلَ منِّي ؟
أَجابها: نعم ... رأيتُ ...
- إذن ما الذي شدَّكَ إليَّ ؟
* سحرُ روحَكِ ...
- وهل سحرُ روحي يَلْغي جمالي ؟
* الجمالُ موجودٌ في كلِّ زمانٍ
ومكان ...
والسحْرُ والجمالُ توأَمانِ
يجب أَلاَّ يفتَرقانِ ...
وأَنتِ عندَكِ مِنَ الإثنينِ
ما يكفيني
ويجعلُني ذلكَ المُتَيَّم
الذي يُقدِّمُ لكِ الحُبَّ بلا حدودْ .
- وهل تَغار ْ ؟
* طبعاً ...
وأَحياناً لا أَلومُ المُحبَّ الأناني
الذي يخفي حبيبَهُ عَنِ العيونْ ...
- وهل تُفكِّرُ أَنْ تخفيني
* أَنا أَكرَهُ الأنانيَّة ...

يكفيني أَنْ أَخفيكِ في قلبي،
وأَترُكَ في يدِكِ مفتاحَهُ،
فإنْ سَعِدتِ بسكناهْ،
فهذا هو الحب ...!
وإنْ مَللتِ،
فما فائدتي من تحويل قلبي
إلى سجنٍ للعصافيرْ ...

- أَنا قرَّرتُ أَن أَسكُنَ قلبَكَ
وأَرمي مفتاحَهُ في البحرِ ...

* وأَنا قرَّرتُ
أَنْ أُقدِّمَ قلبي هديَّةً لساكنتهْ ...
- صِفني ...
* أَنتِ حبيبتي
- حتَّى وصفُكِ لي "بالقطَّارةِ" ؟
* هذه "القطَّارةِ" هي السَّدُّ المنيعْ
الذي يَقفُ في وجهِ طوفانِ عواطفي
ويحافظُ على مخزونها ...
- أَنا مصِرَّةٌ ...
- أُريدُكَ أَنْ تصِفْني بتبسُّطِ ...

* أَبدأُ بشفتكِ السُّفلى ...
- وماذا عن شفتي السُّفلى ؟
تُنـزلُ الفارسَ عن جوادِهْ ...
- هل إذا رآها ؟ أَم إذا لمَسها ؟
* إذا لمَسَها أَقتُلهُ .

وشَدَّها إلى قلبِهْ ... وشدَّتَهُ إلى قلبها ...
وغَلَبْهما النُّعاسْ ...!
وكلٌّ منهما يحلَمْ :
بأَنْ يُبْقى الزَّمنْ سعادتهُما ...؟
***


وجوه الرجل


نجاة فخري مرسي
للرجل وجوه عديدة، كما للمرأة، كما لكل مخلوق، في كل زمان وفي كل مكان. أبرزها وأهمها قدرته على الإبداع في مجالات التنمية، ببناء المدن والأبراج والطرق والجسور والفنون المعمارية كلها. كذلك في بناء السفن والطائرات وكذلك في أمور التكنولوجيا على أنواعها، بل في كل ما يدرّ عليه الأرباح المادية.
هذا في الميادين الإيجابية والمفيدة. أما في الميادين السلبية والضارّة فهو يتمتع بنفس القدر والقدرة، فهو ينتج أسلحة الدمار الشامل ثم يوقد الحروب ليسوّقها، مما يتسبّب في حرق الحضارات التي بناها كل عدّة عقود من الزمن أو عدة قرون.
ومن وجوه الرجل الغريبة المتقاربة أنه هو الذي يقتل، ويشنق، ويُعذّب ويُدمّر. وهو نفسه الذي يؤسس مؤسسات رعاية الأيتام والمعاقين، والمكاتب التي تعني بحقوق الإنسان.
وهذا الرجل هو نفسه، الذي يسلب الشعوب حرّياتها ومقدّراتها ويستعبدها بيد، ثم يعود ويقدم للفقراء منها المنح والمساعدات المادية باليد الأخرى.
من الصعب التصديق بأنه نفس الإنسان في مجالات الخير والشرّ !! فما معنى هذا؟ هل هو يعني وجود فوارق بين رجل ورجل؟ أم أنها إزدواجية بفارق الشخصية أو التربية والبيئة؟ أم أنه يشير إلى أن للرجل أكثر من شخصية تَطغى إحداها على الأخرى، حسب الظروف، التي منها المطامع ومنها القناعة؟ وأكثر ما يهمنا في هذا المجال هو: وجه الرجل مع المرأة. ولنقرأ بعضها:-
"أجريت في أمريكا بحوث عدّة حول حقوق المرأة المعاصرة، ومواقف الرجال والقانون، والمجتمع منها، وكانت أكثر النتائج تشير إلى أن سلبية الرجل هي السبب في ضياع هذه الحقوق وتجاهلها ... وأن نظرته الرجعيّة أحياناً، لا تتناسب مع عصره، أو مع سياسة حقوق الإنسان السائدة في القرن العشرين. وقال أحد الباحثين (الذي سقط اسمه سهواً في المقال) ما يلي:
1- مشكلة الرجل في أنه يُحب أن يرى زوجته تابعة وضعيفة، ولا بدّ من أن تخضع لإرادته القوية، بالقدر الذي يُرضي غروره. وأن أية محاولة من جانبها لمناقشة هذا الوضع، يعتبرها عصياناً، وخروجاً على قوانينه الخاصة التي عشّشت في عقله الباطن منذ أقدم العصور، فأصبحت جزءاً من طبيعته وأسلوب تفكيره، ومشكلة الرجل أنه عمل دائباً على تجهيل المرأة وإضعافها ومصادرة قرارها ثمّ انطلق يُعرّض بجهلها وضعفها. والحقيقة هي أنه:-
- لا يوجد رجل في الألف يرضى أن يُعطي المرأة حقوقها طوع إرادته ...
- ولا يوجد رجل في الألف يرضى أن تقول له المرأة كلمة (لا) حتى في مخدع الزوجية ...
- ولا يوجد رجل في الألف يحب امرأة لذاتها، بل يكون حبه لها نابعاً من حبه لنفسه ...
- ولا يوجد رجل في الألف يعترف أن تفوّقه في الإنتاج الفكري ناتج عن عامل التركيز الذي توفره له المرأة، أماً كانت أم أختاً أو زوجة ...
- كذلك لا يوجد رجل في المليون يرضى أن يقوم بأي عمل مهما كان نوعه أو حجمه دون مقابل أو أجر."
* ومع ذلك يريد أن تعمل المرأة دائماً في كنفه كأم وزوجة وربة أسرة بدون أجر. وأن تبقى موظفة في مصانعه ومكاتبه بنصف أجر.
والأهم أنه يغضب ويُناصبها العداء كلما حاولت أن تُطالب ببعض حقوقها الطبيعية في حرية الرأي أو الحقوق السياسية والإقتصادية.
ومن الأمثلة على سلوكيات الرجل في حب السيطرة، أن بعض الرجال، إن لم يكونوا كلهم، لا يجد غرابة في أن يمسك بزمام ثروته وميزانيته ثم يعطي من يشاء، ويحرم كيفما يشاء, ولكنه يقيم الدنيا ويقعدها إذا حاولت المرأة أن تمسك بزمام ثروتها الموروثة أو دخلها من عملها بنفس الطريقة، ويعتبر ذلك مخالفاً لاشتراكية الأسرة.
كذلك يعمل كل رجل في العالم، في أوقات العمل، ويعود في آخر النهار إلى منزله ليستريح. ويعمل في أيام الأسبوع، ويعود في آخر الأسبوع إلى منزله ليستريح.
ويعمل في أشهر العام، ويعود في آخرها ليتمتع بأجازة طويلة. ولا يرى أن من حق زوجته أم أولاده إستراحة مماثلة في آخر النهار، أو في آخر الأسبوع، أو في آخر العام، أو حتى في آخر العمر.
وأنا هنا لا أدعو صديقنا الرجل إلى أن يقدّر من لا تستحق التقدير من النساء وأن لا يلهيه غروره عمن تستحق هذا التقدير.
ولكن كل ما يجب قوله في هذا المقام هو أن لا يُعمم العداء والتمييز على مجمل النساء، بحيث يشمل تعميمه المثقفات، والأمهات والمتفوقات.
كما أنه لا بدّ لي أيضاً من التفريق بين رجل ورجل آخر، لأن رجل الهند ليس كرجل اليابان، ورجل فرنسا اليوم ليس كنابليون الأمس ... ورجل الشرق ليس كرجل الغرب. وإن تكن ملامح السلوك والحفاظ على السلوك الذي يوحي بالفوقية عندهم جميعهم واحداً. وتعصّبهم ضدّ انطلاقة المرأة محسوب ومُرسَّخ في عقولهم الباطنة ... (وهذا التحسّب المتخوّف قد عبّر عنه الفيلسوف "فرويد" عندما اعترف وأقرَّ بأن الرجل يخاف المرأة).
ولكن، كيف يخاف الرجل، صاحب العضلات من المرأة التي تقلّ قوّتها الجسدية عن قوّته الجسدية بحوالي الثلث (أي 30 ٪)؟
والإجابة البديهية تعني الخوف من قدرتها الفكرية والجنسية، ومن كونها المنافس الوحيد له، إذا تمكنت من استعمال قدراتها الذهنية مع ما تتمتع به من صبر واجتهاد، وقدرة على التحمّل والمثابرة، ونظافة الكف، والفراسة. قد يؤثر هذا على حساباته المادية.
وإنّ أكثر ما يخيف الرجل من المرأة ربما تأثيرها الأنثوي عليه.
***

سامحك الله.. يا أغلى الناس


نجاة فخري مرسي
**
عتاب

تقولُ لي:
أَنتِ قاسيةٌ
أَقولُ لكَ:
أَنَّ قسوتَكَ هي السبَبُ ...
يُلوِّحُ كِلانا بالقسوةِ
على الرَّغمِ مما نُحسَّهُ
مِنْ شوقٍ وحنينْ ...
سامَحَكَ اللهُ
يا أَغلى النَّاس ...!
***

من وحي الإستجمام

عجباً لذلكَ الشاطئ الذَّهبي
تُوشْوِشُكَ مياهُهُ ...
تُشِدُّكَ آفاقُهُ ...
تَستَفِزُّ أَفكارَكَ
وكأَنَّها تُحَدِّثكَ عن
حكاياتِ عشقٍ أَزليَّة ...
تذهبُ بكَ بعيداً
في رِحلةِ بحثٍ عَنِ المجهولْ ...!

- 2 -
عَجباً لتلكَ الأمواج
يتَكَسَّرُ غَضَبُها على صخورِكَ ورمالِكَ
ثمَّ تنحسرُ رقيقةً على قدميك
لتعودَ مزمجرةً من جديدْ ...
ما سِرُّها ...؟
وماذا وراؤها ...؟

***