وجوه الرجل


نجاة فخري مرسي
للرجل وجوه عديدة، كما للمرأة، كما لكل مخلوق، في كل زمان وفي كل مكان. أبرزها وأهمها قدرته على الإبداع في مجالات التنمية، ببناء المدن والأبراج والطرق والجسور والفنون المعمارية كلها. كذلك في بناء السفن والطائرات وكذلك في أمور التكنولوجيا على أنواعها، بل في كل ما يدرّ عليه الأرباح المادية.
هذا في الميادين الإيجابية والمفيدة. أما في الميادين السلبية والضارّة فهو يتمتع بنفس القدر والقدرة، فهو ينتج أسلحة الدمار الشامل ثم يوقد الحروب ليسوّقها، مما يتسبّب في حرق الحضارات التي بناها كل عدّة عقود من الزمن أو عدة قرون.
ومن وجوه الرجل الغريبة المتقاربة أنه هو الذي يقتل، ويشنق، ويُعذّب ويُدمّر. وهو نفسه الذي يؤسس مؤسسات رعاية الأيتام والمعاقين، والمكاتب التي تعني بحقوق الإنسان.
وهذا الرجل هو نفسه، الذي يسلب الشعوب حرّياتها ومقدّراتها ويستعبدها بيد، ثم يعود ويقدم للفقراء منها المنح والمساعدات المادية باليد الأخرى.
من الصعب التصديق بأنه نفس الإنسان في مجالات الخير والشرّ !! فما معنى هذا؟ هل هو يعني وجود فوارق بين رجل ورجل؟ أم أنها إزدواجية بفارق الشخصية أو التربية والبيئة؟ أم أنه يشير إلى أن للرجل أكثر من شخصية تَطغى إحداها على الأخرى، حسب الظروف، التي منها المطامع ومنها القناعة؟ وأكثر ما يهمنا في هذا المجال هو: وجه الرجل مع المرأة. ولنقرأ بعضها:-
"أجريت في أمريكا بحوث عدّة حول حقوق المرأة المعاصرة، ومواقف الرجال والقانون، والمجتمع منها، وكانت أكثر النتائج تشير إلى أن سلبية الرجل هي السبب في ضياع هذه الحقوق وتجاهلها ... وأن نظرته الرجعيّة أحياناً، لا تتناسب مع عصره، أو مع سياسة حقوق الإنسان السائدة في القرن العشرين. وقال أحد الباحثين (الذي سقط اسمه سهواً في المقال) ما يلي:
1- مشكلة الرجل في أنه يُحب أن يرى زوجته تابعة وضعيفة، ولا بدّ من أن تخضع لإرادته القوية، بالقدر الذي يُرضي غروره. وأن أية محاولة من جانبها لمناقشة هذا الوضع، يعتبرها عصياناً، وخروجاً على قوانينه الخاصة التي عشّشت في عقله الباطن منذ أقدم العصور، فأصبحت جزءاً من طبيعته وأسلوب تفكيره، ومشكلة الرجل أنه عمل دائباً على تجهيل المرأة وإضعافها ومصادرة قرارها ثمّ انطلق يُعرّض بجهلها وضعفها. والحقيقة هي أنه:-
- لا يوجد رجل في الألف يرضى أن يُعطي المرأة حقوقها طوع إرادته ...
- ولا يوجد رجل في الألف يرضى أن تقول له المرأة كلمة (لا) حتى في مخدع الزوجية ...
- ولا يوجد رجل في الألف يحب امرأة لذاتها، بل يكون حبه لها نابعاً من حبه لنفسه ...
- ولا يوجد رجل في الألف يعترف أن تفوّقه في الإنتاج الفكري ناتج عن عامل التركيز الذي توفره له المرأة، أماً كانت أم أختاً أو زوجة ...
- كذلك لا يوجد رجل في المليون يرضى أن يقوم بأي عمل مهما كان نوعه أو حجمه دون مقابل أو أجر."
* ومع ذلك يريد أن تعمل المرأة دائماً في كنفه كأم وزوجة وربة أسرة بدون أجر. وأن تبقى موظفة في مصانعه ومكاتبه بنصف أجر.
والأهم أنه يغضب ويُناصبها العداء كلما حاولت أن تُطالب ببعض حقوقها الطبيعية في حرية الرأي أو الحقوق السياسية والإقتصادية.
ومن الأمثلة على سلوكيات الرجل في حب السيطرة، أن بعض الرجال، إن لم يكونوا كلهم، لا يجد غرابة في أن يمسك بزمام ثروته وميزانيته ثم يعطي من يشاء، ويحرم كيفما يشاء, ولكنه يقيم الدنيا ويقعدها إذا حاولت المرأة أن تمسك بزمام ثروتها الموروثة أو دخلها من عملها بنفس الطريقة، ويعتبر ذلك مخالفاً لاشتراكية الأسرة.
كذلك يعمل كل رجل في العالم، في أوقات العمل، ويعود في آخر النهار إلى منزله ليستريح. ويعمل في أيام الأسبوع، ويعود في آخر الأسبوع إلى منزله ليستريح.
ويعمل في أشهر العام، ويعود في آخرها ليتمتع بأجازة طويلة. ولا يرى أن من حق زوجته أم أولاده إستراحة مماثلة في آخر النهار، أو في آخر الأسبوع، أو في آخر العام، أو حتى في آخر العمر.
وأنا هنا لا أدعو صديقنا الرجل إلى أن يقدّر من لا تستحق التقدير من النساء وأن لا يلهيه غروره عمن تستحق هذا التقدير.
ولكن كل ما يجب قوله في هذا المقام هو أن لا يُعمم العداء والتمييز على مجمل النساء، بحيث يشمل تعميمه المثقفات، والأمهات والمتفوقات.
كما أنه لا بدّ لي أيضاً من التفريق بين رجل ورجل آخر، لأن رجل الهند ليس كرجل اليابان، ورجل فرنسا اليوم ليس كنابليون الأمس ... ورجل الشرق ليس كرجل الغرب. وإن تكن ملامح السلوك والحفاظ على السلوك الذي يوحي بالفوقية عندهم جميعهم واحداً. وتعصّبهم ضدّ انطلاقة المرأة محسوب ومُرسَّخ في عقولهم الباطنة ... (وهذا التحسّب المتخوّف قد عبّر عنه الفيلسوف "فرويد" عندما اعترف وأقرَّ بأن الرجل يخاف المرأة).
ولكن، كيف يخاف الرجل، صاحب العضلات من المرأة التي تقلّ قوّتها الجسدية عن قوّته الجسدية بحوالي الثلث (أي 30 ٪)؟
والإجابة البديهية تعني الخوف من قدرتها الفكرية والجنسية، ومن كونها المنافس الوحيد له، إذا تمكنت من استعمال قدراتها الذهنية مع ما تتمتع به من صبر واجتهاد، وقدرة على التحمّل والمثابرة، ونظافة الكف، والفراسة. قد يؤثر هذا على حساباته المادية.
وإنّ أكثر ما يخيف الرجل من المرأة ربما تأثيرها الأنثوي عليه.
***