مسؤولية المرأة

نجاة فخري مرسي

بدأت المرأة الاسترالية القيام بدورها الطليعي في الامور السياسية والاجتماعية والانسانية. وبذلك تكون قد وسّعت قاعدة نشاطها من دائرة "تحرير المرأة" و "حقوق المرأة" الى المشاركة في المشاكل الانسانية والدولية العامة التي تخص الجنس البشري ككل.
وفي الاسبوع الماضي تظاهرت حوالي 500 سيدة أمام محطة "باين غاب" الاميركية للارسال اللاسلكي الذي يقوم بتوجيه جميع السفن الحربية التي تحمل قنابل واسلحة ذرية في المحيطات المحيطة باستراليا.. اعتقاداً منهن بأن هذه المحطة ستكون من الاهداف الهامة اذا قامت حرب ذرية وأن وجودها سيجرّ الويلات النووية على استراليا ومن فيها.
ثم قررت المتظاهرات الاعتصام لمدة اسبوعين أمام المحطة لجذب انتباه وسائل الاعلام والشعب الاسترالي ككل لمشاركتهن الرأي في خطورة وجود هذه المحطة الاميركية التي تجهل استراليا ما يدور في داخلها.
وقد وفرت الحكومة أعداداً كبيرة من قوى البوليس المحلي والفيدرالي أثناء المظاهرة والاعتصام لحفظ الامن وحماية المحطة.
أما المبادرة الثانية التي قامت بها المرأة الاسترالية في نفس الاسبوع كانت مظاهرة مكونة من سيدتين فقط دفعت كل منهما مبلغ 459 دولاراً لحضور محاضرة لهنري كيسنجر اثناء وجوده في ملبورن، وهما مسز موزان غور ومسز روز ايسون – من المعروف أن هنري كيسنجر الذي يزور استراليا لالقاء محاضرات عن فلسفة الاقتصاد السياسي بصفته وزير خارجية سابق ومستشار ريغان لشؤون اميركا الوسطى حالياً – وعند فتح باب الاسئلة وقفت مسز ايسون لتسأل مستر كيسنجر سؤالاً محرجاً عن تدخل الاستخبارات الاميركية في نيكاراغوا وصرفها لمبلغ 50 مليون دولار لتشجيع الارهاب في المنطقة، فحاول رئيس الجلسة ان لا يعطيها الحق في هذا السؤال لكنها أصرت على سماع جواب كيسنجر، فأجابها كيسنجر منكراً هذا الاتهام. أما مسز غور فكان سؤالها عن تدخل اميركا في كمبوتشيا، أما صوتها فضاع بين الضجيج الذي افتعله الحضور.
هذا ما حدث داخل القاعة في حين وقفت مجموعة كبيرة من النساء للتظاهر ضد وجود كيسنجر، يحملن يافطات كتب عليها عبارة "لتخرج اميركا".
هذه بوادر نهضة نسائية في استراليا ذات لون جديد تخدم السلام وتستنكر استعمال الارض الاسترالية لمصالح استراتيجية اجنبية تعرّضها وتعرّض اولادها لحرب إبادة لا دخل لها فيها.
وأنا إذ أدرج هذه التحركات النسائية لا للحصر ولا للعد وإنما على أمل أن أقدمها مثلاً لنساء الامة العربية التي يفني رجالها بعضهم بعضاً ويحرقون الاخضر واليابس ويضحون بالاطفال والشيوخ على مذابح التبعية والاطماع والاحقاد، وينقسمون الى فئات منها من يستقبل الاستعمار ويستعين "بتشريفه" لتصفية الحسابات القديمة... ومنهم من يستضيف أشباه الاستعمار باسم القومية والوطنية، ومنهم من يستعمل الدين لسنّ خناجر الموت وإشعال فتائل المتفجرات، والنساء يهربن بأطفالهن من ملجأ الى آخر لا حول لهن ولا قوة.
أين المرأة العربية؟ لم لا تقف وقفتها لتستصرخ ضمائر الرجال؟ ولتطالب بوقف النزيف؟ لإنقاذ الأوطان/ أين نساء لبنان؟ لم لا يتظاهرن ولا يعتصمن؟ ولا يخرجن من المخابئ والملاجئ والجحور ليثرن على اطنان القنابل، وأكوام البنادق والمتفجرات؟ ويرمينها في اليمّ، ويشعلن فيها النار؟ لتحرق البغضاء وتدمر الحقد وتطهر القلوب وتعيد للوطن المنكوب حياته وحيويته وطهارة أرضه، والى أطفاله الحياة الطبيعية والمستقبل الباسم.

الهرم الرابع

نجاة فخري مرسي

شكراً للتلفزيون الاثني الذي عرض لنا فيلماً تسجيلياً عن حياة كوكب الشرق أم كلثوم وأطلق عليه إسم "الهرم الرابع".
وشكراً للمنتج الفرنسي الذي أنتج هذا الفيلم التسجيلي عن معجزة من معجزات الغناء العربي، التي سبقت، كما قال، "بياف" و "ماريا كالاس".
قضينا ساعة مع عرض تحليلي لقصة حياة الطفلة المعجزة التي منحها الله صوتاً له طبقات لا مثيل لها طبقاً للتحليل العلمي للأصوات.
عرض خلالها رحلتها السريعة الى القمة لإصرارها على مستوى كلمات أغانيها فقفزت بالأغنية العربية من المبتذلة الى الأغنية العاطفية الراقية التي يمكن اعتبارها أغنية كلاسيكية.
كما عرض أم كلثوم الإنسانة التي كانت تساعد أهل قريتها الفقراء على تحصيل العلم في مصر والخارج.. وعرّف على أم كلثوم منشدة الأغاني الحماسية التي ألهبت حماس الشعب والجنود في معاركهم المصيرية وأم كلثوم الوطنية التي بكت ومرّت بأزمة نفسية حادّة عندما سمعت أخبار نكسة 1967، وتحولت بعدها لفترة تردد الأغاني الدينية وهي تتألم بسبب إلقاء اللوم على صوتها ووصفه بأفيون الشعب الشعب العربي وأنه كان من أسباب النكسة.
ثم استعادت أم كلثوم عزيمتها وارتفعت راياتها، وبدأ صوتها يجمع الدول العربية مرة أخرى حول قيادة من آمنت به، ومثلت أم كلثوم الرمز العربي الوحيد الذي اجتمعت حوله عواطف الشعوب العربية بأكملها، بعد عبد الناصر الذي قطعت بسببه رحلتها الى موسكو وألغت ارتباطاتها للقيام بواجبها في توديع بطل القومية العربية يوم وفاته.
كنا نود أن نوجه شكرنا الى مصر أو أية دولة عربية لإخراج مثل هذا الفيلم، ولكن حتى أم كلثوم معبودة الجماهير لم تخرج البلاد العربية فيلماً واحداً عن قصة حياتها لتخليدها، على الرغم من شرائهم لمليون ونصف نسخة من أغانيها سنوياً.
لقد تبجح مناحيم بيغن وادعى في أول زيارة للقاهرة قائلاً بأنه في منتهى السعادة بعودته الى مصر ليتمتع بمشاهدة الأهرامات، التي بناها أجداده، وكانت كذبة صهيونية محترفة وبعيدة المرمى.
ويظهر أن الهرم الرابع "أم كلثوم" قد سبقنا في بنائه مخرج فرنسي، فشكراً له، على قيامه بواجب كان على الشعب أن لا يهمله.