ثلاث قصائد لنجاة فخري مرسي


أنشودة الضياع

ما هذا الفراغ ُ الذي يلفُّني ؟
والغربَةُ التي تعصرُ فؤادي ؟
والأملُ الذي تاهَ في زحمةِ الحياةْ ...
وعروقُ المحبَّةِ التي تآتكَلَتْ ...
على أَعقابِ قَدَري
وفي محرابِ غُربَتي
وفي مرآة شيخوخَتي
أُتـمْتِمُ
أُنشودَةَ الضَّياعِ ...!


أَشعُرُ بأَننِّي عصفورٌ "مهاجرٌ"
تاهَ عن سِربِهِ
وقطرَةُ ماءٍ، إتنطَرتْ من زخَّةِ مطرٍ،
ووترٌ منفردٌ، في سيمفونيَّةٍ يتيمةْ ...
أَفتقِدُ أَملاً، أَحيا لأجلِهِ.
أَراني الدَّمعَةَ الحائرةْ ...
والكلمة الثّائرهْ ...
أَراني الجوهَرةَ التي تُباعْ،
والقصيدةَ التي لا تُذاعْ،
وأَراني أُنشودَةَ الضَّياعْ ...!

***
أَيها الحبيبُ ... الحبيبْ

أَنا لا أُحِبُّكَ لأحتويكَ،
أَنا أُحِبُّكَ لأننَّي أُنفِّذُ بحبِّكَ قدري
أَخضعُ لأوامرَ عينيكْ ...
من حقِّي أَن أَخفيكَ في سويداءِ قلبي،
وليسَ من حقِّي
أَن أَدخُلَ قلبَكَ بدون إستئذانْ ...
مِنْ حقِّي أَن أَحتَضِنَ الفائضَ مِنْ سحرِكَ ...
وليسَ من حقِّي أَن أَسأَلكَ المزيدْ ...

من حقِّي أَن أَحلمَ بنظراتِكَ،
ولكن، ليسَ من حقِّي
أَن أَحتَكِرَها ...!
قُلْ يا فؤادي
لِمَنْ هذه النَّبضاتِ ؟
لِمَنْ هذه الخفقاتِ ...؟
أَليستْ منكَ إليَّ،
ومنِّي إليكَ ...؟

***
قصَّة عصفور
"لا يفهم الشَّحارير إلاَّ الشَّحاريرْ"
كان عصفوراً طليقاً .
الدُّنيا مِلكَهُ:
الفضاءُ ... والهواءُ ...
الجمالُ والأملْ ...
قرَّرَ أَن يبني له عُشّـاً
ولكنَّ العُشَّ بقيَ خالياً
تبَخَّرتْ آمالُهُ

التي تصوَّرَها بزرقةِ السَّماءْ،
وسعةِ الفضاءْ،
ضَمُرَ العصفورُ
وتغيَّرَ شكْلُهُ،
بَـهُتَ ريشُهُ،
نسيَ التغريدَ،
وملَّ التحليقْ ...
وفجأةً سمعَ من وراء حدودِ منفاه ...
صوتَ شحرورةٍ جميلة
تسيرُ مع فراخِها بلا رفيقٍ ...

تبحثُ عن صديقٍ
يُغرِّدُ بأسلوبها ...
أَجابها:
رجَّعَ الصَّدى صوتُهُ الملهوفْ ...
أَجابتهُ بلهفَةٍ مماثلةْ ...
فامتزجَ الصَّوتانِ
وتألَّفتْ منهما
أُنشودَةُ أَملٍ،
وحبٍّ كبيرْ ...!
***


لمن أوسمة البطولة ؟


نجاة فخري مرسي

في موكب مهيب ... وقفت أوزع بعض أوسمة البطولةِ من نوعٍ خاص ... (لأنني أرفضُ أن تبقى أوسمة البطولةِ وقفٌ على حملةِ السلاحِ والقنابلِ المدمرةْ ...)

- مَنَحتُ وسامَ بطولةٍ للأمومَةِ المعطاءَه
التي تُعطي الأجيالَ دون أَن تطلُبَ ممّن
حملتهم في أَحشائِها وسهَرتْ عليهم الليالي
أَن يحملوا إسمَها على الأقلْ...

- مَنَحتُ وسامَ بطولةٍ لربَّاتِ البيوتِ اللواتي يَقُمنَ بعشراتِ الوظائفِ بلا مقابلْ ... ومع ذلك يتحمَّلْنَ الإقلالَ من قدرِهِنَّ ومن إعتبارهِنَّ عالةً على الأزواجْ...

- مَنَحتُ وسامَ بطولةٍ لكلِّ ذي عاهةٍ مُزمنةٍ يعتمِدُ على نفسهِ ولا يجدُ من حقِّهِ الإعتمادَ على الآخرينْ...
- مَنَحتُ وسامَ بطولةٍ للمدرِّسِ الذي يُدرّسُ التَّربيةَ والمعرفةَ، ويُقابَلُ بقِلَّةِ التربيةْ...
- مَنَحتُ وسام بطولةٍ لشابةٍ زوَّجها أَبوها لرجلٍ بعمره فقبِلَتْ حِكمَ هذا الأَبِ الظالمُ ولم تتبرَّأ منهْ...

- مَنَحتُ وسامَ بطولةٍ للإنسان الذي يقاومُ غرائِزَهُ حفاظاً على إنسانيتَهُ...

- مَنَحتُ وسامَ بطولةٍ للجنسِ اللَّطيفِ الذي أَصبحَ ضحيَّةَ الإجرامِ والإعتداءاتِ المُشينَةِ ولم يأخذُ موقفاً من الجنسِ الآخرِ...

- وآخرُ وسامِ بطولةٍ منحتُهُ لكبارِ القلوبِ ومحبِّي الخيرِ وفاعليهْ.***

وجه المرأة المُعاصرة


نجاة فخري مرسي
كثيرا ما يجتمع الوجهان، الوجه المعاصر، والوجه المثقف، في امرأة واحدة. فالمرأة المثقفة تحب أن تعتبر أنها ثُقِّفت لأنها معاصرة، أو أنها تعصرنت لأنها مثقفة.
وهنا نرى أن الثقافة هي العامل المساعد لسلوك العصرنة وليس العكس.
أما وجه المرأة في العصر الحضاري الحديث، فهو وجه منير مفرح من جهة ومثير للأسى والأسف من جهة أخرى. إذ نرى أن المرأة بعد أن تعلّمت وشغلت الوظائف، وتبوّأت المراكز الأكاديمية والسياسية والإدارية والثقافية، بدأت تواجهها صعوبات وتحدّيات بل صراعات من نوع جديد، أوَّلُها تلك التحدّيات التي تعبّر عن إصرار الزوج وعناده في افشال المرأة والعودة بها إلى المنزل.
وبما أن المواجهة كانت سابقاً ما بين القوي المتمكّن، والضعيف المتلقّى أصبحت الآن بين قوي وقوي، مما يجعلها أكثر ضراوة، وأشدّ ضرراً على الأسرة والمجتمع.
ومن تحدّيات الرجل الجديدة ومخططاته للإستمرار في إضعاف المرأة واستغلالها إلى حدّ الضياع. ذلك العمل على إلهاء أكبر شريحة من النساء غير الواعيات إمّا بصرخات الموضة السّخيفة، وإمّا بإغرائهنّ بالأجور العالية لعرض أجسادهنّ على أغلفة المجلاّت أو في الدعايات التجارية وفي وسائل الإعلام المرئية، وهكذا تقع هذه الشريحة من النساء غير الواعيات فريسة لألاعيب الرجل المستغلّ واللاّمسؤول.
أما بالنسبة إلى الشريحة الباقية المثقفة الواعية والتي لم يعد من السهل خداعها، فقد بدأ المجتمع الرجالي ينشر دعايات عدم الثقة بكفاءتها كطبيبة، أو مهندسة، أو محامية، أو شريكة في عمل أو وظيفة أو في مكتب لتأكيد ما في تفكيره المُبرمَج.
وهذا يغريني بأن أضع الجزء الأكبر من اللوم على المرأة نفسها جاهلة كانت أم متعلّمة، وأراها تنساق وتنسى أنها أمام خصم عنيد يرفض أن يرى عصفورته الجميلة "المفيدة" تحلّق بأجنحة سليمة خارج أقفاصه المادية والمعنوية. وأنه يحاول أن يعيدها إلى حيث كانت مهما كلّفه الأمر، ليرضي غروره، ويؤكد فوقيته وسلطانه.
"حبذا لو تعمل المرأة المثقفة بالمقابل على تأكيد وعيها وثقتها بنفسها فيكتمل التكافؤ، وينعما بالصداقة، وحسن النوايا، إذا توفّرت من الجانب المغرور.
خاتمة الكلام أن المرأةلم تغب عن مسارح الحياة، ولكنّها غُيّبت.
- ثم دعونا نتذكّر معاً أنّ التي حملت يسوع وهربت به من المتربّصين بحياته إلى مصر، كانت (امرأة) وهي أمّه السيدة مريم.
- وأن أول من أنزل المسيح عن الخشبة بعد صلبه (كنّ ثلاث نساء)
- وأن السيدة خديجة كانت صاحبة الفضل في نشر الرسالة المحمدية وأنها كانت أول من أسلم بين النساء والرجال وهي (إمرأة).
- وأن الملكة "إيزابيلاّ" – ملكة أسبانيا، هي التي شاركت في تمويل رحلة كريستوفركولمبوس، التي كانت نتيجتها اكتشاف القارة الأمريكية وهي (إمرأة).
- ودعونا نتذكّر أن الكاتبة "هارييت ستو" مؤلفة رواية "كوخ العم طوم" التي كانت الشرارة في اشعال ثورة الشعب الزنجي (المستورد من أفريقيا لخدمة الإنسان الأبيض الذي استعبده لأجيال وأجيال). وأن روايتها هذه كانت الدافع الخفي وراء إصدار الرئيس الأمريكي ابراهام لنكلن قراره التاريخي لتحرير العبيد، كانت (إمرأة). وأخيراً وليس آخراً
- ودعونا نتذكّر الرائدة "سوزان أنطوني" التي لُقبت (بنابليون الحركة النسائية) التي ناضلت طيلة سنين حياتها في سبيل حقوق المرأة، ومحاربة القوانين المجحفة. وفي سبيل تخطّي العقبات والعراقيل القانونية والإجتماعية المعوّقة لتقدم المرأة منذ العام 1848 حتى تاريخ وفاتها عام 1906 وهي (إمرأة).
- ودعونا نتذكّر ماري سكولودف (مدام كوري) التي اكتشفت مادة اليورانيوم المشعّ الذي أحدث ثورة في عالم الطب، والتي نالت جائزة نوبل مرتين. وكانت بذلك المخلوق الوحيد بين الرجال والنساء الذي ينال الجائزة مرتين، وكانت "إمرأة".