رسالة من مهاجر

نجاة فخري مرسي
أنا يا أمي أحب بلدي الجديد، وأعتبره وطني الثاني، لأنه يؤمّن لي فرص العمل والحياة المستقرة والمستقبل الأفضل. ولكن بعض المتعصبين فيه – وما أكثرهم – يصرّون على إشعاري دائماً بأنني غريب – مواطن من الدرجة الثانية – بل ويطلقون عليّ تسميات عدائية مع أنهم جميعاً غرباء – باستثناء السكان الأصليين "الأبورجينيز".

ما أصعب يا أمي، وما أمرّ وأقسى أن يترك المرء وطنه ومسقط رأسه وبيئته التي نشأ بها وأصدقاء طفولته وذكريات شبابه. كم هو مؤلم حقاً أن يترك المرء أهله الذين يعرفون قدره. ويتكلمون لغته، التي ينطقها دون عناء، ويقرأ فيها تاريخ حضارته وأصالة تراثه. ثم يهاجر ليعيش في بلاد غريبة، مع أناس غرباء لا يعرفون قدره ليستبدل عاداته وتقاليده بعادات وتقاليد غريبة عنه لكي يعيش كالآلة يلهث وراء الدولار، ووراء هوية جديدة.

أتعلمين يا أمي كيف يجني المهاجر رزقه في بلاد الإغتراب؟ من الأفضل أن لا أزيد همّك فأحصي لك قطرات العرق التي يحتاجها، لأنه يحتاج الى قدر كبير منها.

أمّا الهوية واللغة، وماء الوجه، ومشاعر الإنتماء فهذه جميعها درر وجواهر إفتقدناها ونحاول أن نستردها بكل ما أوتينا من عزم وتصميم.

وحتى المكاتب الرسمية يا أمي، تسمينا "الفئات الإثنية" أي الفئات المهجرية أو العرقية وهي تسمية تشمل حوالي 140 فئة إن لم تكن أكثر إذ يصل مجموع أفرادها الى حوالي الخمسة ملايين مهاجر من جميع أنحاء العالم. إن هذه التسمية تشعرهم دائماً بأنهم أجزاء منفصلة عن المجتمع في هذا البلد. (هذا طبعاً باستثناء الجالية الانجلوسكسونية التي تعتبر نفسها صاحبة البلاد) مع أن تاريخ استراليا يقول غير ذلك.

قلت يا أمي إن عدد أفراد هذه "الفئات الإثنية" أصبح يعادل حوالي 30% من مجموع سكان البلاد، ومن حسن حظها أنها أصبحت ورقة انتخابية يتسابق المرشحون للمراكز السياسية على كسب أصواتها وذلك بتقديم المزيد من الخدمات الإجتماعية والتسهيلات المهجرية، ومع ذلك لا زالت في منأى عن المراكز الحساسة في الدولة بعيدة عن المسارح السياسية والإعلامية، يعمل أكثرها بالأعمال التجارية الصغيرة والوظائف الثانوية، والأعمال اليدوية والصناعات الأولية. لقد كان من نتائج هذا التمييز السافر والمقنّع أن قرّبها من بعضها وخفف من آلام غربتها.

ويبقى السؤال الكبير يا أمي، الذي يسأله المهاجر لنفسه كل يوم: هل يعود للوطن أو لا يعود؟ لأن الوطن الذي عجز عن تأمين الحياة الكرية لأبنائه، وانشغل عنهم بمشاكله السياسية والطائفية يجب أن يتناساه ولا ينساه. وأن يعزز الوفاء لوطنه الجديد الذي وجد في رحابه الطمأنينة والأمان.

ويبقى يا أمي حب الأوطان ذلك الخيط الذي لا ينقطع، وتبقى الجذور هي الجذور.

أحبك يا أمي وأحب تراب وطني الذي أنشغل عنه بآلامه.

مهاجر