أنقذوها يا سادة

نجاة فخري مرسي
أكتب هذه الكلمة، وقلبي يرتعش من الخوف، مع أنني أحمد الله على أن "الشهامة العربية" قد منحتني بعض "الحصانة النسائية" التي لا أحب أن أخسرها بجرة قلم.
لكنني أرى أن من واجبي وواجب كل من يتعامل مع "صاحبة الجلالة" ألا يقف مكتوف الأيدي، أمام ما نقرأه اليوم وكل يوم على صفحات صحفنا العربية من قدح وذمّ وألفاظ نابية، يوجهها القرّاء لبعضهم البعض.
ليس هذا يا سادة ما نريد أن نقرأه في صحفنا وليس هذا ما نريد أن ننشره في المجتمع المهجري كشعب عُرفت صحافته في لبنان، بالصحافة الحرة،.. وليس هذا ما يدل على أننا في بلد ديمقراطي كأستراليا يقدّس حرّية الكلمة وحرّية الفرد، ويتقبل رئيسها النقد الإعلامي بابتسامة وسعة صدر، يدلان على الديمقراطية الصحيحة (التي نرجو أن نتعلمها).
لكنه إن دلّ على شيء فإنما يدل وللأسف الشديد، على أننا نسيء استعمال الحرية والديمقراطية، وعلى أننا لا شعورياً يتأثر سلوكنا بما يجري على أرضنا اليوم، حيث تعاني صحافة بيروت ظروف تسلط على الحريات.
ولكي نخرج من تأثيرات هذه الظروف، ونعود الى طبيعتنا الأصلية.. لابدّ لنا من وضع النقاط على الحروف ومن مناقشة أنفسنا والتوصل الى معرفة ما لنا وما علينا.
وهذا يقتضي تقبّل الصراحة، والاعتراف بالآتي:
أولاً: ان من حق الكاتب، أينما كان، ومهما كان أن ينتقد، بشرط أن يكون النقد بناء ومفيداً.. ومن حقه أن يتطفل على اللغة وأن يُغضب "سيبويه" شرط أن تخضع لغته لأبسط قواعد وأصول اللياقة.. ومن حقه أن يستعمل القلم، شرط أن يحترم القلم الذي يستعمله، والصفحات التي يكتب عليها، في الصحيفة التي فسحت له مجالاتها وصفحاتها. ومن حقه أن ينتقد كاتباً آخر، شرط أن ينحصر نقده بعمل الكاتب الآخر، بعيداً عن شخصه واسمه وطائفته وجنسيته.. ومن حق أي قارئ أن يعبّر عن رأيه وأن يسجّل أفكاره على صفحات الجرائد، ولكن بما يعود بالفائدة على الصحيفة، وعلى المجتمع، وعلى اللغة والأدب، وعلى تنمية المعارف والمشاعر الإنسانيه والقومية، والحفاظ عليها.
والكاتب الأديب.. والأديب المؤدب.. والصحافة المحترمة والقارئ الواعي.. مدعوون جميعاً الى عدم السماح لهؤلاء، بالتردي بلغة الصحافة الى مثل هذه المستويات المرفوضة، لأننا نحتاج لتثقيف أولادنا.. نحتاجها لتنمية مداركنا السياسية والاجتماعية والأدبية.. نحتاجها لمعرفة أخبار بلادنا.. نحتاجها لمتابعة أدبنا ولغتنا، نحتاجها أكثر ما نحتاجها لربطنا بعاداتنا وتقاليدنا والحفاظ على تراثنا.
نريدها صحافة مهجرية على مستوى الصحافة المهجرية التي ساعدت على تنمية مواهب جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وغيرهم من أدباء وشعراء يعتز بهم لبنان.
نرفضها مسرحاً للمزايدات والمهاترات واستعمال لغة الشوارع والمعارك الكلامية للحط من كرامة الكلمة وكرامة اللغة وكرامة القارئ وبالتالي كرامة الانسان.
نطالبها ونطالب الأخوة رؤساء تحريرها بأن يكونوا الحَكَم ويستعملوا حقهم في فرز المواضيع المفيدة ورفض المبتذل الممجوج وأن لا يعتبروا أن مجرّد توقيع الكاتب تحت الكلام المسيء للآخرين وللمصلحة العامة يعفيهم من مسؤولياتهم أمام رسالتهم وأمام مجتمعهم وأمام "صاحبة الجلالة".
وصاحبة الجلالة تغرق وتحتضر، فأنقذوها.