تعبت من المُساءلة

نجاة فخري مرسي
من أرشيفي

عندما تحاصر الانسان الظروف الصعبة والهدّامة بأنواعها، يشعر المرء بالضيق، ويبدأ بالبحث عن الحلول، خاصة اذا كانت تخصّ الوطن والأحوال المعيشية للمواطن.
نعم، نحن نعيش الآن في أستراليا، ونعم أن أستراليا تبعد عن أوطاننا مئات بل آلاف الأميال، ولكن الوطن لبنان يعيش في نبضات قلوبنا، وتؤرقنا أحواله السياسية والاقتصادية، ومواقف ساسته التي تسير به نحو الهلاك، بعد ان كان درّة الشرق، وموطن الديموقراطية، والعيش المشترك، فأصبحت ديموقراطيته فوضى، وعيشه المشترك تراشق بالتهم والكراهية العلنية لبعضهم البعض حتى وان أدّى ذلك الى إيذاء الوطن والمواطن، الآن لكل سياسي منهم ليلاه، وليذهب الوطن والمواطن الى الجحيم. وهذا شغلهم تماماً عن إعادة الإعمار وإيواء مشردي الحرب الأخيرة ... وشغلهم عن الصناعة والزراعة والسياحة والاقتصاد وموجات هجرة الشباب اللبناني الى المغتربات ... لماذا لأن الدعم الطائفي أهم من الدعم الوطني.
في هذه الدّوامة أراني كمواطنة لبنانية تحب لوطنها السلام، وتكره له الانقسام، وتبحث معه عن الحلول خاصة بعد ان عشت في بلد ديموقراطي حقيقي وديموقراطيته مختلفة وطائفيته مختلفة وسياسته تبنى على حزبين يتقاسمان السلطة بالانتخابات النـزيهة. ولا وجه للمقارنة بينها وبين أحزاب لبنان التي لا تُعد ولا تُحصى ولكل حزب أجندته البعيدة عن مصلحة وطنه إلاّ في المناظرات المشكوك بأمرها، والمؤتمرات الصحافية المبرمجة للتحدّي.
والمهاجر اللبناني في هذا البلد المثالي لم يعد أمامه سوى أن يأسف على وطنه مما يجري، بعد أن أصبح عدد مغتربيه خمسة أضعاف من بقى في أرض الوطن، الى ان قرب التشابه بين الشباب اللبناني المنـتشر في جميع أصقاع العالم، واليهودي التائه الذي لا وطن له.
وإذا أردت أن أسأل وأتساءل أجد أنني قد تعبت فعلا من المساءلة، وسأكتفي بهذه التساؤلات المتواضعة الآن:
1- من تراه سيعيد الآمال الى شباب لبنان؟
2- من تراه سيعيد غرس أشجار الأرز، وأشجار الصنوبر في حمّانا وجزّين؟
3- من تراه سيرمم قلعة بعلبك قبل أن تصبح قلعة الاهمال؟
4- من تراه سيستصلح الأراضي البور الواسعة الشاسعة في سهل بعلبك لتنتج القمح والبقول؟
5- من تراه سيعمل على تصنيع مشمش بعلبك وتصديره الى الخارج؟
6- من تراه سيسوّق لوز وبطاطس وبطيخ عكار؟
7- من تراه سيوفّر فرص العمل والوظائف لشباب لبنان ليوقف هجرتهم بحثا عن الحياة الأفضل في أصقاع المعمورة؟
وأخيراً وليس آخراً من سيطالب الحكومات اللبنانية المتتالية أن ترشّ قرى الجنوب بالمبيدات للقضاء على البعوض الذي يسبب لهم مرض الملاريا وصعوبة النوم؟
لقد تعبت من المساءلة، ومن سيسمع ويجيب في ضوضاء الطاحون السياسي في وطني لبنان؟

ملبورن – أستراليا