النشاط النسائي في لبنان

نجاة فخري مرسي
لقد كتبت المرأة اللبنانية، وحاضرت، وتخرجت من الجامعات منذ سنين. وعالجت المرضى وواست الفقراء والمعوزين، بل أصدرت المجلات بنفسها...
كما أدارت صحفاً سياسية وأسّست الجمعيات وكانت أول من حثّ الهمم على العمل الجماعي الخيّر.تخرّجت أول طبيبة لبنانية من إحدى جامعات أميركا عام 1905 وهي أنسي بركات، كما كانت أختها السيدة زاهية بركات أول "صيدلية" من جامعة "كمبرج" في لندن وأنشأت عقب تخرجها صيدلية واحدة في بيروت وأخرى في الشوير.
ومريانا مراش أول سيدة عربية كتبت مقالاً في صحيفة عام 1871 وسبقتها اوليت البستاني إذ ترجمت رواية في جريدة "الجنان" لبطرس البستاني.وتألفت أول جمعية نسائية في بيروت أطلقت عليها أسم "باكورة سوريا" وكانت هذه الجمعية تعقد جلستين في الشهر.. جلسة مخصّصة لإحدى الخطيبات.. وجلسة للمباحثات التي كان لا يتجاوز عدد المشتركات فيها الأربع في كل مرة..
وقد برز من بين هؤلاء المحاضرات والخطيبات والباحثات الأديبات أذكر منهن على سبيل المثال: وردة اليازجي، سلمى صايغ، نظيرة زين الدين، ومريم خالد.وهناك رواية تروى عن مريم خالد، إذ كان "نعوّم باشا" متصرف لبنان حينذاك، ماراً في سوق الغرب، وشاء أهل البلدة تكريمه بخطاب يلقونه في تلك المناسبة، فلم يجدوا في البلدة كلها من يصلح لهذه المهمة سوى الأديبة مريم خالد..
وكان أن ألقت كلمة ترحيب رائعة، جعلت المتصرف يرسل لها في اليوم الثاني سواراً من ذهب.كما برزت آنذاك في مصر أديبة من لبنان هي: سارة نوفل وقد سجّلت هذه إنتصاراً في عالم اللغة إذ اقترحت على اللغويين إيجاد تعبيرين مناسبين لكلمتي – مدام - مدموزيل - الشائعتين في أكثر البلاد العربية، وقد فازت كلمتا "عقيلة" و "آنسة" بالاستحسان، وكانت مع ذلك صحفية وهي أول فتاة إستطاعت أن تحصل على امتياز باسمها لإصدار صحيفة أدبية تدعى "الفتاة" ولكنها لم تصدرها لأنها تزوجت وانصرفت لشؤون منزلها..
فعهدت بالامتياز إلى شقيقتها هند.. على أن هند لم تصدر المجلة لأنها تزوجت هي الأخرى وقد عمل والدها على إصدار مجلة نسائية..وكانت هنالك طائفة كبرى من الصحفيات اللواتي كنّ ينشرن بحوثهن وآرائهن على صفحات أشهر المجلات والجرائد في ذلك العصر مثال "الأهرام" و "لسان الحال" نذكر منها - زينب فواز – سلمى طراد – وشقيقتها حنينة طراد.وابتداء من عام 1917 تلت مجلات نسائية كثيرة "كالحسناء" و "الفتاة" و "الفجر" و "فتاة الوطن" و "الحياة الجديدة" و "عقيلة الأطفال" و "مورد الأحداث" و "حضانة الطفل" وكلها تملكها وترأسها وتحررها المرأة... إلى أن طلعت علينا جامعة نساء لبنان بمجلة "صوت المرأة" عام 1953.
ومن ثم بزغ فجر الجمعيات النسائية في لبنان فألفت جمعيات خيرية واجتماعية انبثقت عنها دور الرعاية، دور الأيتام، دور العناية بالعجّز وذوي العاهات المستديمة تلتها جمعيات ثقافية وإنسانية وسياسية، "وجمعية زهرة الإحسان" للسيدة املي سرسق.. أول جمعية انحصرت غايتها بتعليم الفتيات وإعدادهن للحياة العامة ليصبحن بعد ذلك مواطنات صالحات وربات بيوت واعيات.وتلتها جمعية "النهضة النسائية" عام 1924 برئاسة السيدة ابتهاج قدورة ولبيبة تابت وغايتها تنشيط اليد العاملة وتشجيع المنتوجات الوطنية.
وفي عام 1951 قامت في لبنان هيئة نسائية تضمّ عدة جمعيات وهيئات، وانضمت هذه الهيئة الى الاتحاد النسائي عام 1953 وأطلق عليها اسم "جامعة الهيئات النسائية اللبنانية". وكانت السيدة قدورة، رئيسة الشرف للإتحاد النسائي العربي العام... هي أول من تجرأ في ذلك الحين على المطالبة بحقوق المرأة السياسية.
وكانت المرأة اللبنانية أول امرأة عربية حصلت على هذه الحقوق إلا أنها لم تمارسها والسبب الأول هو أنها لم تجد التشجيع من قبل المسؤولين الى جانب عدم وجود الوعي السياسي الكافي بين أفراد الشعب، وبعدها اتباع الأساليب الارثية القديمة في الانتخاب.
ونشاط المرأة اللبنانية في المجالات الاجتماعية حقيقة ظاهرة كما هو مبيّن الى يومنا هذا وقد بلغ عدد الجمعيات النسائية في لبنان 120 جمعية تعمل في مختلف الميادين وقد حملت بذلك عبئاً كبيراً عن الحكومة نفسها.
ولا بد من الإشارة الى أن للمرأة في لبنان نشاطها السياسي والثقافي وقد بدأت هذا النشاط كما أشرنا منذ حوالي قرن تقريباً. ومنذ أربعين أو خمسين عاماً بدأت تلتحق بالتعليم العالي والمعاهد والجامعات وامتهنت المهن المختلفة كالطب، والمحاماة والصيدلة، والآداب والعلوم، وكثير من الميادين الأخرى.ويحلو لي أخيراً أن أذكر أن الأستاذ جورج بازكان أول رجل أنشأ مجلة نسائية عربية في لبنان فلاقى الكثير من السخرية والاستهجان لدرجة أن قال له صديقه الأديب اسكندر عازار: "ماذا جرى لك حتى فكرت بتوسيخ نفسك بمجلة نسائية".مما يدل على أن المرأة اللبنانية كأختها العربية لن تنطلق من حديقة فواحة خالية من الأشواك الدامية، ففي هذه العبارة ما يجعلنا نتصور العقلية التي كانت تسيطر في تلك الحقبة من الزمن، ومما يؤكد صمودها أمام التيارات المعاكسة والمسيطرة في هذا الكفاح.