الدكتورة نوال السعداوي في الابداع والتمرد

نجاة فخري مرسي
من الأرشيف

لقد جرت العادة عندما يتحدث الصحافي مع علم من الاعلام، أن يقدّمه للقارئ الذي لا يعرفه، ومع أن محدثتي الدكتورة نوال السعداوي أشهر من أن تعرّف، إلا انني سأقدّم لمحة موجزة، وموجزة جداً، عن انشطتها الادبية والاجتماعية والاكاديمية التي شغلت الصحافة، وملأت الاسماع، بمواقفها الوطنية والانسانية "الثورية".
هي طبيبة، ودكتورة علم نفس، ومؤلفة لاكثر من عشرين كتاب حول سيكولوجية المرأة والرجل، ومواقف المجتمع منها.
هذا الى جانب انها مؤسسة ورئيسة لجمعية تضامن المرأة العربية، على مستوى العالم العربي ككل (جمعية ذات وضع استشاري لدى المجلس الاقتصادي الاجتماعي بالامم المتحدة، قدمت فيها العضويات الشرفية للرجال).
ادخلتها مواقفها الثورية في مقاومة تيارات التخلف في المجتمع، والمطالبة بحقوق المرأة المدنية والانسانية السجون في العهد الماضي في وطنها مصر.
كذلك عرّضتها مواقفها الوطنية لمضايقات رسمية ما أنزل الله بها من سلطان، انتهت بمنعها من اصدار مجلة الجمعية، ثم ابلغت عام 1991 بخطاب من احدى مديريات الشؤون الاجتماعية في القاهرة بصدور قرار بحلّ الجمعية دون ان يسبق ذلك اي تحقيق أو ذكر الاسباب، وصودرت ممتلكات الجمعية ومحتويات صندوقها المالي.
لماذا، لانها كانت ولا زالت القلم الوحيد الذي يكتب عن شؤون وشجون المرأة في حين ان المجتمع منشغل بلبس وإلباس الحجاب على شعرها وعقلها.
لماذا؟ لانها كانت أو كادت أن تكون أثناء حرب الخليج، الصوت الوحيد الذي رفض الوجود الاميركي فوق أرض الخليج.
و لماذا، لانها دُعيت ثم لبّت الدعوة لحضور مؤتمر رمزي كلارك/النائب العام الاسبق للولايات المتحدة. المؤتمر الذي يحقق بجرائم حرب الخليج ويُطالب بإدانة "جورج بوش" حبيب أنظمتنا العربية.
وهي كما سنقرأ في هذا اللقاء طاقة نسائية ثورية مميزة، تتشرف كل امرأة عربية ان تكون سفيرتها ونصيرتها في الخارج، حيث اصبحت معروفة من المنظمات النسائية العالمية، ومن جامعات سويسرا واميركا، والمنظمة الدولية للامم المتحدة.
زارت استراليا عام 1986، بدعوة من اتحاد الكتاب في ولاية جنوب استراليا، بمناسبة صدور كتابها: "الوجه الاخر للمرأة The Hidden Face of Eve" باللغة الانكليزية (منحتني هذه الزيارة شرف تأسيس اول فرع لجمعية تضامن المرأة العربية، خارج العالم العربي).
دُعيت عام 1988 الى استراليا لتسلم جائزة جبران العالمية، التي تقدمها رابطة احياء التراث العربي للشخصيات المختارة كل عام، ولم تتمكن من الحضور، فسلمت الجائزة لها في القاهرة باحتفال خاص في مقر الجمعية.
وفي عام 1995 دعتها لجنة مؤتمر منظمة "اميسا AMESA" لدراسات الشرق الاوسط السنوي، للاشتراك بتقديم المرأة والمجتمع، ولم تتمكن من الحضور بسبب وجودها في رحلة "استاذ زائر" في جامعة واشنطن باميركا.
اثناء وجودي في اذار الماضي في القاهرة، دعتها بعض الجمعيات النسائية لحضور احتفالات يوم المرأة العالمي لعام 1996، في باريس، عادت منها بانفلونزا فرنسية الزمتها الفراش. وقبل انقضاء اسبوع النقاهة، كانت الدكتورة نوال تركب الطائرة في طريقها الى اميركا، لتكون المتحدثة الرئيسية في احد المؤتمرات بنيويورك.
والان يسعدني أن أقدم للقارئ العزيز دكتورتنا الثائرة، بعد عودتها من رحلتها "البطوطية" وارائها القيمة بمناسبة "يوم المرأة العالمي" و "عيد الام" لهذا العام، وللاعوام القادمة وكل عام دكتورتنا العزيزة بألف خير.
● دكتورتنا العزيزة، انا سعيدة جدا بهذا اللقاء، بعد عودتك من رحلاتك "البطوطية" الى سويسرا، واميركا، وفرنسا ويا حبذا لو تتفضلي وتحدثينا عن رحلاتك الاكاديمية هذه، وهل كانت لتدريس برامج مصرية، او برامج نسائية خاصة، أم ترك لك الخيار في اختيار المواد؟
■ تركت مصر منذ اربع سنوات وعشت في المنفى هذه السنوات الاربع في الولايات المتحدة، استاذة زائرة في جامعة ديوك بولاية نورث كارولينا. كنت ادرّس الابداع والتمرّد Dissidence and Creativity واعتمد في تدريسي على رواياتي وروايات اخرى.
وقد تركت مصر منذ اربع سنوات مضطرة (وليس اختيارا) حيث وضعت الحكومة المصرية حراسة مسلحة على بيتي Body Guard يلازمني ليل نهار! من اجل حماية حياتي!! قالت الحكومة المصرية ان التيارات الارهابية الدينية تهدد حياتي، وكنت معارضة للحكومة ايضا ولم اكن اثق في الحراس لذلك اضطررت الى ترك الوطن لمدة اربع سنوات.
في الشهور الاخيرة دعيت الى مؤتمرات ادبية ونسائية دولية في بلاد متعددة منها سويسرا وفرنسا واميركا، وقد عدت الى الوطن مؤخرا وانوي الاستقرار في الوطن.
● كنت قد تفضلت بإهدائي منذ اكثر من عشر سنوات كتابك "رحلاتي حول العالم" وكان مؤلفا من جزأين. وبعد ان قرأتهما اقتنعت بأنك طاقة نسائية فريدة، فهل هنالك اجزاء قادمة؟
■ نعم سوف يأتي الجزء الثالث من رحلاتي قريبا وقد نشرت العام الماضي الجزء الاول من سيرتي الذاتية تحت عنوان "اوراقي.. حياتي". صدرت مسلسلة على حلقات في مجلة "المصور" بالقاهرة صيف عام 1995 وصدر الكتاب عن دار الهلال في بداية 1996 وقد كان له صدى جيدا في مصر خاصة بين شباب وشابات الاجيال الجديدة.
أما الجزء الثاني والثالث من سيرتي الذاتية فسوف يصدر تباعا في العام القادم والذي بعده.
ومن بعد ذلك سأجمع مذكراتي عن رحلاتي المتعددة خلال الثمانيات والتسعينات لتكون الجزء الاخير من رحلاتي في العالم.
● يوجد نقاش مستمر، حول تعريف الادب النسائي، هل هو ما يُكتب عن النساء، أم هو ما يكتبه النساء؟
■ لا أميل الى هذا التعريف، ولا استخدمه الا نادرا جداً وعند الضرورة القصوى، واعتقد ان الادب النسائي هو ما تكتبه النساء باقلامهن (وليس ما يُكتب عن النساء). ولكن هناك نساء يكتبن ادبا متخلفا ومعاديا لحرية المرأة ولا يمكن أن نسمي ذلك ادبا نسائيا بالمعنى الصحيح لان الادب النسائي (في رأيي) هو الادب الثوري الذي يؤدى الى التحرير والانطلاق والخلاص من القيود (وليس الاستمرار في العبودية والقهر).
● يصادف في 8 اذار من كل عام "يوم المرأة العالمي" ويصادف في 11 ايار من كل عام "عيد الام" وتحتفل النساء بهاتين المناسبتين الاحتفالات التقليدية، مع أن المرأة التي انجبت الملوك والحكام، والاباطرة والسلاطين، لازالت محرومة من اجازة رسمية في اي منهما، فما رأي دكتورتنا بلعبة الاحتفالات العقيمة هذه التي انستها الاهم؟
■ أنا لا اشارك عادة في الاحتفالات الرسمية فهي كلها شكلية وتحجب الكثير من القيود التي لاتزال تعاني منها النساء والامهات خاصة. و "عيد الام" بالذات ليس الا لعبة عقيمة كما تقولين لان القوانين في بلادنا تحرم الامهات من حقوق المواطنة الكاملة او الاهلية الكاملة، في مصر مثلا لا يحق للأم المصرية أن تمنح جنسيتها المصرية لاطفالها، كما ان قوانين الزواج والطلاق والحضانة لاتزال تحرم الامهات من حقوق الانسان الاساسية ومع ذلك يحتفلون بعيد الام ذراً للرماد في العيون!
● واخيرا وليس اخرا، هل نستطيع ان نعتبر الدكتورة نوال السعداوي سفيرة المرأة المصرية المعاصرة في العالم، ام انها سفيرة المرأة العربية في شرق العالم وغربه؟
■ لا اعرف الاجابة على هذا السؤال، لاني حين اسافر خارج الوطن العربي احمل معي الوطن كانما هو جسمي، فلا اشعر بالغربة في اي مكان من العالم خاصة اذا جمعني اللقاء بنساء او رجال من ذوي الحساسية الوطنية والفنية. فالعالم الكبير اصبح قرية صغيرة واحيانا اشعر بالغربة داخل الوطن، حين يصبح الوطن سجنا كبيرا او سيفا يهدد حياتي ولكن اعتبر نفسي سفيرة للوطن العربي داخل الوطن وخارجه، وعلاقتي باللغة العربية مثل علاقتي بالهواء والشمس ضرورية للحياة، ولست وحدي في ذلك، واعتقد ان اي امرأة أو رجل يمكن أن يكون سفيرا أو سفيرة لوطنهما، لان حب الوطن لا ينفصل عن انواع الحب الاخرى.