لقاء مع الدكتور طالب عمران

نجاة فخري مرسي
من الأرشيف
من الخيال العلمي، ودراسة الظواهر الخارقة، والخوض في أعماق الوقائع الكونية غير المألوفة، الى النشاط التلفزيوني التكنيكي، يأخذك في رحلات الى عمق أعماق النفس البشرية وخفاياها، ثم يعود بك الى التقنية العصرية.
زار استراليا الدكتور طالب عمران، قادماً من سوريا في زيارة عمل اعلامي/تلفزيوني، وهو الاديب الذي استطاع ان يحاكي الخيال دون المساس بالموضوعية العلمية في اكثر من عشرين مؤلفا، وبعد قراءتي لبعض مؤلفاته شعرت بأهمية نقل افكاره الى القارئ العربي في استراليا، وتعريفه على هذه الشخصية العربية الفذة، فكان لي معه هذا اللقاء:

اولا يسعدني أن أرحب بك في استراليا بلدنا الثاني، واتمنى لك رحلة ممتعة وموفقة علميا وعمليا.
· من هو الدكتور والاديب طالب عمران؟
- انا إنسان نشأت من رحم الغيب احمل المشاعر المتدفقة بحب الانسان وأدافع عن نزعته الخيرة، وأسعى لأنبهه الى تطرفه في الشر احيانا والى امكانياته الكبيرة في إغناء مسيرة الحضارة الخلاقة البعيدة عن الأثرة والنرجسية، وهذا الهاجس تملكني في كل ما اكتبه، أشعر وأؤمن أن الانسان كبير في قدراته، ولكنه يقزمها أحيانا باللهاث المجنون خلف المتعة على حساب العقل..
منذ طفولتي وهاجس المعرفة ووعي العالم هو كل همّي، قرأت كثيرا من الكتب وكنت أركز على العلم، ثم بدأت أقرأ التاريخ، ووجدت فيه الكشف الجميل لعوالم انسانية سحرتني بشموخها، والكشف الآخر، المرهق المتعب عدا انحراف الانسان وانحطاطه ولهاثه وراء المتعة... عشت في بيئة بحرية وكان للبحر أثر في كتاباتي الأولية وحين انتقلت الى دمشق شدني سحرها، فلم أعد أقوى على مفارقتها... ومنها بدأت رحلاتي الى دلهي وكراتشي ودكا ومشهد وطهران وموسكو وروما وتريستا ومدريد وباريس وهافانا وجمايكا وكندا الى المغرب والجزائر وليبيا الى أصقاع كثيرة كانت تشدني اليها ثم اعود الى دمشق في النهاية موطن عش الطائر.
· لقد تعودنا ان يكون اكثر زائرينا من الاوطان العربية، إما من السياسيين وإما من رجال الدين، ينقلون الينا هموم البلاد ومآسيها، وربما حساسياتها ايضا، الى أن أصبحنا بشوق زائد الى زيارة العلماء والادباء، والمفكرين ليدوم التواصل الفكري بالوطن الأم، فما هي طبيعة زيارة الدكتور الاديب عمران؟
- أزور استراليا بدعوة من نادي الحضارة والمجلس العربي الاسترالي
بهدف القيام ببحث تلفزيوني عن احوال الجالية العربية هنا... وهي مهمة اعلامية رسمية من قبل التلفزيون العربي السوري، وقد التقيت بمختلف الفعاليات الثقافية العربية وسجلت أحاديث ومحطات اذاعية لبرنامج في الاذاعة سميته (الوطن في القلب)... بالطبع الحاجة ماسة للقاء مع كتاب ومفكرين وعلماء من بلادنا، ليدوم كما ذكرت، التواصل الفكري بالوطن الأم... وقد أجريت لقاءات ثقافية كنت اتمنى أن تكون أعمّ وأشمل لولا أن شهدت ما أحزنني من التنافر في بعض الجاليات العربية وانعكاسات مناصبها الطائفية والسياسية على أعمالها، بدلا من توحدها في الوقوف أمام التحديات الكبيرة التي يواجهنا بها عدوّنا الصهيوني المغتصب للأرض والذي يسيطر على الاعلام في أمكنة عديدة دون أن يتصدى له أحد أحياناً...
· قرأت حتى الآن من مؤلفاتك "خفايا النفس البشرية" و "بئر العتمة" قصص عن ظواهر مدهشة... فشدتني العناوين والمضامين فكيف لنا في استراليا أن نقرأ المزيد من مؤلفات الدكتورعمران؟
- مع الأسف لم أستطع إحضار نسخ من كتبي الـ (27) التي نشرت لي
حتى الآن وترجم ببعضها للانكليزية، وأحمل معي (ديسك) عليه ترجمة
لكتابي (أسرار من مدينة الحكمة) سأحاول طبعه هنا أيضا بعد أن صدرت طبعته الأولى في دلهي بالهند... كتبي العديدة تحكي عن هموم الإنسان ومتاعبه. نشر أول كتاب لي عام 1967 بعنوان "العالم من حولنا" عن وزارة الثقافة السورية، وهو يحكي عن الكون والتقدم العلمي في مجال الفلك، وفي عام 1978 صدرت مجموعة "كوكب الاحلام" وهي قصص من الخيال العلمي للأطفال. وفي عام 1979 صدرت مجموعة قصص من الخيال العلمي بعنوان "صوت من القاع" ورواية من الخيال العلمي هي "العابرون من خلف الشمس" وتتحدث عن رحلة فضاء يقوم بها رواد عرب يضيعون في الفضاء فيهبطون على كوكب متطور وصلت مخلوقاته حداً جعلها تشكل مجتمعا واحدا نبذ البغضاء والكراهية، وانتشرت بينه الرياضات السماوية والحب والموسيقى. وحين يعود أحد الرواد للأرض يفاجأ بحرب ذرية دمرت الكواكب وليس سوى المخلوقات المشوهة وقد قتلت امرأته وابنته في هذه الحروب ولم يبق من مدينته سوى الركام والحطام والسواد... ويرى زهرة وسط الانقاض تقف بتحد، فيقرر البقاء في الارض والمشاركة في اعادة بنائها الصعب... وفي عام 1980 نشرت لي مجموعة "أضواء في الدائرة المعتمة" وهي من الخيال العلمي في بيروت. في عام 1983 نشرت مجموعة "ليس في القمر فقراء" وعام 1985 رواية الخيال العلمي "خلف جدار الزمن"، ونشرت بعد ذلك مجموعة "أسرار من مدينة الحكمة"، ثم "محطة الفضاء" وهي من الخيال العلمي للاطفال، ثم كتاب "في العلم والخيال العلمي" و "الحاسة السادسة دراسة في الظواهر الخارقة" و "الكون يكشف أسراره" ثم "سحر الاسطورة" رحلة في أعماق الهند وهي تصف قليلا من نشاطاتي في الهند وزياراتي لمدنها الغريبة، وحفل بلقاءات ثقافية مع كتاب ومفكرين هنود... ثم صدرت مجموعة "تلك الليلة الماطرة" وبعدها "ثقب في جدار الزمن" عن الهيئة المصرية للكتاب في القاهرة، ومجموعة "السبات الجليدي" ثم مجموعة "الذي أرعب القرية الآمنة" و "شحنة الدماغ" وكتب "كوكب العواصف" و "الكوارث" وروايات "فضاء واسع كالحلم" و "رجل من القارة المفقودة" ثم "المسخ" ثم "خفايا النفس البشرية" و "البئر العتمة" وستصدر لي في هذا الشهر مجموعة "طيور الليل"...
أحمل الهم الانساني في ضلوعي واحاول النفاذ الى عوالم الانسان الداخلية والتحليق على اجنحة خيال تقفز فوق الزمن الى المستقبل البعيد يحلم بعوالم مسكونة بالخير متعاونة متكاتفة لا تعرف الاذى والشر والانانية المدمّرة...
في جعبتي طموح بدأت بتنفيذه فعلا وهو إصدار سلسلة من الروايات العلمية الخيالية للفتيان – والروايات التي تتحدث عن ادب الرحلات دفعت بأولى روايات السلسلة العلمية للمطبعة وهي "حين تبكي الارواح" واول رويات سلسلة أدب الرحلات وهي "احزان السندباد" وسأحاول إن أمدّ الله في عمري أن أتابع هذا الطموح الذي أسعى من خلاله للارتباط بعالم الفتيان الغني اللماح.
· اشتهر كثير من الكتاب بكتابة القصص الخيالية وذهب بعضهم الى تخيل أمور قد تحقق بعضها على ارض الواقع مثل التلفزيون مثلا – فما رأيك وما مدى قربها من تصوراتك وطموحك؟
- بالطبع حقق الانسان الكثير من الانجازات العلمية في هذا العصر لم يكن
يتخيل تحققها فالبساط السحري اصبح طائرة نفاثة والمرأة السحرية
أصبحت جهاز التلفاز، والنفوذ الى الاعماق بالسحر اصبح غواصة
متطورة تمخر عباب المحيط... وغير ذلك كثير وكثير في القرن الماضي تنبأ "جول فيرن" الفرنسي بالوصول الى القمر في روايته المشهورة "من الارض الى القمر" وتحققت نبوءته وحكي عن الطائرات النفاثة والصواريخ قبل اختراعها بعشرات السنين... كان الرائد الاول لما يسمى بأدب الخيال العلمي وتبعه (هـ. ج. ويلز) ثم (اسحاق عظيموف) وارثر كلارك وغيرهم... دخلوا عالم التنبؤ العلمي في اعمال درامية تستوحي احداثها من فتوحات العلم وامكانياتها المجنحة...
وفي عام 1979 اصدرت رواية "العابر من خلف الشمس" تنبأت بها بالشتاء النووي قبل الحديث عنه بنحو ثماني سنوات وحكيت عن الاستنساخ وعن الاغذية المصنعة من النفايات قبل البدء الفعلي بتصنيعها... ما دام العلم بمنطقه يسيطر على الاحداث فيما تكتبه قد تتوصل من خلاله الى تنبؤات مدهشة قد تتحقق في المستقبل.
· أما سياسيا، فما رأيك كرجل فكر وخيال علمي بمستقبل منظمة الأمم المتحدة بعد أن سيطر عليها القرار الاميركي والهيمنة الاميركية "الفيتو" الاميركي عندما تكون لصالح القضايا العربية حتى وان وصلت الى درجة تكسير عظام وتجويع الاطفال؟ أو افتعال المذابح للمدنيين؟
- من قراءاتنا للتاريح ولان المنطق العلمي يسيطر على خيالنا العلمي نقول
ان الزمن لا يرحم الطغاة مهما اشتد طغيانهم... وما يحدث من سيطرة
اميركا المطلقة على الامم المتحدة حول تلك المنظمة الانسانية الى اداة تحاصرها القرارات الاميركية بكل قسوتها وظلمها... ضد رغبات الشعوب المستضعفة وحصارا للانسانية المقهورة المتمثلة بطفل برئ قتلته قسوة الجلاد غير المحدودة. ورغم كل ما يمكن أن يظهر في قراءتنا للمستقبل من تشاؤم فان الامل هو سرّ توهج الحياة في الانسان منذ الاف السنين.
· بسبب البعد وانعدام المراجع سامحني اذا قلت إن معلوماتي عن نشاط المرأة السورية قليلة، وحبذا لو تتفضل باعلامي عن الحركات النسائية السورية والاتحاد النسائي العربي السوري؟
- للمرأة السورية نشاط مميز سواء داخل الاتحاد النسائي، أو في مجلس
الشعب السوري وفيه نائبات كثيرات او حتى في السلطة التنفيذية متمثلة بوزيرتين هما وزيرة الثقافة ووزيرة التعليم العالي والمرأة في سوريا لها مكانتها ودورها في البناء وهي كاتبة محامية قاضية استاذة بقلم عال، عالمة في مختبر، مزارعة طبيبة صيدلانية... وغير ذلك من المهن التي دخلت اليها المراة واتقنتها فدورها ليس ثانويا على الاطلاق، وانما رئيسي فاعل...
· اسمح لي قبل نهاية هذا اللقاء القيّم أن أذهب في رحلة الى خفايا الاسماء. اسم طالب عمران يوحي بطلب العمران فهل أنت موافق أو لا موافق؟ وفي حال الموافقة أي عمران تفضل؟ النفسي... أم الانساني الحضاري... أم اليقظة القومية العربية؟ أم الثلاثة معا؟
- بالطبع اميل للثلاثة معا، فأنا أسعى فعلا لخلاص النفس البشرية من
متاعبها وحالات حصارها وانا ايضا أغرف من ينابيع حضارتنا السورية القديمة والعربية الاسلامية فيما بعد وأتمنى أن يصحى العرب على واقعهم ويتفاعلوا مع التغيير قبل أن يسبقهم الاخرون بمراحل لن يستطيعوا القفز فوقها. تاريخنا المدهش بابداعاته يشكل لنا حافزا على العمل للدخول في القرن القادم بثقة مهما حاولت القوى المسيطرة وضع العصي في العجلات... والانتماء الى أمة علمت البشرية الابجدية يدفعنا للالتفاف حول مبدعينا ليقدموا عطاءاتهم في بلدانهم بظروف صحية مواتية، وليس للآخرين الذين يتحكمون بمصيرنا... وهذا ما أحاول ابرازه في كل كتاباتي... لدينا امكانيات هائلة من العقول المتنوعة لماذا لا نلتفت اليها وندفعها في اتجاه العطاء بدلا من محاصرتها وقهرها؟