نافذة على الجوائز السياسية

نجاة فخري مرسي
من الأرشيف
إنه لمن فضائل الديمقراطية الغربية انها تظهر اسرار المؤامرات السياسية ولو بعد حين. والدليل على ذلك فضائح "ووترغايت"، و "ايران غايت" و "الكونترا غايت" في امريكا وغيرها وغيرها.
وانه لمن رذائل ديمقراطياتنا المزعومة انها تمنع ظهور الحقائق وتخفيها في مثل هذه "الغيتيات". والا لكانت شعوبنا العربية قد عرفت حقيقة ما وراء "الكويت غايت" واسطورة تحرير الكويت حباً بمبدأ التحرير.
لقد صدرت كتب عالمية كثيرة قبل وبعد حرب الخليج وقرأتها شعوب الغرب بحرية مع أن أكثرها كان يوجه الادانة للرئيس بوش والكونغرس الامريكي، ومع ذلك لم تمنع من دخول اي بلد غربي، أو يوقف نشر بعض فقراتها المتفق على نشرها كما حدث لكتاب محمد حسنين هيكل مجرد انه وضع الحقائق مجردة أمام القارئ دون ان يُقحم رأيه الشخصي فيها.
ولكن كثيراً ما نجد انفسنا امام حقائق ساطعة كالشمس من الصعب اخفاؤها.
وأمام تجارب جديدة لم تكن بالحسبان مثل مأساة "شعب البوسنة" مثلا، التي تقف شعوبنا وحكوماتنا امامها ساكنة ساكتة وكأن على رؤوسها الطير (او كان امامها عصا العم سام) (فرعون القرن العشرين) ولا فرق بين بوش او كلنتون لان كلاهما يخيفنا وندين له بالطاعة العمياء.
منذ اندلاع حرب البلقان واصرار "الصرب" على طرد شعب البوسنة من ارضه والاستيلاء عليها "منظفة" على حد قولهم، والعالم يتساءل: لماذا لم تتحرك الدول العربية والاسلامية لمساعدة اخوانهم وحمايتهم؟ ولماذا لم تتدخل امريكا ودول التحالف او هيئة الامم لحماية البوسنة بنفس الحماس الذي تدخلت به في الماضي القريب في الخليج لحماية شيوخ البترول؟
وفعلا فنحن لا نرى من امريكا ومن دول التحالف في شرق العالم وغربه ووسطه سوى الصمت المريب.. ولا نرى من الدول العربية والاسلامية سوى النوم العميق العميق.. ولا نرى من هيئة الامم المتحدة سوى المناورات لكسب الوقت – وخداع الرأي العام العالمي بأنها تفعل ما بوسعها ما دامت تنقل لهم اكياس الطحين تحت وابل من القنابل الصربية وبعد ان طال امد المناورات في حركاتها والسيناريوهات في مكاتبها. ولم تسقط البوسنة في ايدي الصرب، لم تجد هيئة الامم المتحدة امامها سوى ابتكار تمثيلية جديدة توحي فصولها بأنها تجتهد في حماية نساء وشيوخ واطفال المسلمين المنكوبين، وذلك بمساعدتهم على الخروج من جحيم الحصار والموت المحتوم. (والحقيقة هي انها متواطئة على تسريع النتائج وتنظيف الارض من اصحابها ليتسلمها المعتدون نظيفة من اهلها، كما سبق وفعلوا بشعب فلسطين منذ حوالي نصف قرن) والتاريخ دائما يعيد نفسه والاستعمار دائما لا يعدم الوسيلة عندما تتوافر له الفرص.
وللرد على اسئلة العالم لماذا لم تصدر هيئة الامم قراراتها الساخنة الصارمة؟ ولماذا لم تندفع قوى التحالف الدولي بكل قواها الى الباس هذه القرارات ثوب الشرعية الدولية ثم الاسراع في تنفيذها بحذافيرها، بما لديها من قوى عسكرية وحربية وتكنولوجية كما فعلت في حرب الخليج؟
نعرض الاسباب الحيوية التالية:
1- لان مرغريت تاتشر لم تعد موجودة في السلطة لتشعل الفتيل كما اشعلته في الخليج..
2- لان جورج بوش مغلوب على امره ولا يستطيع ان يعمل على تحريض دول العالم ومساومتها اما بالتهديد وإما بالوعود لتساعده على تدمير العراق تحت ستار تحرير الكويت.
3- لان هيئة الامم لم تعد قادرة على اصدار القرارات لحماية الامم والشعوب ولخدمة السلام بعد ان اصبحت اداة طيعة في ايدي المهيمنين عليها من دعاة "النظام العالمي الجديد"..
4- لان الاجماع الدولي لم يعد متوفراً، بعد أن فاض الكيل، وتعبت اوروبا من عنجهية الولايات المتحدة الامريكية.
لان العالمين العربي والاسلامي قد سقطا من حسابات العالم الغربي بعد تجربة حرب الخليج، (وخاصة بعد ان طلب المؤتمر الاسلامي الموقر بعدم رفع الحصار عن شعب العراق) فأصبح عالمنا في عداد المفقودين في سماء السياسة الدولية والنظام العالمي الجديد.
5- لان دولة البوسنة المنكوبة لا تستطيع دفع فاتورة التدخل الدولي لانقاذها، وفوقها الارباح، ثم تشغيل الشركات الغربية في اعادة اعمار ما يتم تدميره، مثلما فعلت دول البترول العربي.
ولأنها ايضا ليست كالصومال الواقعة في القرن الافريقي الذي يتحكم بالمدخل الجنوبي للبحر الاحمر.. ولا فيها حقول بترول جديدة اكتشفتها الشركات الامريكية ووجب الاستيلاء عليها قبل ان يعرف شعبها الجائع بوجودها.
والسبب الاخير والاهم هو ان التحالف في مهمة تدمير بلد عربي اسلامي كالعراق تشكل قوته تهديداً واضحاً لاسرائيل ولسلامة شيوخ البترول، اهم واجدى وانفع بلغة الاستعمار الغربي من الاقدام على عملية حربية لانقاذ شعب مسلم كشعب البوسنة الاعزل، ليس له في مخططات الاستعمار وجود، بل وغير مرغوب بوجوده.
وقد يظن البعض مخطئاً ان الصوت الذي اطلقته تركيا مهددة بارسال الاسلحة للبوسنة، قد سكت بدون سبب!!
وقد يظن البعض مخطئاً ان الدول العربية والاسلامية قادرة على مساعدة شعوب العراق، وليبيا، وفلسطين والبوسنة، ولا تفعل!!
وقد يظن البعض مخطئاً ان الجائزة التقديرية التي منحها "خادم الحرمين" للرئيس عزت بيكوفيتش على شجاعته في منع هيئة الامم من ترحيل شعبه عن ارضه، لن تحسم القضية وتحرر "البوسنة"!!
وقد يظن البعض مخطئاً أن مرغريت تاتشر لا تستحق من "حامي الحرمين" جائزة مماثلة على تصريحاتها الاخيرة والدعوة الى تسليح البوسنة، (التي ترمي من ورائها تسعير الحرب وتسويق الاسلحة او تعميق الحساسيات الدينية).
عفواً ايها السادة لقد تذكرت ان الجوائز التقديرية هي اقصى ما يستطيع عالمنا العربي تقديمه لحماية شعوبه من حروب الابادة، وتسلط الدول الاستعمارية على سيادته ومقدراته.
وعفواً مرة اخرى لانني نسيت ان الجوائز التقديرية السياسية تعطى عادة لمجرمي الحروب امثال مناحيم بيغن، وجورج بوش، وليس لضحايا الحروب امثال علي عزت بيكوفيتش.