ذكرى مذبحة قانا ليست بحاجة الى المهرجانات الخطابية

نجاة فخري مرسي
من الأرشيف

تكرّمت الفعاليات في جاليتنا العربية، وتسابقت في الدعوة الى الاحتفالات الخطابية لاحياء الذكرى الاولى لمذبحة قانا.
وهذا أمر لم نفاجأ به، وان كنا نأسف له، لأن ذكرى مجازر الابرياء بالمفهوم الشعوبي الحضاري المتبع، لا تنفع فيه الخطابات الحماسية في الصالات. ومن هذا المفهوم نجد أن مذبحة قانا تحتاج منا في استراليا الى مظاهرات تنديد، وملصقات تذكير.. وتحتاج الى اعتصامات امام سفارات اميركا واسرائيل، لتعريف الرأي العام على حقيقة صدقية اسرائيل مع سكان الجنوب الابرياء.
إحياء ذكرى مذبحة قانا يحتاج منا الى ارسال البرقيات للمنظمات الانسانية وحقوق الانسان.. الى مطالبة المنظمة الدولية ومجلس امنها بقرارات تدين اسرائيل وتلزمها بدفع التعويضات المالية الى عائلات الشهداء، وكل من تضرر وتشرد وهدمت دياره، واحرقت محاصيله بسبب غارات اسرائيل وعدوانها المتكرر.
هذا لا يعني طبعا، اننا لا نقدر المشاعر الوطنية النبيلة عند من دعوا ومن لبوا الدعوة لاحياء الذكرى الاليمة، وإنما كل ما نعنيه ان نعلم ان اسلوبنا في معالجة مآسينا وأمورنا المصيرية مع دويلة الموت والدمار، قد أصبح مكرراً وعقيماً، لان الخطابات الحماسية والمقالات العاطفية التي نجابه بها عدواً بخطورة اسرائيل وامكاناتها الحربية لا تجدي نفعا، ولا تغير واقعا، بدليل انها لم تتمكن من ايقاف تنفيذ "وعد بلفور" ولا تمكنت من تحرير فلسطين.. ولا استطاعت ان تمنع اعتداء اسرائيل على المقدسات، أو مصادرة الاراضي او بناء المستعمرات، أو، أو.. ولا حتى تمكنت من حماية الجنوب، او انهاء مأساة مخيمات التعذيب الاسرائيلية النازية في بلدة "الخيام" وفي "انصار" وفي "عدلون" حين يُزج فيها الشباب الجنوبي لعشرات السنين دون محاكمة.
وهنا نجد انفسنا امام مهزلة مستعصية وامام خطأ لا يغتفر.
لو حاولنا ان ننظر الى عدونا ونأخذ منه العبرة، كيف سخر اعلامه المرئي والمسموع والمقروء، لمدة نصف قرن من الزمن، في تضخيم مأساته مع المانيا النازية لتذكير الرأي العام العالمي كل يوم، وكل ساعة، وكل دقيقة، بمذبحة اليهود في المانيا، الى أن كسب عطف العالم ووصم المانيا والشعب الالماني بجرائم الحرب، واشعرهم بعقدة الذنب، وابتز اموال الملايين.
بل واكثر من هذا فهو ما زال حتى يومنا هذا يلاحق كل مسؤول الماني ما يزال على قيد الحياة ليحاكمه دوليا، بعد نصف قرن (مع أن الاحكام القضائية – حسب معلوماتنا- تسقط بعد مرور خمسة عشر عاما على صدورها، في اكثر الحالات)، وكأن مذبحة اليهود في المانيا كانت المذبحة الاولى والاخيرة في تاريخ البشرية الحافل بالمذابح والمجازر.
ونحن نبقى بكل اسف لا نعرف سوى اسلوب الخطابات الحماسية والمقالات العاطفية. دعونا نسأل أنفسنا مثلا، وبكل تواضع وموضوعية، لماذا لا نحيي ذكرى مذابحنا باعمال مجدية كأن نفكر ونتعاون على إحضار مُقعد أو مشوّه من ضحايا المذبحة، لنعالجه ونستفيد من وجوده دعائيا.
أو لماذا لا نفكر ونتعاون على احضار طفل يتيم ممن يتمتهم غارات اسرائيل على الجنوب لنعلمه ونهبه الحياة، ويكون شاهدا حيا في استراليا على اجرام النازية الحديثة في جنوب لبنان.
أو أن تكون هديتنا لقانا وشهداء قانا تسوير المقبرة، أو تجميل محيطها بعد ان اصبحت مزارا دوليا واعلاميا.. أو أن نتعاون ونتساعد على الحاقها بمتحف تحفظ فيه صور المذبحة وتاريخ حدوثها، وكل مؤثراتها ومضاعفاتها، وكل ما انتجته من مشاعر اللحظة الرهيبة على الاحياء من اترابهم، من كتب تسجيلية.. وقصائد شعرية وتعليقات صحافية محلية ودولية، ليكون هذا المتحف بداية جديدة لأسلوب جديد، ومدخلا تاريخيا وحضاريا متواضعا لادانة اسرائيل وحفظ تاريخها الاسود في الجنوب اللبناني.
وصدقوني انه لمن العار ان نعتقد بان واجباتنا تجاه مآسينا وامورنا المصيرية تنتهي عند احياء الذكرى بالاسلوب العاطفي المتكرر والعقيم، وان نترك العدو الاسرائيلي يبني المفاعلات الذرية التي تهدد وجودنا، ويحاربنا بالقنابل والطائرات، ونحن نحاربه بالكلام والخطابات.
واخيرا تحية من القلب لكل من نفذ عملا، او انتج فيلما او عرض مسرحية في لبنان، وتحية خاصة للبرنامج العربي في محطة اس بي اس للبث الاثني في استراليا، على البرنامج الموضوعي الناجح الذي قدّم بمناسبة الذكرى الاولى لمذبحة قانا والذي نتمنى لو انه يوثق بالعربية والانكليزية ويهدى الى قانا، بعد عرضه في استراليا، (لعل وعسى يصبح لمقبرة الشهداء في قانا ذلك المتحف الذي اقترحناه، فيحفظ فيه).