كيف استطاع كمال جنبلاط ان يوفق بين اشتراكية الشعوبية وزعامة عائلته الجنبلاطية

نجاة فخري مرسي
من الأرشيف
اسعدتني ادارة جريدة النهار الغرّاء باشراكي في ملحقها الخاص بمناسبة مرور عشرين سنة على غياب كمال جنبلاط. فقمت بتصفح كل ما كتبت عنه بمناسبة ذكرى استشهاده عام 1981. وما كتبت عنه في برنامجي الصحافي "شخصية من بلادي" في نهار ملبورن عام 1982. وقرأت أكثر ما وصلت اليه يدي من مؤلفاته، وما قال، وما قيل فيه، فلم أجد ثغرة أدخل منها، دون أن تكون مسبوقة او مكررة، لأن الكمّ الهائل الذي كتب عن شخصيته السياسية والفلسفية والفكرية عموما، وبالتالي عن نضاله واستشهاده، كثير، وكثير جدا.
وجدت ان الجانب الفكري والانساني من حياته ينبوع لا ينضب، وهو الغائب الحاضر، وحضوره في وطنه وفي نفوس محبيه يتجدد كلما عزّت المواقف المصيرية.
شعرت انني وبأقل قدر من التردد، استطيع ان اضع اسمه على قائمة كبار القادة والساسة في العصر الحديث، بما فيها شخصية المناضل المهاتما غاندي، في اكاديميته التي سخّرها لخدمة بلاده.. في تنسكه.. في حبّه لاوطانه ومواطنيه، في تضحياته، في ثورته البيضاء لتحرير بلاده، وبالتالي في شهادته واستشهاده، حيث دفع حياته الثمينة ثمنا لصموده، ونزاهته، ونظافة يده. فوجدت ان "ناسكنا"، ومفكرنا، وشهيدنا، الاستاذ كمال جنبلاط وإن يكن لم تمهله المنية كي يحقق ثورته الحضارية الا انه قد أضاف على كل هذا انتاجه الفكري، حيث "ألف العديد من الكتب السياسية والاجتماعية والفلسفية، التي بلغ عددها أكثر من عشرين مؤلفا، كما ترك ما لايقل عن 3 الاف افتتاحية، وعدة طروحات اكاديمية" (1).
نعم لقد كنا وكان لبنان دائما بحاجة ماسة الى ثورة حضارية بيضاء، تحرّره من أمراض الاقطاعية، والطائفية، والمحسوبيات، والزعامات الموروثة أباً عن جد. ولكنها وللأسف كانت ثورة حمراء نادى رجالاتها بشعارات الدم والتفرقة المذهبية، ثورة حصدت من أرواح غالية ومن دمار عمران، السلام والتعايش السلمي الى سنين قادمة، وربما طويلة.
وهكذا تفجع الاوطان المنكوبة بخيرة رجالها، وهكذا تفجع الحركات التحررية دائما بوجود الرصاصة الغادرة، كالتي أصابت غاندي في الهند.. ومارتن لوثر كينغ في امريكا.. وكمال جنبلاط في لبنان.
واذا رجعنا قليلا الى سيرة "الغائب الحاضر" كمال جنبلاط، نجد اننا امام علامة استفهام حول شخصيته المميزة، وكيف استطاع ان يوفق بين اشتراكيته الشعوبية، وزعامة أسرته الجنبلاطية؟ التي اعدته لأن يكون زعيما سياسيا، وممثلا لطائفة تحلف بحياة رأسه، ثم وجدت انه على الرغم من نشأته في الاجواء العريقة المترفة أباً عن جد.. وعلى الرغم من وجوده في وطن باتت فيه السياسة تباع وتشترى، ويتوارثها الابناء عن الاباء، والاحفاد عن الاجداد.. وعلى الرغم من كل هذه المؤثرات الطبقية والطائفية، فقد استطاع ان يحتفظ بجوهره المتميز، ويبلور ميوله الاشتراكية والانسانية، ثم يعمل على تأسيس حزب تقدمي اشتراكي يصيغ دستوره بيده.. وجبهة وطنية.. ويترأس جبهة نضال برلمانية.. ثم يقف ضد مشاريع الاحلاف التي تتعارض مع عروبة لبنان، كما وتشغله القضايا المصيرية وفي مقدمتها قضية الشعب الفلسطيني.
تحدّث في مقدمة كتابه "حقيقة الثورة اللبنانية" عن الدوافع الحقيقية لانتفاضة عام 1985، في لبنان، وعن قصص الفساد والافساد بأسلوب جريء تستشف منه هواجسه الوطنية والسياسية.. ونظرته.

(1) – من كتاب "هذه وصيتي"