بيروت أيام زمان

نجاة فخري مرسي
من أرشيفي
من أرض خصّها الله بالنعم والجمال.. من بلاد عمرها ستة آلف سنة.. من وراء البحار.. من وطني لبنان.. من مدينتي الحبيبة بيروت، عروس المدن الساحلية في شرقي البحر الأبيض المتوسط.. المدينة التي جذبت سواح العالم للتمتع بمكنوناتها، ولكنها ويا للأسف هدمت الحرب اللبنانية بعضاً من معالمها، كما هدمت وسطها التجاري بأكمله، وأعيد إعماره على أسس حديثة.
إن من يعرف بيروت يعرفها صبيّة حسناء تنجلي في صدارة الشاطئ ذراعيها للرايح والغادي، وكم وكم أغْضَبَنا نبلها بتقاتلنا، وكم وكم آذينا شموخها بتفرّقنا، فقاومت وصبرت لعلمها أن أهلها سيعودون يوماً إلى أصالتهم، ويجتمعون، ويرجعونها رافعة الرأس مستعيدة دورها في طليعة البلدان بين الأمم المميزة. كنا نتناقل الحديث عن أهمية بيروت أيام زمان مما نقرأه في تاريخ كتاب التاريخ أو من محاضرات الباحثين، واليوم أعادتنا الحفريات التي أقيمت في الوسط التجاري إلى أيام عزّها ورقيها وحضارتها.
إذ كل يوم تكشف لنا الحفريات عن آثار جديدة عن عهد من العهود التي مرّت بها بيروت من قبل التاريخ.. من قبل الميلاد.. ومن بعد الميلاد، وكم من شعوب وأمم وردت إليها واحتلتها، واضمحلّت الشعوب، وانمحت الأمم، وبقيت بيروت، وانبعثت من التاريخ، في انتظار الإزدهار القريب. ومن الفخاريات التي وجدت، ومن النسر المحفور على صخر يتبيّن لنا أنها كانت في عهد غابر رومانية.
ومن الجرار المتقنة الصنع والأدوات الخزفية نعلم أنها كانت في فترة ما بيزنطية.. ومن الأواني والمدافن ما يرشد إلى العهد الكنعاني، ومن الأحجار التي كتبت عليها كتابات ونقوش، ومن جدران للأبنية أو الطرقات نستدل على أنها كانت بابلية تشهد على فنّ الهندسة، ورقي التخطيط، وفنّ الكتابة..
ووجدت فيها أيضاً أدوات حربية من العهد الأشوري. جميع هذه التحف والآثار الملموسة تدلّ على أن بيروت كانت مبنية في العهود القديمة وكان الوسط التجاري، أي تحت ساحة البرج وشارع المعرض، وساحة السمك، ومكان سينما ريفولي، وتحت مجلس النواب (الذي ما يزال في مكانه) وهذا يعني أن بيروت كانت ثابتة في مكانها منذ بداية الكون.. ومن أول الحضارة..
وأن جميع الشعوب والدول القديمة التي صنعت التاريخ كان لها ركن أساسي في بيروت.وفي العهد الفينيقي يوم كانت كل مدينة قائمة بذاتها، إمتدّت مساحة بيروت من نهر الكلب شمالاً حتى خلدة جنوباً، ومن البحر في رأس بيروت غرباً إلى نهر الموت في سفح جبل لبنان شرقاً، وكانت محاطة بالبساتين الغنّاء وكروم العنب، كما بنيت فيها الهياكل العظيمة، والأروقة المحاطة بالأعمدة الفخمة، وكانت تتنافس بالشهرة مع صيدا وصور وجبيل وجزيرة أرواد، ولكن مساحة تلك المدن كانت أصغر بكثير من مساحتها، وأمّا في العهد الروماني، أي ابتداء من سنة (64 ميلادي) فقد تفوّقت على جميع مدن الساحل، وتكاثر عدد سكانها، وازدهرت بالعلم والعمران وذاع صيتها في محيط بلدان البحر الأبيض المتوسط. وتوجد أبحاث علمية حالية تؤكد من الآثار والقبور والنقوش التي وجدت في البرازيل، وفي بعض مدن الأرجنتين أن الفينيقيين سكان بيروت والمدن الأخرى قد وصلوا الى تلك البلاد النائية قبل كريتسوفر كولومبوس بمئات السنين.
يتبع
– (والى اللقاء مع القسم الثاني) عن الإذاعية بديعة فتح الله جنبلاط