نجاة فخري مرسي
من منّا لا يهمّه أن يعرف ما طمسته الأحداث السياسية المؤلمة من تراثنا العريق، يوم كانت لنا حضارات فاقت في حينها كل الحضارات الأدبية والثقافية، يوم كانت تتفوّق على العالم الذي أصبح يدّعي التحضّر اليوم، مع أنه لم يغيّر أسلوبه في القرصنة والإستعمار ، وإن يكن قد غيّر شكلها، من استعمال سيف يقتل به شخصاً أو بضعة أشخاص، إلى أساليب فتك ودمار تبيد المدن والعمران، وتقتل مئات الألوف في لحظات، ولا يهمّ أن يكون القاتل شجاعاً، لكن المهم أن يكون جباناً، يستطيع أن يضغط بأصبع آثم على زر في طائرة أو في باخرة أو في دبابة، فيقتل ما عجز عن قتله آلاف الشجعان والمحاربين في حروب قديمة، وطويلة.
في لقاء مع إذاعية معروفة ينطلق صوتها من محطة "صوت لبنان" في بيروت، كل خميس من أيام الأسبوع كان هذا اللقاء في مكتبها بصوت لبنان بتاريخ 16/5/1996. تحدثنا عن مسيرتها الإذاعية، التي بدأت في تقديم برنامج ما يطلبه المستعمون، تلاه برنامج تلفزيوني على الهواء، أصبح له عشاقه ثم يعاد بثّه في مجلة الصياد لأن أكثرها تراثي، فقال فيها الإعلامي المعروف سعيد فريحة صاحب مجلة الصياد، هذه العبارة التي شجعتني، والعبارة هي: "ليس من الضرورة أن تكون من كتبت عن نابليون بونابرت قد حضرت معاركه.. ولا من الضرورة أن تكون من تتكلم عن صلاح الدين قد عاشت في عصره".
ثم دار بيننا الحديث التالي:
س: لنفترض أنني قرّرت أن أقدّمك للمستمع العربي في استراليا، فهل يهمّك هذا؟
أجابت، طبعاً، طبعاً طبعاً"، وقدّمت لي شريط فيديو بصوتها وفيه حلقات برنامجها "أيام زمان" لتسمعه الجالية العربية في أستراليا.
نقلته بعد عودتي على الورق، ونشرته في أحد برامجي في جريدة "النهار" المهجرية الغرّاء تحت عنوان "أيام زمان" ثم احتفظت به في أرشيفي الصحافي.
وبينما كنت أبحث في هذا الأرشيف المليء بالذكريات والأفكار السياسية للمقارنة بين حاضرنا وماضينا، فوجدت فيما وجدت برنامج الصديقة والزميلة "أيام زمان" الذي يعود تاريخه إلى أواخر القرن العشرين.
رأيت أن أشرك القارئ في هذه المقارنة بين بيروت اليوم و "بيروت أيام زمان" وعن الأحداث الكثيرة التي قاست منها على مدى تاريخها الطويل الذي يصل بتقديرات الحفريات الجديدة إلى ستة آلاف سنة، وعن الغزاة وعن الحروب، والكوارث الطبيعية، وبالتالي عن ظلم أهلها لها بحروبهم الأهلية البغيضة، التي شوّهت جمالها، ودمّرت عمرانها.
ومع ذلك ظلت بيروتنا العريقة إلى عهد قريب، منتدى للأدب والفكر وبقيت نوّارة الشرق ودرّة الأوطان، وجميلة الجميلات، وستبقى بإذن الله.
وإلى اللقاء في العدد القادم في مجلة ليلى الألكترونية الغرّاء مع القسم الأول من : "بيروت أيام زمان".
ملبورن – أستراليا