نجاة فخري مرسي
بعد موجات الإجرام المؤرّقة التي تعاني منها المجتمعات البشرية وبعد تزايد مخاطرها يوماً بعد يوم، أصبح يتوجّب على الحكومات فتح الملفات، والحديث عن أهمية عقوبة الموت للحدّ من انتشار هذه الجريمة بهذه الأشكال المخيفة.
لقد أجرت إحدى القنوات التلفزيونية إستفتاءً شعبياً حول هذا الموضوع على إثر جريمة إعتداء مروّعة على شابّة بريئة في إحدى المدن الأسترالية، فجاءت النتيجة أن أكثر من تسعين بالمئة يحبّذون المطالبة بعقوبة الإعدام، وهذا يفسّر أن انتشار الإجرام قد حوّل المجتمع إلى غابة يصل فيها الإجرام إلى كل بيت ويطال الكبار والصغار، وحتى الأطفال، ممّا حوّل البيوت الآمنة إلى سجون مسوّرة، والمجرم الذي ألقي القبض عليه ينعم في سجن إنساني مريح، على حساب أبناء الشعب وحكومات الشعب.
لا نستطيع هنا أن نجزم فيما إذا كان إلغاء عقوبة الإعدام في الغرب هو الذي سبّب هذه الموجة من الإجرام، أم أن انتشار المخدّرات، أم أن الإثنين معاً، أم لأسباب أخرى.
المهم أننا بعملية حسابية بسيطة نجد أن إلغاء عقوبة الإعدام للمجرم الذي قتل، أو القاتل مثل مروّج المخدرات يسبّب الموت بالجملة يستدعي بناء المزيد من السجون، والمزيد من الأعباء المالية على الدولة، وعلى دافعي الضرائب من أبناء الشعب، وكل هذا لا ينهي المشكلة بل يزيدها استفحالاً، لأن المجرم سيبقى مجرماً، وموزّع المخدرات سيوزعها في السجن، وكثير منهم من يعتدي على بقية السجناء، وبذلك يكون إلغاء عقوبة الإعدام، قد قدّم الحياة للإنسان المجرم على حساب المواطن البريء، بل ويعقّد المشكلة، ويزيدها خطورة.
وأخيراً فإن الحسابات تلتقي جميعها عند نقطة واحدة، ألا وهي أن الحياة للمجرم معناها الموت للبريء. وقبل أن أدلي بدلوي، وأعطي رأيي بالثناء على قانون "السنّ بالسنّ، والعين بالعين" يكفي أن نسمع آراء أكثر من تسعين بالمئة من أفراد المجتمع الأسترالي وهم يطالبون بإعادة عقوبة الإعدام، لتخفيف الرعب في المجتمع، وعودة الأمان، وخوف الكبار على الصغار، والآباء على الأبناء، والإغتصاب والقتل والخوف على رجال البوليس، الذين هم حماة الأمن، بعد أن أصبح الخطر يهدّد حياتهم وحياة عائلاتهم.
تبقى نقطة إحتمال إعدام بريء بدافع الخطأ، وهذه النقطة قد شغلت بال العشرة بالمئة الباقية، وهي طبعاً نقطة إنسانية هامّة ولا يمكن الإستهانة بها، ولكن الإيمان بعدالة القانون، يقلل من احتمالات حدوثها.
ويكفي أن نعلم أن ستة من كل عشر نساء في العالم يتعرّضن للإغتصاب الجنسي، وربّما القتل للتغطية، أي أكثر من نصف المجتمعات النسائية، ويكفي أن نعلم أن المئات والآلاف من الأطفال من إناث وذكور قد اختطفوا وامتهنوا وقطعت أوصالهم ودُفنوا.. وأن ملايين البيوت والبنوك، والمحال التجارية قد كسرت وسرقت، وأن خطر الإجرام قد تسلل إلى جوانب حياة الإنسان والحياة الإنسانية وهذا يستدعي المطالبة مع المطالبين بإعادة عقوبة الإعدام.
ملبورن – أستراليا